سيناريوهات مفتوحة أمام احتجاجات إيران

02 يناير 2018
وصل عدد الضحايا إلى 14 قتيلاً أمس (فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن الاحتجاجات التي خرجت في مناطق إيرانية يوم الخميس الماضي مقلقة كثيراً لبعضهم، بعد أن بدأت أساساً بمطالبات معيشية واقتصادية حينها، ورددت شعارات مناوئة لحكومة الرئيس حسن روحاني ومنتقدة لغلاء الأسعار والوضع المعيشي، وهو ما جعل بعضهم في الحكومة يتهمون المحافظين بمحاولة تشجيع المواطنين على الخروج للمطالبة بحقوقهم من حكومة اعتمدت على الغرب وعلى الاتفاق النووي ولم تجن منه مكاسب حقيقية. لكن تحوّل مسار التظاهرات  بمرور الوقت ووصولها إلى العاصمة طهران بطابع سياسي منتقد للنظام، فضلاً عن ميل جزء منها نحو تخريب وحرق الأماكن العامة ومنها ما هو حكومي تعبيراً عن الغضب، يجعل من تطور الأحداث مفتوحاً على كل الاحتمالات.

وإن كان بعضهم في الداخل الإيراني يستبعد سيناريو التصعيد مقابل توقعه احتواء الأزمة، لكنّ آخرين لا يجزمون بأن هذا سينتهي بين ليلة وضحاها، فارتفاع عدد القتلى إلى 14 حتى عصر أمس الاثنين، والتصريحات الصادرة عن روحاني، بما في ذلك تلويحه أمس باستخدام ورقة الشارع المضاد، والمواقف الصادرة عن رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني والمتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية مسعود جزائري، تنذر بتطورات غير محسومة النتائج وبتحضيرات لمحاولة مسك زمام الأمور الأمنية.

التصريحات التي أتت على لسان روحاني أمس، خلال اجتماع عقده مع رؤساء لجان برلمانية، حملت رسائل عدة. وفيما تحدث عن قدرته على حل المشاكل مستخدماً مصطلح "برفقة الشعب"، وأن حكومته ستتعامل مع الاحتجاجات ذات المطالب الحقيقية كفرصة لحل المسائل لا كتهديد، حسب تعبيره، إلا أنه لم يستبعد استخدام الشارع المضاد. وقال روحاني إن "الإيرانيين سينزلون إلى الشوارع لحماية ودعم النظام الإسلامي وللرد على مثيري الشغب إذا لزم الأمر". وإن كان هذا الكلام يعني مخاوف من احتمال التصعيد واتساع نطاق الاحتجاجات، لكنه في الوقت نفسه يلوح بالوسائل التي يمكن استخدامها لاحتوائها. ففي عام 2009، استند التيار المحافظ إلى جمهور ضخم، خرج في تظاهرات 30 ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، احتجاجاً على انتهاك مؤيدي "الحركة الخضراء" لمراسم عاشوراء الدينية بإطلاق تظاهرات سياسية، فأنهت مسيراتهم الضخمة أشهراً من الاحتجاج التي تغيّرت مطالبها بمرور الوقت.

في موازاة ذلك، حرص روحاني على وضع الجميع أمام مسؤولية واحدة، ألا وهي ضرورة الحذر من الآتي، وهو ما يتطلب انسجاماً داخلياً، خصوصاً أن ساسة التيار المحافظ ومنذ اليوم الأول للتظاهرات، أكدوا على ضرورة تلبية المطالب المعيشية للمحتجين، لكنهم كانوا حذرين للغاية من سيناريو تطور الاحتجاجات، ومنهم من تعامل مع الأمر بثقة مطلقة اعتماداً على أنه سيتم احتواؤها.
ودعا روحاني البرلمان الذي انتقد موازنته الجديدة، وهي التي تسببت بشكل أو بآخر بالاحتجاجات الاقتصادية، للاهتمام ببنودها ولفتح المجال أمام ما اعتبره فرصاً لحل مشكلة البطالة التي تؤرق الشارع. كما لفت لانتقاد النواب المستمر لمطالباته برفع بعض الموازنات الحكومية التي يريد استخدامها في تحسين الوضع المعيشي، محاولاً بذلك وضع المسؤولية على عاتق الجميع. وفي ما يتعلق بالمؤسسات المالية، التي كانت محاسبتها واستعادة أموال الاستثمارات منها المطلب الأول للمحتجين في مشهد ونيشابور شمال شرقي البلاد، أكد روحاني أن حكومته أقصتها بالكامل بالتعاون مع الجهاز القضائي، مطالباً كل التيارات بالتقارب وتحقيق الانسجام للوقوف بوجه التهديدات.


