صرّح الوزير الأول في الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، في نهاية أيار/ مايو المنصرم، بأن الجزائر تعيش أزمة بسبب انهيار أسعار النفط، وأنّ الحكومة لم تتوقع هذا التراجع الكبير في الأسعار، مضيفاً أن احتياطات الصرف بالبلاد قد تنخفض لأقل من 38 مليار دولار في حال بقي السعر المرجعي للبترول في حدود 60 دولاراً للبرميل. أمّا في حالة وصل السعر المرجعي إلى 50 دولاراً، فإن الجزائر تتوقع انخفاض احتياطي الصرف إلى حوالي 19 مليار دولار.
أثار هذا التصريح قلقاً كبيراً لدى المستثمرين وأصحاب المؤسسات والمواطن الجزائري العادي، وذلك بعدما كانت التصريحات الحكومية تطمئن خلال الفترة الماضية، بأن الجزائر بمنأى عن الأزمة النفطية نتيجة التراجع في الأسعار، بفضل حجم احتياطي العملة الصعبة الذي يتوفر لديها، والمقدّر عندما بدأ انهيار أسعار النفط بنحو 198 مليار دولار.
بوصلة التنويع
فقد حذر الخبراء الاقتصاديون كثيراً من تبعات الانهيار العالمي بأسعار النفط وتأثيرات ذلك على الاقتصاد الجزائري الذي يقوم بغالبيته على الإيرادات النفطية، لكن الحكومة كانت ترد دوماً بأن لديها رؤية اقتصادية واضحة وتعلم جيداً ما تقوم به، وأنها قد قامت بكل الحسابات والاحتمالات بما في ذلك انخفاض سعر البترول إلى 50 دولاراً للبرميل.
اقرأ أيضا: الجزائر: 2015 سنة للإنتاج الوطني
ولعلّ سعي الدولة منذ مطلع السنة الحالية إلى تنويع اقتصاد البلاد، واتخاذها شعار "سنة 2015 سنة تنويع الاقتصاد الوطني"، يؤكد توجّه بوصلة الحكومة حالياً نحو مرحلة ما بعد اقتصاد المحروقات، والأخيرة تمثل ما نسبته 94% من صادرات البلاد، والمورد الأساس للخزينة العامة.
لكن هذا التوجه ما زال في بداية مشواره، ولا يعوّل عليه كثيراً في تحقيق الهدف المنشود على المدى المتوسط، حيث أشار تقرير للبنك الدولي صدر أخيراً إلى أن نسبة نمو الناتج الداخلي الخام خارج قطاع المحروقات للجزائر لن تتعدى الـ4.8% في 2015 و4.4% في 2016، مقابل 5.1% سنة 2014... فهل من سيناريوهات فعلية تؤشر إلى إمكان أن نتعرف إلى جزائر جديدة بنمط اقتصادي لا يعتمد بشكل كلي على النفط؟
النهوض الزراعي
رداً على السؤال، يذهب الخبير الزراعي، أكلي موسوني، إلى القول إن "للجزائر مقومات اقتصادية هامة في قطاع الفلاحة، ما يمكّنها أن تجعل البلاد في غنى عن المحروقات، إذا ما استغلت إمكاناتها الفلاحية على أكمل وجه"، مضيفاً أن "الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي كانت وبوسائل بدائية من أكبر مصدّري القمح في العالم، فكيف تحوّلت اليوم إلى أكبر مستورد له في العالم، على الرغم من توفر الوسائل التكنولوجية الحديثة المستعملة في الزراعة؟".
ويشير موسوني، لـ"العربي الجديد"، إلى أن أزمة تهاوي أسعار النفط، تنطبق عليها مقولة: "رُبّ ضارة نافعة"، متمنياً أن تستمر هذه الأزمة حتى تجبر أصحاب القرار الاقتصادي بالبلاد على بذل جهد أكبر في تخطي عقدة الاعتماد على اقتصاد الريع النفطي. ويلفت إلى أنه من غير المعقول أن تبقى الجزائر تستورد سنوياً ما قيمته 4 مليارات دولار من الحبوب.
اقرأ أيضا: إنتاج التمور في الجزائر فرصة الريادة العالمية
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، عبد المالك سراي، أن الجزائر تتوفر لديها مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للفلاحة المهملة والمقدّرة بأكثر من مليون و200 ألف هكتار، من شأنها أن تعيد للفلاحة مكانتها في الاقتصاد الوطني، وهو قطاع واعد يمكن أن تعول عليه في ذلك.
