سيناريوهات متوقعة في جبهة إسرائيل الشمالية

21 ديسمبر 2018

أعلام لبنان وفلسطين وحزب الله في كفركلا بلبنان(4/12/2018/فرانس برس)

+ الخط -
تشهد الجبهة الشمالية في فلسطين المحتلة، منذ أسابيع، توتراً متصاعداً بلغ ذروته بعد إعلان العدو الإسرائيلي استعداده للبدء بعملية "درع الشمال"، لمواجهة أنفاق حزب الله على الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، مع تصاعد التحدي أمام الاحتلال في لبنان، كما يواصل العدو غاراته الجوية على قوافل سلاح وقواعد عسكرية إيرانية، للحد من انتشار العناصر الإيرانية في سورية. فلبنان، يعتبر الأكثر خطورة بالنسبة للعدو الإسرائيلي، ويتم نقل السلاح عبر مطار بيروت من طهران إلى حزب الله، ويتم بناء مصانع الأسلحة الدقيقة الكاسرة للتوازن. أما في سورية، فإن تفعيل جبهة مقاومة من الجولان، والوجود العسكري الإيراني القريب من حدود سورية مع العدو الإسرائيلي، تهديدان لا يقلان خطورة عن لبنان.
بناءً عليه، تسعى إسرائيل إلى المحافظة على الخطوط الحمراء في التعامل مع الواقع في سورية، وعدم السماح لحزب الله ببناء المصانع ونقل الأسلحة، وذلك بتفعيل كل الأدوات السياسية، عبر التواصل المستمر مع روسيا أو الجهد الدبلوماسي، بالإضافة إلى مواصلة جهدها الاستخباري، إلا أن السيناريوهات تبقى مفتوحةً. وفي حال فشل الجهد السياسي والدبلوماسي والاستخباري، سيكون صعبا على العدو تقبل الواقع الجديد.

المعطيات إسرائيلياً
تعتبر إسرائيل الجبهة الشمالية (حزب الله) التهديد الأكثر خطورة في العام 2018، حسب تقديرات الأجهزة الاستخبارية، فخلال الأسابيع الماضية تركز النشاط الإسرائيلي تجاهها، حيث يعتبر العدو الإسرائيلي الجبهة الشمالية، بشقيها اللبناني والسوري، تهديداً حقيقياً متزايداً. وقد نفذت إسرائيل عشرات الغارات على سورية لمنع نقل السلاح الكاسر للتوازن والكيميائي من سورية إلى حزب الله، منذ بداية الأحداث في سورية.
ويرى رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، فيعتبر مصانع الصواريخ في لبنان تهديداً
 خطيراً لإسرائيل، لن تقبل به. كما تطرق للحديث عن الوجود الإيراني في سورية بالقول "وإذا لم تصد عملية ترسيخ إيران في سورية من تلقاء نفسها، فإننا سنصدها عملياً". كما صرح رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، أيزنكوت، "سنقوم بكل ما يلزم للمحافظة على الحدود الشمالية لإسرائيل آمنة وهادئة". أما مئير بن شبات مستشار الأمن القومي للحكومة الإسرائيلية فقال "روسيا تعارض كما الولايات المتحدة امتلاك حزب الله سلاحا كاسرا للتوازن".
ولم يتوقف الجهد العسكري والسياسي الإسرائيلي، فقد قام العدو الإسرائيلي بعدد من المناورات الهجومية والدفاعية على الجبهة الشمالية مع لبنان، وزار نتنياهو روسيا سبع مرات في غضون سنتين ونصف، لطرح المخاوف الإسرائيلية.

