يعود شبح أعمال الخطف والمساومات بقوة في الشارع العراقي، وتحديداً في محافظة ديالى (إلى الشمال الشرقي من بغداد) الخاضعة لسلطة المليشيات، ليطارد أهلها وتصبح بعض مناطقها خطّاً أحمر لا يمكن الاقتراب منها، في وقت برّرت الجهات الأمنية تلك الأعمال بأنّها "وهمية" و"أحداث مفتعلة"، الأمر الذي أثار استهجان الأهالي وعدّوه تنصلاً من المسؤولية.
وليس هناك إحصائية دقيقة لأعداد المختطفين في المحافظة، المرتبطة حدودياً مع إيران، لكنّ ضباطاً أمنيين أكدوا تسجيل عشرات من حوادث الخطف في كل شهر، وأنّ تلك الأعمال تقيّد ضدّ مجهول، ولم يتم الكشف عن أي شخص أو جهة متورطة بها.
وفي السياق، قال ضابط برتبة مقدّم في قيادة شرطة المحافظة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أعمال الخطف نشطت بشكل كبير في أغلب مناطق المحافظة"، مبيناً أنّ "المشكلة تمكن في عدم وجود الرادع الذي يردع المليشيات التي تنفذ أعمال الخطف".
وأكّد، الضابط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ "الجهات الأمنية عاجزة عن اعتقال أي شخص أو جهة متورطة بتلك العمليات التي تسجّل العشرات منها شهرياً في مناطق المحافظة"، مبيناً أنّ "ضبّاط وقادة الشرطة لا يستطيعون التحقيق بتلك الجرائم بشكل صحيح، لأنّ المليشيات تهدّد أي مركز شرطة يتسبب بكشف الحقائق".
وأشار إلى أنّ "أغلب جرائم الخطف قيّدت ضدّ مجهول، وأغلق التحقيق بها، بينما ستواجه ملفات القضايا التي يتم التحقيق فيها حاليا نفس المصير".
وعلى الرغم من تواتر الأخبار والمعلومات التي تؤكد تلك الأعمال، إلّا أنّ قيادة شرطة المحافظة تحاول التنصل من مسؤوليتها، عبر نفي وتكذيب أي وجود لأعمال الخطف تارة، وتارة عبر وصفها بأوصاف تقلّل من خطورتها.
وأكدت القيادة، أنّ "30 بالمائة من جرائم الخطف في المحافظة هي جرائم وهمية"، وقالت القيادة، في بيان صحافي، إنّ "الأجهزة الأمنيّة سجّلت قبل عدّة أيّام حادثة خطف مدني في الضواحي الجنوبية لمدينة بعقوبة"، مبينة أنّه "بعد التحقيق تبيّن أنّ عملية الخطف وهمية، وقد رتّب لها المدني من خلال خداعه للناس ودفعه أسرته للإبلاغ عن خطفه، بعد أن اختفى في إحدى المحافظات المجاورة، تهربا من ديون له للمواطنين".
وأضافت أنّ "فرق التحقيق استطاعت كشف ذلك، وأصدرت مذكرة قبض بحق المدني بتهمة التضليل".
وأثار حديث قيادة شرطة المحافظة، عن أعمال الخطف واعتبارها "وهمية"، استهجان وانتقاد أهالي المحافظة، الذين عدّوا ذلك محاولة للتنصّل من المسؤولية الملفّات على عاتقها.
وفي هذا الصدد قال عضو مجلس عشائر المحافظة، الشيخ عبد الله الجبوري، إنّ "تبريرات الشرطة غير مقنعة، ومثيرة للاستهجان".
وأكد الشيخ، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "قيادة الشرطة عاجزة عن وضع حدٍّ لتلك الأعمال، كما أنّها لا تستطيع أن تعترض على المليشيات التي تنفذها، ولا تستطيع التحقيق في تلك الجرائم"، مبيناً أنّنا "قلنا ونقول إنّ سلطة المليشيات في ديالى أقوى من سلطة الدولة، وأنّ أعمال الخطف التي تنفذها بشكل مستمر لا أحد يستطيع منعها أو التحقيق بها، الأمر الذي يحتّم على الحكومة التدخّل وإيجاد حل لهذه الأعمال التي ذهب ضحيتها العشرات من أبناء المحافظة".
يشار إلى أنّ محافظة ديالى خاضعة تماما لسيطرة مليشيات "الحشد الشعبي"، التي بسطت نفوذها على الملفين الأمني والسياسي، وأصبحت القوة الوحيدة التي لا أحد يستطيع أن يعارض قراراتها وانتهاكاتها.