السياحة كقطاع محوري
ويضيف سراي أن السياحة مورد اقتصادي هام، يمكن للجزائر أن تعول عليه في مرحلة ما بعد اقتصاد النفط، ويشدد على أن "الجزائر تعد أكبر بلد أفريقي، وعاشر أكبر بلد في العالم مساحة، وتتوفر لديها مقومات سياحية عالية، منها 1200 كلم من الساحل، وصحراء شاسعة وأماكن سياحية أثرية مترامية الأطراف، يمكن الاعتماد عليها بعد تطويرها وانتهاج سياسة ترويجية للمنتوج السياحي الوطني وتعزيزه بالمرافق والهياكل الضرورية. الأمر الذي من شأنه رفع نسبة إسهام السياحة في الاقتصاد الوطني إلى أكثر من النسبة الحالية المقدّرة بـ0.4% من الناتج المحلي".
أمّا الخبير الاقتصادي، صالح بلوصيف، فيرى في حديث "العربي الجديد"، أن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سيكون قاطرة الاقتصاد الجزائري ما بعد مرحلة النفط، ولو أنه لا يزال في بداياته حالياً، إلا أنه في نمو متواصل، حيث ارتفع عدد هذه المؤسسات خلال السنوات العشر الأخيرة من 120 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة نهاية التسعينيات، إلى أكثر من 700 ألف مؤسسة حالياً.
ويلفت بلوصيف إلى أن الحكومة تسعى لبلوغ المعايير العالمية في هذا المجال، لتصل إلى مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة، مقابل 40 مليون نسمة عدد سكان الجزائر، وهو ما سيجعل هذا القطاع رافداً قوياً من روافد الاقتصاد الوطني في مرحلة ما بعد النفط.
اقرأ أيضا: الجزائر: فرص استثمارية واعدة تنتظر تذليل المعوقات
نحو التمتين الصناعي
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، رابح حليس، أنه في مرحلة ما بعد النفط، يمكن للجزائر أن تعتمد على مواردها الذاتية المتمثلة في بناء قاعدة صناعية متينة، خاصة ما يتعلق بالصناعات التحويلية، وصناعة السيارات، التي شرعت بتطويرها أخيراً.
ويضيف حليس أن الجزائر تستورد كثيراً، وهناك مجال واسع جداً لما يسمى إحلال الواردات، أي أن يتحول جزء ممّا يُستورد إلى أن يصبح منتجاً محلياً. ويشير إلى أن الإمكانات متوفرة حالياً من الناحية النظرية، لكن الجهاز الصناعي الذي أقيم في السبعينيات، هو جهاز بالٍ من الناحية التكنولوجية، وبالتالي فإن كل الاستراتيجية الحكومية الحالية لبناء قاعدة اقتصادية ذاتية، يجب أن تعتمد على الشراكة الأجنبية والاستفادة من التكنولوجيا.
ويشرح أن الجزائر حالياً من الدول التي تتوفر فيها بعض المزايا الخاصة للاستثمار الصناعي، أهمها أنها بلاد بكر من ناحية الاستثمارات المختلفة، بالإضافة إلى المورد البشري الذي تنتجه الجامعات ومراكز التكوين المهني المختلفة.
اقرأ أيضا: خطط التطوير الجزائرية حتى 2035
ويلفت حليس إلى أن الخروج من المحروقات لا يعني مطلقاً عدم تصدير المحروقات، ولكن يبقى مجال النهوض بصناعات تحويلية في مجال البتروكيماويات قائماً، وهناك إرادة سياسية لدى السلطات للعمل على الاستفادة من الإمكانات المتوفرة في هذا المجال، على الأقل على مستوى الخطاب السياسي.
أثار هذا التصريح قلقاً كبيراً لدى المستثمرين وأصحاب المؤسسات والمواطن الجزائري العادي، وذلك بعدما كانت التصريحات الحكومية تطمئن خلال الفترة الماضية، بأن الجزائر بمنأى عن الأزمة النفطية نتيجة التراجع في الأسعار، بفضل حجم احتياطي العملة الصعبة الذي يتوفر لديها، والمقدّر عندما بدأ انهيار أسعار النفط بنحو 198 مليار دولار.
بوصلة التنويع
فقد حذر الخبراء الاقتصاديون كثيراً من تبعات الانهيار العالمي بأسعار النفط وتأثيرات ذلك على الاقتصاد الجزائري الذي يقوم بغالبيته على الإيرادات النفطية، لكن الحكومة كانت ترد دوماً بأن لديها رؤية اقتصادية واضحة وتعلم جيداً ما تقوم به، وأنها قد قامت بكل الحسابات والاحتمالات بما في ذلك انخفاض سعر البترول إلى 50 دولاراً للبرميل.