حزب الله وحلفاؤه
رفع منسوب التهديد تجاه إسرائيل، عبر تصريحات متتالية، للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أعلن فيها عن تغير قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي في سورية، والتصدي لإسرائيل في لبنان، كما نشر الحزب رسائل إعلامية عديدة للاحتلال كالمنشآت الحيوية، وصورا لجنود الاحتلال على الحدود، في تهديد مبطن بأنهم في مرمى نيران حزب الله. واعتبر حلفاء سورية ما جرى يوم 10/2/2018، بعد اعتراض الدفاعات الجوية السورية طائرة حربية إسرائيلية، مرحلة جديدة ونقطة تحول رئيسية في التعامل مع إسرائيل. وشكلت قوى المقاومة على أثرها غرفة عمليات لمواجهة أي اعتداء على سورية، على الرغم من أن ذلك الحدث عبر تصدّي الدفاعات السورية لم يكن الأول؛ فقد سبق ذلك محاولة اعتراض قبل أشهر، لكنها لم تنجح في إصابة الهدف.
وتمتلك إسرائيل القدرة على توجيه ضربة عسكرية لحزب الله في لبنان، لكنها تدرك أن مأزقها يكمن بمعرفتها أن المواجهة مع حزب الله، بما يملكه من قدرات حالياً ستكون لها نتائج مؤلمة، تطاول البنى التحتية المدنية والعسكرية، لذا فإنها حريصة على إبعاد المواجهة قدر الإمكان. في المقابل، يرى العدو أن استمرار الهدوء على الجبهة يعني بناء مزيد من القوة العسكرية ومراكمتها، ويدرك أن نجاح الحزب في امتلاك هذه القدرات سيؤثر استراتيجياً على نتائج المعركة القادمة.
وتنظر إسرائيل بخطورة إلى إمكانية نجاح إيران في إيجاد خط إمداد متواصل بالسلاح والمقاتلين من طهران حتى بيروت، فلديها القدرة على مواجهة حزب الله داخل لبنان أو حتى سورية، لكنها ستتوه في مسرح عمليات شاسع؛ في حال تدفق آلاف المقاتلين للقتال إلى جانب الحزب، في ظل عدم استعدادها لمثل هذا المسرح.
وعلى الرغم من أهمية إبعاد إيران عن الحدود في هضبة الجولان، إلا أن مخاوف إسرائيل 
أعمق من ذلك، فهي ترى أن الوجود العسكري الدائم لإيران في سورية، وما يتضمنه من قواعد عسكرية بحرية وجوية ومصانع سلاح وصواريخ موجهة، يضع حداً للتفوق العسكري الإسرائيلي على إيران التي كانت بحاجة لتوجيه رد في حال تعرّضها لضربات إسرائيلية من داخل حدودها التي تبعد آلاف الكيلومترات فوق أجواء عربية معادية، وبإمكانات متواضعة مقارنة بما يملكه العدو، ولكن إيران تحاول اليوم تقليص هذه المسافة، لبضع مئات من الكيلومترات، وتهدف إيران من الوجود في سورية إلى توسيع مجالها الحيوي والجوسياسي، وتضييق الخناق على إسرائيل.
ويوجد تغيير استراتيجي في محيط إسرائيل، هز عقيدتها في توازن الردع، كما يوجد قلق إسرائيلي من نشاط إيران في جبهة الجولان والجنوب اللبناني. وعلى الرغم من أن مصانع الأسلحة ما زالت قيد الإنشاء، إلا أن إسرائيل تخشى من تحولها إلى أمر واقع، تجبر على التعامل معه، كما الحال مع حزب الله وحركة حماس.
وهناك نقاط ضعف استراتيجية لدى العدو، لم يأخذها حتى اليوم في الحسبان في مجال بناء القوة، تتمثل في ضعف الدفاعات في الجبهة الغربية البحرية أمام هجوم جوي مفاجئ للعمق الاستراتيجي الذي يمتد من عسقلان مروراً بتل أبيب حتى عكا شمالاً.
وتمثل حالة الاشتباك بين سورية وإسرائيل والنشاط الإيراني في الجولان والوجود العسكري في سورية إعلان فشل للسياسة الإسرائيلية منذ مارس/ آذار 2011 وانطلاق الأحداث في سورية، بالاعتماد على سياسة إطالة أمد الحرب تحت عنوان دعوا سورية تأكل نفسها.
ولم يأخذ العدو في الحسبان في مجال بناء القوة تحول سورية إلى جبهة تهديد ثالثة، فوفق استراتيجية الجيش وخطة جدعون، يتضمن بناء القوة الاستعداد لحرب مع حزب الله أو حركة حماس أو الاثنين معاً، لكنه لم يضع في الحسبان أن تتضمن الجبهة الشمالية سورية. وهذا يتطلب منه تغييرات استراتيجية في إعادة تموضع القوات على طول الجبهة الشمالية، الأمر الذي دفعه إلى فتح اتفاق ميزانية الدفاع لإضافة ستة مليارات شيكل، على الرغم من أن الاتفاق السابق مع وزارة المالية يمنع فتح اتفاق الميزانية.
ولا ترغب إيران في المواجهة خلال المرحلة الحالية، وتسعى إلى تأجيلها، وتحقيق مزيد من بناء القوة على الأرض، وقد فشلت سورية وحلفاؤها في بناء جبهةٍ متصلةٍ بين جنوب لبنان والجولان، بسبب الضربات الإسرائيلية المتلاحقة لعناصر المقاومة الفاعلة في الجولان، سواء من المقاومة الشعبية في الجولان، أو من إيران وحزب الله.
ويرتكز الجهد الروسي في مناطق وجوده في منطقة شمال سورية، كطرطوس، ولا يمتلك التأثير الفاعل على النشاط الإيراني في جنوب سورية. وهناك مصالح مشتركة بين روسيا وإيران في الدعم الجوي الروسي، يصاحبه تقدم برّي للمقاتلين الموالين لإيران، ما يضعف الدور الروسي في كبح جماح التمدّد الإيراني، كون كل طرف منهما لديه مصالح في سورية.
سيناريوهات في لبنان
يستهدف الطيران الإسرائيلي، منذ عام 2012، مراكز عسكرية حساسة عديدة في سورية، وفق استراتيجية ثابتة خلال السبع سنوات الماضية، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تكن متبعة مع حزب الله، نتيجة رد فعل الحزب في حالة الاستهداف، كما جرى في اغتيال كوادر من الحزب. وكان رد الحزب في مزارع شبعا في يناير/ كانون الثاني من العام 2015. وكذلك أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2014.
1. المواجهة الشاملة: على غرار 2006 في لبنان، بل أشد ضراوة وفتكاً، إلا أن هذا السيناريو مستبعد في المرحلة المقبلة مدة عام على أقل تقدير لعدة أسباب:
- المواجهة الشاملة مكلفة للطرفين، فإسرائيل قادرة على تدمير لبنان، لكن حزب الله كذلك قادر على شل المجالات الحيوية الإسرائيلية في الشمال ووسط إسرائيل.
- عدم جهوزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية لتحمل مواجهة طويلة الأمد مع حزب الله، كذلك حزب الله غير معني بالدخول في المواجهة.
- حالة الردع بين الطرفين على مدار الأعوام السابقة، وعدم تغير قواعد الاشتباك بين الطرفين.
- ما زالت مصانع الأسلحة في طور البناء، ما يعطي إسرائيل وقتاً للجهد الدبلوماسي والاستخباري، لمنع مواصلة بناء مصانع الأسلحة.
2. المواجهة المحدودة: على غرار أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 2014 أو يناير/ كانون الثاني 2015؛ استهداف نشطاء لحزب الله والرد منه. ولا يتحقق هذا السيناريو إلا بتوفر البيئة المناسبة له، وهي محدودة الفعل، ما ينتج عنها رد فعل، وهذا لا يحقق للعدو الإسرائيلي أهدافه في منع تعاظم قوة حزب الله، أو وقف بناء مصانع الأسلحة.
3. الجهد الدبلوماسي والاستخباري: وهو السيناريو المرجح في المرحلة المقبلة. ويمكن التقدير بأن التوقع لهذا السيناريو يمتد من ستة شهور إلى عام على جبهة لبنان، ويعود ترجيج السيناريو إلى:
- ما زال أمام إسرائيل وقتٌ تبذله في الجهد الدبلوماسي، وتركيبة الحكومة اللبنانية تساهم في الاستجابة للضغوط الخارجية، خصوصا الأميركية والفرنسية.
- اعتماد إسرائيل في السابق على الضربات الانتقائية العملياتية والاستخبارية، كالتعامل مع العلماء الإيرانيين والمفاعلات النووية الإيرانية، والتي حققت نتائج إيجابية لها من دون الخوض في مواجهة شاملة مع إيران، كذلك التعامل مع العناصر الفاعلة في حزب الله والاختراقات الأمنية، ما يحقق لها الهدف من دون مواجهة.

