باتت ظاهرة بيع شبان عراقيين لدمائهم رائجة في ساحات وأروقة المستشفيات الحكومية والأهلية على حد سواء، بالتزامن مع انتشار السرقة والسطو المسلّح والتسول، لأسباب عدة، من بينها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتكرار التفجيرات.
وتقدّر منظمة مدنية عراقية عدد الشبان الذين يبيعون دماءهم شهريا بالمئات، للحصول على مال يقدر بين 10 و25 دولاراً لكيس الدم الواحد، ويقول مدير منظمة "أمل"، حسين عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن "الظاهرة ليست جديدة، لكنها استفحلت".
ويبين أن "أهل أي المريض يبحثون عن الدم مهما كان ثمنه، والحكومة لا تفعل شيئا. كان يمكن وضع هؤلاء ضمن شبكة الحماية الاجتماعية، وصرف مبلغ شهري لهم، بدلاً من هذه المهنة التي تحمل في ظاهرها معاني سلبية كبيرة".
لا يحتاج ذوو المريض الذي يحتاج إلى الدم سوى للخروج إلى حديقة المستشفى أو خارج سورها، ليجدوا عددا من الشبان ينتظرون بيع دمائهم مقابل مبلغ زهيد، دون الحاجة إلى البحث عن متبرع من الأقرباء أو الأصدقاء.
وفي هذا السياق، يكشف حسن الحلفي، وهو موظف في مستشفى مدينة الطب، لـ"العربي الجديد"، أن "بيع الدم أصبح أمراً مألوفاً في باحة المستشفى الخارجية. يأتي كل يوم شباب في مقتبل العمر، يبيعون الدم لذوي المرضى الذين سيجرون عمليات جراحية، أو أصيبوا خلال المعارك والاعتداءات الإرهابية، وتجري عملية التفاهم على السعر، وكأننا في سوق لبيع الفواكه والخضروات".
ويضيف الحلفي أن "سعر كيس الدم الواحد يصل إلى 25 دولاراً، خاصة بالنسبة لفصائل الدم النادرة، وعندما يكون هناك مريض بحاجة لعملية جراحية عاجلة يرتفع السعر أكثر".
وتخطت قضية بيع الدم الإجراءات القانونية والطبية المتبعة في المستشفيات، إذ أصبح هناك متخصصون في بيع الدم، يتجولون في باحة المستشفيات يستقبلون المحتاجين ويتفاهمون معهم على السعر.
يقول راضي الزبيدي، الموظف في مستشفى اليرموك ببغداد، إن "بيع الدم أصبح وسيلة تكسب لعشرات الشباب العاطلين من العمل، وتطور الأمر إلى بيعه في عربات المأكولات السريعة قرب المستشفيات، وهي حالة خطيرة صحياً وغير قانونية".
بلا رقابة
ويشير الزبيدي إلى أنه "لا توجد أي رقابة، وتستمر التجارة طالما يحتاج عشرات المرضى والجرحى للدم لإجراء العمليات الجراحية، خاصة جرحى التفجيرات والمعارك الذين يصلون إلى المستشفيات".
أما حيدر سالم (31 سنة)، فيتحدث عن تجربته في بيع الدم، قائلاً: "بسبب البطالة أذهب بين آونة وأخرى إلى أحد مستشفيات بغداد، وأتفق مع ذوي أحد المرضى قبل إجراء العملية الجراحية، وأبيع دمي بمبلغ يراوح بين 20 إلى 25 دولاراً لأكسب".
ويبين لـ"العربي الجديد"، أن الأمر نفسه يفعله آخرون يومياً في ساحات المستشفيات الحكومية والأهلية على حد سواء، مبيناً أنه استطاع أن يبيع دمه أربع مرات خلال الشهر الماضي، وهو رقم قياسي بالنسبة لبنيته الجسدية، وحصل على 120 دولاراً فضلا عن وجبتي عشاء، مضيفاً "مرات أحصل على أكثر من ذلك، خاصة إذا كان المريض ثرياً".
إلى ذلك، يرى مختصون أن المشكلة في بيع الدم بتلك الطرق أنها لا تخضع لرقابة طبية، وكثير من الشباب الذين يبيعون دماءهم قد يكونون مرضى، أو يتعاطون الكحول أو المواد المخدرة، ما يشكل خطراً على المرضى.
وأدت التفجيرات التي ضربت العاصمة العراقية، إلى تزايد تجارة بيع الدم بشكل كبير، فبعد كل تفجير ينتشر عشرات الشباب في باحات المستشفيات لاستقبال الجرحى والتفاوض مع ذويهم على أسعار أكياس الدم.
ويقول عادل علي (37 سنة)، خريج كلية الإدارة ببغداد: "بدأ الأمر معي صدفة، ومن خلال نخوة عراقية، حين تبرعت لسيدة مريضة، لكن ولدها أكرمني بمبلغ مالي جيد، عندها فكرت أن يكون ذلك مصدر دخل، دون أن أعلم أن هناك من سبقني. حاليا بات عندي مبلغ ثابت أحصل عليه شهريا من بيع الدم يراوح بين 100 إلى 150 دولارا، وهذا أفضل من لا شيء".
ويعتبر الطبيب وعد محمود، أحد مفتشي وزارة الصحة العراقية، أن "غالبية المتبرعين بالدم نصابون، وبعضهم مدمنون على الكحول والمخدرات، وقبل استيراد أجهزة تنقية الدم كنا نعاني بسبب ذلك"، ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "الظاهرة باتت مستفحلة، ليس ببغداد فقط بل في كثير من المدن، ولا يمكن لوم الشباب حتى وإن كانوا مدمنين. اللوم يقع على الحكومة".