اختار الشاب الفلسطيني أحمد أبو رحمة (26 عاماً) من قرية بلعين، غربي رام الله وسط الضفة الغربية، تكريم والده ربحي أحمد أبو رحمة (60 عاماً)، الذي شارف على التقاعد، بطريقةٍ مميزة، تقديرا لكفاحه ولما بذله من تضحيات في سبيل أبنائه وأسرته.
ويعاني المُسنّ ربحي أبو رحمة من مشاكل في السمع والنطق - من الأشخاص المصابين بالصُم والبكم - منذ ولادته، لكنه حارب صعوبات الحياة، وعندما كبر تزوج وأنجب ابنه البكر (عودة 32 عاماً)، وأحمد، وهو أحد أعضاء فرقة أوسكار للرقص الاستعراضي، ودرس كل منهما في المدرسة والجامعة، على خلاف ما يتوقع المجتمع من أبٍ يصنف من ذوي الإعاقة.
اشتغل الأب أبو رحمة عامل نظافة في بلدية رام الله، واستطاع الإيفاء بمسؤولياته. اثنان وعشرون عاماً قضاها في تنظيف شوارع مدينة رام الله بعربته ومكنسته والابتسامة لا تفارقه، وبعد أن شارف على التقاعد من وظيفته، قرر أحمد تكريمه بطريقةٍ خاصة، إذ انتشر مؤخراً مقطع فيديو مصور لابنه الأصغر أحمد وزملائه في فرقة أوسكار، وهم يؤدون رقصةً مع لغة الإشارة التي يفهمها الصم والبكم، كشكلٍ تكريمي للأب الذي فاق عطاؤه توقعاً.
يقول أحمد أبو رحمة لـ"العربي الجديد": "أقدّر والدي جداً ، وهو الصديق بالإضافة إلى الأب، لن أتوقف عن تكريمه، على العكس لدي نية بأن أفعل له ما يليق به بعد تقاعده، لقد بذل جهداً كبيراً لنحصل على ما نريده ونحتاجه، رغم أنه لم يتلق تعليماً، ولم يكن يعرف، حتى السنوات الأخيرة، لا القراءة ولا الكتابة لكنه تعلمهما، لم نحتج شيئاً إلا وأحضره لنا، حتى أن اهتمامه يتخطانا أنا وأخي، إلى والدتي التي أصيبت بمرض الزهايمر""
ومن العجائب أن الأب ربحي لا يسمع ولا يتكلم، لكنه يشعر بحاجة أطفاله، يتابع أحمد : " لا أدري ما سر علاقة والدي مع الله، حصل أنني في أيام دراستي الجامعية لتخصص التربية الرياضية- من الرياضة - رغبت في جلب غرض ما أحتاجه، ولم أفصح لأحد عن حاجتي هذه، وفي اليوم التالي، وجدت والدي وقد وضعه في غرفتي، بعد أن ابتاعه لي من السوق، ما شكل لي صدمة، من أين عرف بالأمر؟!"
العرض الراقص الذي أطلق عليه أحمد "أنت رجل عظيم" بدأه في قاعة الاستقبال العامة في مبنى بلدية رام الله بضم يديه، وهي إحدى إشارات الصم والبكم، ثم توجه لوالده بإشارة "اللايك"، والتي يعني تفسيرها في لغة من يفقدون القدرة على النطق أو السمع بـ"المحبة لرجل عظيم مثلك"، وتتالت الإشارات التي ينفذها الابن الفخور بأبيه وزملاؤه الراقصون، ثم الكلمات المفسرة: "شكراً لمجهودك، نحن نحبك كثيراً، ندعو الله أن يحفظك ويرعاك".
وما أن انتهى العرض حتى قبّل أحمد رأس ويد وجبين والده، ثم ارتمى في حضنه، الأمر الذي دفع رواد التواصل الاجتماعي في فلسطين إلى مشاركة الفيديو والتعليق متأثرين بذلك.
ويقول مؤسس فرقة أوسكار عقبة سلامة لـ"العربي الجديد":" منذ خمس سنوات انضم إلينا أحمد أبو رحمة، وكان لا يخفي محبته لأبيه واحترامه لعمله، وهذا ما نحترمه نحن أيضا، لذلك نظمنا معه عرضاً راقصاً لتكريم والده قبيل التقاعد، كان العرض من القلب للقلب، لأن هذا الأب يستحق، وحرص على تعليم أولاده".
هذه ليست المرة الأولى التي يُكرم أحمد أبو رحمة والده ربحي بطريقةٍ مميزة، ففي عيد ميلاده العام الماضي، فاجأه وسط مدينة رام الله، أثناء ساعات دوامه الرسمي، وأحضر له كعكة الميلاد وقد انغرست في قلبها الشموع، ليطفئها الأب أمام العشرات في الشارع والآلاف على منصات التواصل الاجتماعي، وكأن الأب في هذه الحالة بالفعل شمعة لا تطفئها حتى الإعاقة.