سيناريوهات في سورية
1. مواصلة الاستهداف: وهي عملية مواصلة الاستهداف داخل سورية بتوجيه ضربات انتقائية من خلال التوازن في استخدام القوة بين رفع الوتيرة أو خفضها. وبناءً على رد فعل الأطراف 
في سورية، مع مواصلة سورية وحلفائها عمليات التصدي للطائرات. وهذا السيناريو هو المرجّح في المرحلة المقبلة، فهو يحقق لإسرائيل أهدافها، كما يعزّز من قدراتها في التعامل مع الدفاعات الجوية السورية، ويحقق لسورية وحلفائها نوعاً من الردع في مواجهة إسرائيل، وتعقيد مهمات الاستهداف، وسيبقى الفعل ورد الفعل محصوراً بين الجانبين.
2. المواجهة الواسعة: مستبعد بصورة كلية في المواجهة بين إسرائيل وسورية، فموازين القوى لا تؤهل النظام السوري للدخول فيها، كما لا يسمح الوضع الداخلي للنظام بالدخول فيها، كذلك إسرائيل غير معنية بها، لأنها ترفع كلفة تحقيق الأهداف التي يمكن تحقيقها بكلفة أقل. يضاف أن إيران لا ترغب في استنزاف وجودها في سورية في المواجهات الواسعة في الوقت الراهن، مع التركيز على النمو وبناء القوة، والأولوية للصراع الداخلي.