وإن كان المسؤولون في إيران يبدون ثقة بقدرتهم على احتواء ما يجري حتى لو طال الأمد، لكنهم يخشون من تحريض أكبر، خصوصاً مع ارتفاع عدد القتلى، فضلاً عن الخشية من أن التصعيد الأمني قد يجر الأمور لنطاق أوسع. وقد أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني أن 14 قتيلاً و7 جرحى، سقطوا أثناء الاحتجاجات في الأيام الماضية وحتى عصر أمس الإثنين، 6 منهم في توسرغان في همدان، 4 في دورود في لرستان، 3 في شاهين شهر في أصفهان، وقتيل واحد في ايذه الواقعة في محافظة خوزستان.

وكانت دورود التي فقدت أول القتلى شعلة خطر حقيقية، فقد قُتل شخصان هناك إثر إطلاق الرصاص من قبل مسلحين مجهولين مروا على دراجة نارية على تجمع لمحتجين، بحسب الرواية الرسمية التي دحضت من جهتها ما نقلته بعض المواقع والتي أفادت بأن رجال أمن هم من يتحملون المسؤولية. وسقط قتيلان اثنان بعد ذلك، أحدهما طفل، حين كانا في سيارة دهستها شاحنة إطفاء، سيطر عليها المحتجون وحركوها لترمى من فوق جسر "وحدت" في تلك المنطقة، بحسب ما قاله والي المنطقة ماشالله نعمتي.

هذه الأمور، المرتبطة بارتفاع عدد القتلى، واللجوء لوسائل الاحتجاج عبر الشغب، قد تكون كفيلة بتحقق سيناريو الاحتواء، ولكن هذا أيضاً لا يمكن الجزم به في بلد كإيران، فلا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأمور، بوجود واقع اختلاف الشرائح الاجتماعية. مع التذكير بأن الشارع مر بتجربة سابقة عام 2009، بدأت بمطالب تتعلق بالانتخابات وانتهت بشعارات منددة بالنظام، ما جعل "الحركة الخضراء" تفقد بعض مؤيديها.

وما عزز من دوافع القلق، توجّه المحتجين نحو الأماكن العامة ومنها مساجد وحسينيات ومصارف. وفي الليلة الأولى التي عاشت فيها طهران على وقع الاحتجاجات في شارع الثورة أو "انقلاب"، نشرت صور من موقع الحدث تؤكد تحطيم محطات للحافلات وبعض المصارف، وهو ما رفع من حدة انتقادات المسؤولين من كل الأطياف السياسية، لا بل تسبّب بانتقادات شعبية كذلك، حتى من قبل من يؤيدون رفع مطالبات لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.
كما أن رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، قال إن "التعرض للمساجد والمحاكم والمصارف والأملاك العامة عمل إجرامي سيحاسب عليه القضاء بشكل قاطع"، موضحاً أنه لا يمكن تلبية أي مطالب في حال قرر المحتجون اتباع طرق غير قانونية.

أما المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية مسعود جزائري، فاعتبر إن تدخّل الولايات المتحدة وإبداء أعلى سلطة فيها لرأيها حول الاحتجاجات ودعمها لها بالتزامن مع ما تفعله وسائل إعلام أجنبية "محرضة"، يعني أن واشنطن تحضر لفتنة جديدة لإيران، حسب قوله. كما رأى أن "مشاركة الأطياف المعارضة للنظام بالتحريض، مثل جماعة "مجاهدي خلق" وحتى مؤيدي الملكية البهلوية، هم جزء من المؤامرة الأميركية، معتبراً أن هذا "سينعكس على واشنطن بالنتيجة وسيؤدي لفشل مخططاتها وفشلها داخلياً وأمام المجتمع الدولي".