سيول السودان.. الأمطار تغيّر معالم الخرطوم

23 اغسطس 2014
السيول تضاعف معاناة قاطني الخرطوم(إبراهيم حميد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -


الركام أصبح عنواناً للعديد من منازل ومناطق العاصمة السودانية الخرطوم، بينما تركت التصدعات آثارها على الجدران الباقية مهددة بتحويلها إلى ركام مع أي موجة سيول جديدة، واجه السكان صعوبات في التنقل بين الأحياء والشوارع ولجأت غالبيتهم إلى رصف الحجارة - بطريقة بدائية للتنقل إلى الشوارع الرئيسية والوصول إلى محطات المواصلات فيما تراكمت برك المياه بمختلف المناطق منذرة بوضع صحي سيئ لمستقبل المواطنين.

ووفقاً لتقارير حكومية خلفت السيول - التي ضربت أجزاء واسعة من السودان - نحو 26 ألف أسرة مشرّدة، وتسببت في انهيار نحو 11 ألف منزل كلياً ووفاة نحو 80 مواطناً غالبيتهم قضوا بسبب سقوط أسلاك الكهرباء في المياه.

محمد جادين يقطن في حي الصالحة بمدينة أم درمان بولاية الخرطوم يرى أن حفر القنوات والمصارف لتصريف المياه أدى لإعاقة حركة المواطنين، مضيفاً: "ممرات عبور المشاة أصبحت محدودة".

"أم بدة والصالحة وكرري" 3 مناطق نصب سكانها "الخيم البلاستيكية" للاحتماء من ظروف الطبيعة القاسية وشوهدت عشرات الخيم منصوبة بمناطق تقع غربي العاصمة السودانية ببلدتي ريفي وأم درمان ما أدى إلى تغيير شكل المناطق التي اعتاد السكان المرور بها لتصبح أشبه بمعسكرات النزوح.



"المياه الراكدة في الطرقات والنفايات المستخرجة من مجاري المياه طمست المعالم الجمالية للمدينة"، قال الفنان التشكيلي التاج صديق أبو كساوي لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن الأضرار الناتجة من السيول وسوء التخطيط تسببت في تشويه معالم العاصمة.

ما سبق كان سبباً لتوجيه عدد من النواب بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم الاتهام لوزارة التخطيط والبنى التحتية، بعدم جاهزيتها لتصريف مياه الأمطار، مشددين على أن الوزارة شيدت مصارف غير مطابقة للمواصفات ونفذتها بطريقة وصفوها بـ "العشوائية".

نفس الشكوى السابقة تناولها عدد من المواطنين خلال جولة لـ"العربي الجديد" في أحياء الخرطوم، منتقدين عدم الاستعداد الكافي للسلطات السودانية للتعامل مع الكوارث الطبيعية، وهو ما ضاعف حجم معاناة الأسر التي فقدت منازلها ولم تجد من يمد لها يد العون.

عائشة محمد كوكو، في العقد الثامن من عمرها، تحول منزلها لركام بمنطقة أم بدة، ولم تجد مأوى لأحفادها سوى عربة نقل صغيرة يمتلكها أحد الجيران.
تقول عائشة لـ "العربي الجديد"سوء تصريف المياه أدى الى انهيار منزلي تماماً عقب تجمع المياه بكميات كبيرة حوله وبداخله".
حالة عائشة نموذج واحد لآلاف النماذج من الأسر السودانية التي فقدت منازلها، وهو ما رصدته "العربي الجديد" كاشفة عدم جاهزية السلطات السودانية لمواجهة مياه الأمطار والسيول، إذ لم تكتمل بعض المصارف، والبعض الآخر كان أشبه "بالترع" وسط الأحياء وعلى مسارات الطرق الرئيسية، فضلًا عن القاء آليات "الحفر"، التي تشق القنوات، بأكوام الأتربة على جانبي الطرق، ما يشكل عائقا أمام حركة العابرين على الطرق الرئيسية.

خيمة لكل أسرة متضررة هو الدعم الذي تقدمه إدارة الدفاع المدني لكل من تسببت السيول في انهيار منزله بشكل كامل، طبقاً للناطق الرسمي باسم إدارة الدفاع المدني، محمد أبو القاسم، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، موضحاً أن إدارته ما زالت تجري عمليات حصر للمتضررين في السودان بشكل كلي وجزئي جراء السيول والأمطار.



ونصح المواطنين القاطنين على شاطئ النيل بأخذ الحيطة والحذر من ارتفاع كبير في مناسيب النيل، مقللاً من خطورة ارتفاع مناسيب النيل في إحداث خسائر في المناطق القريبة منه، قائلاً: "تمت عمليات ردم لشاطئ النيل في السنوات الماضية ساهمت في تقليل نسبة حدوث فيضان نتيجة ارتفاع المناسيب".

