شباب عراقيون يختارون السكن المستقل

06 يوليو 2017
إلى منزلهما الخاص بعد الحفل (سافين حامد/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يمنع الوضع الاقتصادي الصعب كثيرين من شباب العراق من اختيار العيش المستقل عن الأهل، بعدما كانت العادات تقول بسكن الابن بعد زواجه مع أهله في منزلهم. وكان المجتمع يعيب على الابن مغادرة منزل والده بعد زواجه، ويشترط عليه البقاء فيه حتى إنجابه ولده الأول أو زواج شقيقه الأصغر سناً.

سمير طه (23 عاماً) طالب جامعي من مشجّعي "استقرار الشاب عند زواجه في بيت منفصل عن أهله والعيش بطريقة مستقلة عنهم". بالنسبة إليه، فإنّ "مثل هذا القرار من الأمور الصائبة، إذ يضمن استقراراً أكبر للزوجَين بعيداً عن تطفّل الأهل وتسلطهم والخلافات المحتملة. فالاستقلالية شيء رائع، من خلالها تعتمد الأسرة على ذاتها". يضيف أنّ "ثمّة خلافات كثيرة تحصل في البيوت تؤدّي إلى ارتفاع نسب المشاكل، لا سيّما الطلاق. بالتالي يكون الحلّ في بيت مستقلّ، من غير الضروري أن يكون فخماً، فالمهمّ أن يكون مليئاً بالحب وهذا ما يعزّز التماسك بين الزوجين".

ويقول طه إنّ السكن المستقل يضمن "تربية الأولاد وفق نظام واحد. فلا ينشأ الطفل على يد العم والجدة وغيرهما بطرق متعددة تؤثّر عليه وعلى والدَيه". ويشير إلى تفاصيل أخرى، قائلاً إنّه "في حال سكن الزوجان لدى الأهل، فإنّ ذلك يعني أن يكون الزوج الشاب مجبراً على تأمين مصاريف أهله بالإضافة إلى مصاريف زوجته. وثمّة أهل لا يرحمون الابن المسكين، الأمر الذي قد يجعل متطلباتهم تؤدّي إلى مشاكل أسريّة لا تنتهي. في النهاية، سوف يضطر إلى الخروج من بيت العائلة والانتقال إلى آخر مستقل لوحده، لذا وتفادياً لكلّ ذلك، الاستقرار منذ البداية في سكن خاص أفضل".

من جهته، يقول عثمان الجميلي (35 عاماً)، وهو ناشط اجتماعي، إنّ "جميعنا يعلم أنّ الأمور في السابق كانت بسيطة والقلوب كانت نظيفة والنيات صافية، وكانت الأسر تسكن في بيت واحد وتجتمع على سفرة واحدة وكان للحياة طعم خاص. أمّا اليوم، فقد اختلفت الأمور". ويشير الجميلي إلى أنّ "ظاهرة البيت المستقل لها إيجابياتها وسلبياتها على حدّ سواء. من الإيجابيات أنّ الزوجة سوف تحظى بمسكن لائق وهذا حقّها شرعاً وقانوناً حتى لا تكون مقيدة في حركتها. وإذا كانت صغيرة، فمن شأن ذلك أن يساعدها على الاتكال على نفسها والاهتمام بمسكنها ومأكلها ومفرشها من دون تدخّل من أحد مهما كانت صلة قرابته". أمّا السلبيات فهي تتعلق بحسب الجميلي "بصعوبة الحياة المستقلة لجهة تحمّل مسؤولية هذا القرار ولجهة اختيار البيت المناسب. إلى ذلك، قد يتضاعف العبء على الأسر في حال أمّنت لأبنائها سكناً مستقلاً بعد تزويجهم. وفي حال تفضيل إسكان ابن على آخر في بيت مستقل، فلا شكّ أنّ الغيرة ستحلّ بين الإخوة وعائلاتهم".




في السياق، يقول المصور محمد زنكنة (24 عاماً) إنّ "سعي الشباب وراء السكن المستقل له أسبابه بالتأكيد، وفي مقدمته ربما الصراع بين الحماة والكنّة، فضلاً عن التغيّرات في طبيعة الحياة. فكثر هم الشباب الذين ينزعون بصورة كبيرة إلى الاستقلال عن الأهل لتأسيس حياتهم والاعتماد على أنفسهم، بعيداً عن الصراع الأزلي والتدخلات في كلّ صغيرة وكبيرة بين الأهل وأبنائهم المتزوجين". ويشير زنكنة إلى أنّه يشجّع العيش في سكن مستقل عن الأهل، "لأن ذلك يبقي الاحترام كبيراً بين الأهل وعائلة ابنهم، ويشجّع الابن على تحمل المسؤولية".

إلى ذلك، تخبر أم نعمان (70 عاماً) أنّها قضت كثيراً من عمرها "في بيت أهل زوجي مع عمي وعمتي رحمهما الله. ففي سبعينيات القرن الماضي، كان عمي يرفض رفضاً قاطعاً أن يخرج ابنه بعد زواجه من بيت أهله، وكان يقول إنّ الأسرة لا تبقى أسرة إذا انعزل كل واحد عن إخوته وأهله". تضيف أنّ "مساحة البيت كانت كبيرة وقلوبنا أكبر. لم يتذمّر أحد، فالجميع سعيد في البيت الكبير.. طعامنا واحد وفرحنا واحد وحزننا واحد. وكان الجميع يتعاون لإنهاء اليوم على خير". تضيف أنّه "مع مرور السنين، تغيّرت الحياة وتغيّر الناس وطبائعهم. لم يعد الابن اليوم يتحمّل أباه أو أمه ولم يعد أحد يسمع وينفّذ، وهذا بحسب رأيي قلة احترام وليس تطوراً". وتتابع أم نعمان أنّه "على الرغم من إيجابيات البيت الكبير (بيت الأهل)، فإنّه من غير الممكن الاستمرار في النهج السابق. مع الأيام، نلاحظ أنّ نظام حياتنا بدأ يتراجع أمام مغريات الحياة ومتطلباتها، والأكثر من ذلك تغيّر النفوس وتعاليها على الحياة المشتركة". وتلفت إلى أنّ "الاستقلال عن الأهل أصبح بالتالي من ضمن سلم متطلبات الحياة الزوجية اليوم، على الرغم من غلاء الإيجارات".

دلالات