لم يعد أمام كثير من الفقراء والنازحين في اليمن سوى انتظار مساهمات مجتمعية أو منظمات دولية أو مبادرات شبابية تساعدهم في توفير بعض احتياجاتهم في ظل غياب الجهات الحكومية في عدن وكذلك في صنعاء، وتفاقم معاناة المواطنين.
لا تتوقف المبادرات الشبابية التي يسعى أصحابها إلى مساعدة أفقر فئات المجتمع والمتضررين من الحرب من خلال تنظيم الحملات الخيرية التي توفر لهم المساعدات الإنسانية والإيواء. ففي صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أطلقت مجموعة من الشباب مؤخراً مبادرة "فينا الخير" لمساعدة العاملين بالأجر اليومي (المياومين) الذين يقفون في الشوارع الرئيسية كلّ يوم للحصول على فرصة عمل تعود عليهم بالرزق لكن تخيب آمالهم عادة في ظل حرب توقفت معها الحياة وأعمال الإعمار التي يعتمدون عليها.
يقول أحمد المقولي، وهو صحافي وناشط في المجال الإنساني، وأحد المشاركين في المبادرة: "تعيش هذه الفئة أوضاعاً إنسانية صعبة جداً، ونستطيع أن نصفها بالفئة المسحوقة إذ لا مصدر دخل لها في ظل توقف الأعمال بشكل كامل. بعضهم يجلس على الأرصفة بحثاً عن عمل طوال اليوم من دون أكل". يشير إلى أنّ مبادرتهم كان هدفها تقديم وجبة إفطار للتجمعات العمالية الفقيرة في مناطق مختلفة. ويضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الفريق يعدّ موائد طعام يقدمها إلى العمال في التجمعات المعروفة بـ"حراج العمال" في مناطق مختلفة. وعن مصادر التمويل، يقول: "فتح باب المساهمة من قبل الشباب ليعادل السهم ألفي ريال يمني (8 دولارات أميركية)، يتم بعدها تخصيص 70 ألف ريال (280 دولاراً) مقابل تجهيز الوجبة التي تستهدف يومياً أكثر من 100 شخص. يلفت إلى أنّ المبادرة نفذت 38 حملة منذ انطلاقها بداية يناير/ كانون الثاني الماضي، واستفاد منها، إلى جانب العمال، المارة من المواطنين وشرطة السير.
نازحون ومشردون ومسنون فقراء. تلك أبرز الفئات المستهدفة ضمن أنشطة المبادرات التي يتحدث القائمون عليها عن نجاحات في تخفيف المعاناة عنهم. في عدن (جنوب)، نظمت مجموعة من الشباب مبادرة مجتمعية يعود ريعها لصالح دار رعاية المسنين لتوفير الاحتياجات الأساسية لنزلاء الدار ومساعدتهم. يقول معتز سمير، عضو المبادرة التي حملت اسم "أيادي الخير" إنّ الفعالية شهدت إقبالاً واسعاً من المواطنين والمجتمع خصوصاً الشباب الذين شاركوا بتنظيم المبادرة الخيرية. يؤكد لـ"العربي الجديد" على "أهمية الأثر الإيجابي للمبادرات الشبابية في تعزيز مبادئ المشاركة والتكافل الاجتماعي بين مختلف الشرائح". يشير إلى أنّ "المبادرات تؤكد استشعار الشباب المسؤولية تجاه الفئات الضعيفة والمحتاجة وسعيهم إلى بذل الجهود لتقديم الدعم والرعاية لأفرادها في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد".
في تعز الواقعة وسط اليمن، ترأس ألفت المقطري مبادرة شبابية سُميت بـ"أصدقاء للعطاء". تؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ المبادرة تسعى إلى الوصول لمن لا تصلهم المعونات الإنسانية والإيوائية المقدمة من المنظمات. تضيف أنّها بدأتها بشراء بطانيات وتوزيعها على عدد من الأسر الفقيرة والنازحين "الذين تزداد أعدادهم يومياً بسبب الحرب التي تشهدها مناطق مختلفة من المحافظة". تشير المقطري إلى أنّ مبادرتها ما زالت في بدايتها، ففريقها "يستعد حالياً لحملات توزيع مساعدات غذائية للأسر الفقيرة والمتضررة والنازحين في عدد من المناطق المستهدفة في المدينة والأرياف بعدما تكفل فاعل خير بدعمها بمبلغ مليون ريال (4 آلاف دولار) لشراء المواد الغذائية الأساسية".
الناشط عرفات مكي يقدم المساعدات لمن يحتاجها في محافظته الحديدة (غرب) التي ظهرت فيها المجاعة مؤخراً. يبادر مكي إلى عرض القضايا الإنسانية لأسر فقيرة على "فيسبوك" ويدعو الخيرين إلى تقديم الدعم لتلك الأسر. يقول لـ"العربي الجديد": "منذ بداية الحرب أتتبع من فقدوا مصادر دخلهم من حولي، وقد بدأت حياتهم المعيشية تتدهور يوماً بعد آخر. كثير من هذه الأسر يفشل في توفير وجبة غذائية واحدة في اليوم ولهذا كان لا بد من مبادرة لمساعدتهم". يشير مكي إلى أنّه يلقى تجاوباً كبيراً من المتابعين "خصوصاً من المغتربين الذين يقدمون المساعدات باستمرار".
تلفت الاختصاصية الاجتماعية هند ناصر إلى أنّ هذه المبادرات أنقذت كثيراً من اليمنيين وساعدتهم على تجاوز محنتهم الناتجة عن الحرب. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ قيادات الدولة بمختلف توجهاتها والتجار ورجال الأعمال مطالبون بدعم هذه المبادرات لأنّ المنظمات الدولية والمحلية لن تستطيع تغطية كلّ الاحتياجات مع زيادة عدد المحتاجين.