شباب غرباء وأجندات حائرة

12 يونيو 2016
+ الخط -
دعيت الشهر الماضي لحضور برنامج يعنى بالقيادات الشابة العربية في إحدى الدول الاسكندنافية، بمشاركة ما يقارب 30 شاباً وشابة من العالم العربي. ولشدة حماسي أعددت محاور عديدة لمناقشتها في الرحلة المقصودة، مع شباب الربيع العربي القادمين من أفريقيا والشرق والأوسط، جميعنا تحت سقف واحد في بلد أوروبي لنتحدث بحرية عن مستقبل ثوراتنا العربية، عن الديمقراطية والانتقال السياسي، عن الانقسام في الهوية، عن الاستقطاب العلماني - الإسلامي للشباب، عن غياب تجمعات سياسية موحدة وعن سبب إقصاء الشباب من مراكز القرار اليوم.

إلا أن حماسي سرعان ما برد على مدار عشرين يوما، حيث اهتم القائمون على البرنامج بسماع المشاكل والمخاوف التي نواجهها على المستوى الشخصي. تبدد حلمي بمناقشة همومنا الجماعية المشتركة، بعد أن انتهينا بالحديث عن حقوق المثليين، ليصبح العاديون (المستقيمون) غريبي الأطوار أو التقليديين. ناقشنا "عظمة" القيم الأوروبية، والحلم الأصيل بالعيش في الغرب بدلا من الاستقرار في العالم العربي. أما النقاش الأهم فكان عن الحريات الفردية التي تغلب على المصلحة الجماعية.

إلى حد ما شعرت بأنني أواجه ما يسمى بـ "الاستشراق الجديد" الذي ينظر برومانسية للشباب العربي، الذين صنعوا الثورات من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، "شباب الفيسبوك" كما يستمتع الكثيرون بوصفهم أصحاب الإنتاج الثقافي المبتكر وصانعي الانتفاضات العربية افتراضياً، والتي وجدت طريقها إلى أرض الواقع لاحقا. ها هم الآن هنا يُرحب بهم وبشدة في المحافل الغربية، فهم الذين سيغيرون عالمهم جنباً إلى جانب الديمقراطيات الغربية.

بيد أن ظني خاب مرة أخرى، فلم أستطع أن ألقي باللوم على منظمي البرنامج بعد استماعي للشباب أنفسهم، حيث رأيت شباناً يؤمنون بالديمقراطية ولكن لا فكرة لديهم عن آليات تحقيقها. هم يؤمنون بالحريات الفردية التي تتناول الملبس والجنس، حريات تفرض نفسها فقط في الإطار الشخصي، متناسية حرية الجماعة المحيطة بها. أما الهوية العربية أو القومية، تلك التي تربى عليها أجيال ما بعد الاستقلال، فقد أُقصيت تماما عن أجندتهم. كانت هناك مطالبة فقط بحماية الأقليات ولا أقصد الدينية هنا، بل حماية المختلفين جنسياً أو اجتماعياً عنا. أما عن مستقبل الثورات فهذا السؤال لم يشغل بال الكثيرين.

يرى الباحث، آصف بيات، في إحدى مقابلاته، أننا نشهد في العالم العربي ما سماه "اللاحركات الاجتماعية"، والتي يعرفها بأنها الفعل الجماعي لفاعلين متفرقين وغير منظمين. هذه اللاحركات الشبابية ليس لها هدف سياسي فِعليٌّ يعنيها يخص الإطاحة بالأنظمة القمعية، أو ممارسة ضغط لتحقيق إصلاحات سياسية، بل ينصب اهتمامها بدلا من ذلك على تحسين فرص الحياة للفاعلين.

شخصياً، هذا ما لاحظته، فرغم بعض الأفكار الجيدة التي تسللت خلال البرنامج، والتي تتعلق بمصالحة وطنية في بعض البلدان، وبحق التعليم للجميع، إلا أنه وبشكل عام فإن خواطر هؤلاء الشبان وأفكارهم كانت تتعلق بمصالح فردية، وما تبقى من أفكار لم تكن مغايرة للجيل القديم الذي ينتقدونه، ما عدا رغباتهم المعلنة بالتحرر من الضوابط الدينية وبشدة. ما يفسر ذلك جزئيا هو إعراضهم عن القراءة والمعرفة وعلاقتهم الهشة بالكتب والكتاب، من دون أن تندمج أجيال الشباب في الأفكار والكتب وما تحويه من سجالات وتجارب فإن الثقافة الحركية تظل هشة ولا تماسك فيها.

فهل هذه "اللا حركة الاجتماعية" هي بديلنا بعد تعثر العملية الديمقراطية في السنوات الأخيرة؟ ومَن المحق بيننا اليوم، شباب ينادي بالحرية للجميع؟ أم الذي ينادون بالحرية الفردية؟ أهم غريبو الأفكار أم نحن؟

بكل الأحوال يستحق الشباب العربي الالتفات إليه أكثر، سواء من خلال الدراسات والبحوث، أو دفعه للمشاركة في صنع القرار اليوم على كافة المستويات. وربما الأهم من هذا وذاك، هو التوقف عن رسم الصورة الوردية للشباب العربي بأنه سعيد ويعرف طريقه، فهو يحتاج لمد يد العون له الآن أكثر من أي وقت مضى.

المساهمون