من جهتها، كشفت ولاية الجزيرة (جنوبي الخرطوم) عن تضرر 100 قرية بالسيول والامطار التي أدت الى انهيار 570 منزلاً جراء السيول والأمطار وتلف نحو 3747 فداناً زراعياً بمنطقة ود القرشي ونفوق نحو 500 من الماشية وانهيار 154 مدرسة ووفاة 7 مواطنين.

وفي ولاية كسلا (شرق السودان) حملت حكومة الولاية وزارة المالية السودانية مسؤولية خسائر نهر القاش، الذي ينحدر من الهضبة الاثيوبية، وغمر عدداً من القرى والمدن بالولاية. 

حكومة الولاية قدرت خسائر فيضان القاش بنحو 140 مليار جنيه سوداني واتهم وزير المالية بالولاية علي العوض وزارة المالية السودانية بالتلكؤ في دفع استحقاقات الصيانات اللازمة لتفادي فيضان نهر القاش، والتي لا تتجاوز 240 ألف جنيه سوداني، مشيراً إلى أن خطة ترويض نهر القاش يتم تقديمها سنوياً وتشمل تروساً ومصدات للمياه بتكلفة 15 مليون جنيه، يجاز منها 2 مليون جنيه فقط.

ارتفاع الأسعار

"غمرت المياه الموقع بالكامل وفقدنا أطناناً من العلف المعد للأبقار" قال هاشم عوض الكريم صاحب مزرعة ألبان بمشروع حلة كوكو لـ "العربي الجديد"، مشيراً إلى تجاوز أضرار السيول هدم منازل البسطاء إلى الحاق الضرر بمعامل ألبان "حلة كوكو"، أكبر موقع لصناعة الألبان بالعاصمة الخرطوم والتي توفر الألبان لقرابة 80% من سكان العاصمة، معللاً بذلك ارتفاع أسعار الألبان للكيلو من 12 إلى 20 جنيهاً سودانياً (الدولار يعادل 6 جنيهات) نظراً لفقدان المزارع أطنانا من العلف المخزن بطرق بدائية.



عائشة محمد مصطفى، القاطنة في حي "شمبات"، شكت لـ "العربي الجديد" من ارتفاع أسعار اللبن قائلة إنها لا ترى مبرراً لذلك الارتفاع الذي وصفته بالكبير فضلاً عما صاحبه من ارتفاع لأسعار الجبن حيث بلغ سعر كيلو الجبنة 40 جنيهاً.

دعم دولي

محاولات المجتمع المدني لتخفيف معاناة المواطن السوداني يصفها رئيس شبكة المنظمات الوطنية السودانية عمار باشري لـ"العربي الجديد" ويقول "تلقينا استجابة عاجلة لتلبية احتياجات المتضررين من الدول العربية خاصة قطر والامارات والكويت وتركيا التي أرسلت طائرات محملة بمواد إيواء ومواد غذائية وإسعافات أولية للمتأثرين مشيراً إلى أنها قدمت مساعدات كبيرة لتقليل حجم الاضرار.

ولم يستبعد باشري الاستعانة بوكالات الأمم المتحدة الموجودة في البلاد والمنظمات الدولية التي لها أفرع في السودان، قائلاً: "لم يتم حتى الآن تقديم أي نداء عالمي للمنظمات خارج البلاد".

الأرصاد بلا رادار

من جهتها، شكت الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية من أنها لا تمتلك راداراً يمكنها من متابعة حركة السحب إلكترونياً.

رئيس مركز التنبؤات الجوية بالهيئة محمد شريف قال لـ"العربي الجديد" إن هيئته تحتاج لزيادة عدد محطات الرصد مقدراً حاجتها لثلاث محطات عاجلة في شرق البلاد ووسطها لرصد عناصر الطقس، مشيراً إلى أن السودان به 28 محطة رصد فقط في ظل اتساع مساحته، وكلما كانت المحطات أكثر كلما كانت عملية الرصد اسرع.

وأضاف شريف أنهم يرصدون حركة السحب الآن عبر "الستلايت" وألقى باللوم على السلطات الحكومية بشأن توقعاتها للأمطار والاستعداد لها، مؤكداً أن الهيئة وفرت للجهات المسؤولة كل المعلومات الدقيقة لاخذ الحيطة والحذر منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، لافتا إلى أن ما حدث من ضرر كان بسبب عدم الجاهزية لاستقبال أدنى معدلات الأمطار.

البادية سعيدة

حالة المعاناة التي ارتسمت على وجوه قاطني الخرطوم جراء السيول والأمطار بدت مغايرة تماماً لسكان بادية السودان، فكميات الأمطار التي هطلت كانت بمثابة بذرة خير لهم لتوفير كميات كبيرة من المياه في الأودية والمستنقعات أدت لنمو الأعشاب التي تمثل الكلأ لمواشيهم، وفي مناطق الزراعة أدت لنمو جيد للمحاصيل الزراعية خاصة "الذرة والسمسم والكركدي" التي تحتاج لكميات كبيرة من المياه.

دلالات