08 نوفمبر 2024
شباب "الملك" والرئيس
مع إعلان السعودية السماح للمرأة بقيادة السيارة، ضجّت وسائل الإعلام الغربية بالإطناب على التوجهات في المملكة في ظل "الملك الشاب"، في إشارة إلى ولي العهد محمد بن سلمان، والذي يترقب أن يعتلي العرش السعودي قريباً، بعد تسريباتٍ كثيرةٍ عن احتمال تنحّي والده الملك سلمان بن عبد العزيز عن الحكم، لضمان تنصيب نجله قبل موته.
وبغض النظر عن أهمية القرار السعودي في ما يخص المرأة، والذي جاء بعد مطالبات كثيرة رفعتها السعوديات، إلا أن الحديث عن "الملك الشاب" والانفتاح الذي يعد له في المملكة، وخصوصاً في ظل رؤية 2030 وفتح الأبواب أمام مجالات الترفيه خصوصاً، تعيد إلى الأذهان حديثاً آخر عن شاب آخر كان تولى الحكم في بلاده، غير أن نتائجه جاءت كارثية. فالكلام عن انفتاح بن سلمان، وأهمية كونه شاباً على المستقبل السعودي، سبق أن سمعناه قبل نحو 17 عاماً، عندما تولى بشار الأسد الحكم في سورية، خلفاً لوالده الرئيس حافظ الأسد. حينها أيضاً كثر الكلام عن مدلولات هذا التحول في سورية، وما سيؤدي إليه على صعيد الانفتاح والحريات، خصوصاً أن "الرئيس الشاب" يأتي من خلفية شبه أوروبية، إذ كان قد درس في بريطانيا، ومنفتح على العالم في مجال المعلوماتية، والذي عوّل كثيرون أن سورية ستدخله في العهد الميمون.
غير أن كل هذه الأحاديث تبخرت مع الأشهر الأولى للممارسة، فلم تشهد سورية أي نوع من التحول الديمقراطي المنشود، ولا دخلت عصر السرعة على الصعيد الاقتصادي. الكل يذكر تلك الأشهر، وخصوصاً حالة ما أطلق عليه لفترة وجيزة اسم "ربيع دمشق"، حين تم تشكيل منتديات من ناشطين وسياسيين معارضين، أرادوا تصويب نظام الحكم في البلاد، ليس عبر إطاحة الرئيس، بل بإطلاق الحريات والتأسيس لمسار ديمقراطي، يكون له ثماره على المدى الطويل. غير أن هذا المدى لم ينهل هذه المنتديات، إذ تم إغلاقها وزجّ أفرادها في السجون، بينما تمكن آخرون من الفرار خارج البلاد، لتستكمل بعدها سورية المسار الديكتاتوري نفسه الذي خطّه الرئيس الأب.
غير أن "الرئيس الشاب" أبى إلا أن يضع بصماته الخاصة على هذا المسار، فكانت المحرقة السورية المندلعة منذ عام 2011، والتي راح ضحيتها مئات آلاف القتلى السوريين وملايين المهجّرين. محرقة كان لا بد منها، في نظر هذا "الشاب" الذي تجاوز اليوم الثانية والخمسين من عمره، لضمان بقائه على رأس البلاد وإعطاء فرصة إضافية لـ "انفتاحه" ومحاولاته "التطوير" والسير بـ "النهج الديمقراطي"، غير أن نتيجة هذه التجربة لا تسير وفق ما يخطط له، خصوصاً مع ما يبدو انتهاء للدولة السورية كما كنا نعرفها، أو حتى كدولة موحدة، مع بروز الكانتونات ذات النفوذ الداخلي والخارجي، وإعلان النظام نفسه استعداده لفتح الباب أمام كانتونات أخرى، شريطة بقائه هيكلاً بلا جسم ولا نفوذ.
لا يمكن إسقاط تجربة "الشباب السوري" كلياً على النموذج السعودي الشاب، على الرغم من أن هناك أوجه شبه كثيرة، خصوصاً أن "الملك المنتظر" دشن نفوذه بالرؤى التطويرية التي تم الإجماع على فشلها العملي، واقتصرت نتائجها على خنق السعوديين والوافدين اقتصادياً عبر مزيدٍ من التقشف والضرائب، وانتقل بعدها إلى اليمن، حيث شن حرباً ارتكبت خلالها مجازر أسقطت آلاف القتلى، وقسمت البلاد إلى شمال وجنوب، قبل أن يقرّر الذهاب نحو قطر وحصارها. كل هذه في إطار الرؤية "الشابة" للحكم في المنطقة.
بين التجربتين "الشابتين" في سورية والسعودية، هناك فوارق، غير أن ما يجمعهما أكثر، ونتائج الأولى لا تبشر بخير على الثانية.