خلاصة
لا مواجهة بين إسرائيل وحزب الله في المرحلة المقبلة. وستعتمد إسرائيل على البدائل الدبلوماسية والاستخبارية بالتعامل مع تهديد مصانع الأسلحة ونقل السلاح خلال الأشهر الستة المقبلة، مع استبعاد سيناريو المواجهة الشاملة.
- قد تلجأ إسرائيل إلى تخفيف الغارات على سورية، والتكيف مع الدفاعات السورية بما يحقق أهدافها، لكنها ستواصل عمليات الاستهداف للحفاظ على الخطوط الحمراء في سورية.
- لن تبادر إسرائيل، أو أي من حزب الله وسورية وحلفائها بمواجهة شاملة، وسيتم التعامل مع الأحداث الميدانية بقدرها.
- الأولوية الإسرائيلية لوقف بناء مصانع الأسلحة في لبنان ونقل السلاح، وعدم بناء قواعد عسكرية لإيران في سورية أو تفعيل جبهة الجولان، أو نقل سلاح كاسر للتوازن مع حزب الله.
- الأولوية لحزب الله مواصلة مراكمة القوة العسكرية في جنوب لبنان، والمحافظة على حالة الردع المتبادلة بينها وبين إسرائيل.
- الأولوية بالنسبة لإيران بقاء النظام وحسم المعركة الداخلية لها، مع مواصلة النمو وبناء القوة في سورية، والتكيف مع واقع الهجمات الإسرائيلية، والتعامل مع كل حدث ميدانياً.
E1E3491C-FB51-4898-9733-F7B72EFD7283
E1E3491C-FB51-4898-9733-F7B72EFD7283
حمزة إسماعيل أبو شنب

كاتب وباحث فلسطيني، مستشار في المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدّراسات الاستراتيجيّة (مسارات)، محاضر غير متفرغ (سياسة وإعلام) في جامعات فلسطينية.

حمزة إسماعيل أبو شنب