اقرأ أيضا: الجزائر: 2015 سنة للإنتاج الوطني
ولعلّ سعي الدولة منذ مطلع السنة الحالية إلى تنويع اقتصاد البلاد، واتخاذها شعار "سنة 2015 سنة تنويع الاقتصاد الوطني"، يؤكد توجّه بوصلة الحكومة حالياً نحو مرحلة ما بعد اقتصاد المحروقات، والأخيرة تمثل ما نسبته 94% من صادرات البلاد، والمورد الأساس للخزينة العامة.
لكن هذا التوجه ما زال في بداية مشواره، ولا يعوّل عليه كثيراً في تحقيق الهدف المنشود على المدى المتوسط، حيث أشار تقرير للبنك الدولي صدر أخيراً إلى أن نسبة نمو الناتج الداخلي الخام خارج قطاع المحروقات للجزائر لن تتعدى الـ4.8% في 2015 و4.4% في 2016، مقابل 5.1% سنة 2014... فهل من سيناريوهات فعلية تؤشر إلى إمكان أن نتعرف إلى جزائر جديدة بنمط اقتصادي لا يعتمد بشكل كلي على النفط؟
النهوض الزراعي
رداً على السؤال، يذهب الخبير الزراعي، أكلي موسوني، إلى القول إن "للجزائر مقومات اقتصادية هامة في قطاع الفلاحة، ما يمكّنها أن تجعل البلاد في غنى عن المحروقات، إذا ما استغلت إمكاناتها الفلاحية على أكمل وجه"، مضيفاً أن "الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي كانت وبوسائل بدائية من أكبر مصدّري القمح في العالم، فكيف تحوّلت اليوم إلى أكبر مستورد له في العالم، على الرغم من توفر الوسائل التكنولوجية الحديثة المستعملة في الزراعة؟".
ويشير موسوني، لـ"العربي الجديد"، إلى أن أزمة تهاوي أسعار النفط، تنطبق عليها مقولة: "رُبّ ضارة نافعة"، متمنياً أن تستمر هذه الأزمة حتى تجبر أصحاب القرار الاقتصادي بالبلاد على بذل جهد أكبر في تخطي عقدة الاعتماد على اقتصاد الريع النفطي. ويلفت إلى أنه من غير المعقول أن تبقى الجزائر تستورد سنوياً ما قيمته 4 مليارات دولار من الحبوب.
اقرأ أيضا: إنتاج التمور في الجزائر فرصة الريادة العالمية
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، عبد المالك سراي، أن الجزائر تتوفر لديها مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للفلاحة المهملة والمقدّرة بأكثر من مليون و200 ألف هكتار، من شأنها أن تعيد للفلاحة مكانتها في الاقتصاد الوطني، وهو قطاع واعد يمكن أن تعول عليه في ذلك.
السياحة كقطاع محوري
ويضيف سراي أن السياحة مورد اقتصادي هام، يمكن للجزائر أن تعول عليه في مرحلة ما بعد اقتصاد النفط، ويشدد على أن "الجزائر تعد أكبر بلد أفريقي، وعاشر أكبر بلد في العالم مساحة، وتتوفر لديها مقومات سياحية عالية، منها 1200 كلم من الساحل، وصحراء شاسعة وأماكن سياحية أثرية مترامية الأطراف، يمكن الاعتماد عليها بعد تطويرها وانتهاج سياسة ترويجية للمنتوج السياحي الوطني وتعزيزه بالمرافق والهياكل الضرورية. الأمر الذي من شأنه رفع نسبة إسهام السياحة في الاقتصاد الوطني إلى أكثر من النسبة الحالية المقدّرة بـ0.4% من الناتج المحلي".
أمّا الخبير الاقتصادي، صالح بلوصيف، فيرى في حديث "العربي الجديد"، أن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سيكون قاطرة الاقتصاد الجزائري ما بعد مرحلة النفط، ولو أنه لا يزال في بداياته حالياً، إلا أنه في نمو متواصل، حيث ارتفع عدد هذه المؤسسات خلال السنوات العشر الأخيرة من 120 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة نهاية التسعينيات، إلى أكثر من 700 ألف مؤسسة حالياً.
ويلفت بلوصيف إلى أن الحكومة تسعى لبلوغ المعايير العالمية في هذا المجال، لتصل إلى مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة، مقابل 40 مليون نسمة عدد سكان الجزائر، وهو ما سيجعل هذا القطاع رافداً قوياً من روافد الاقتصاد الوطني في مرحلة ما بعد النفط.
اقرأ أيضا: الجزائر: فرص استثمارية واعدة تنتظر تذليل المعوقات
نحو التمتين الصناعي
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، رابح حليس، أنه في مرحلة ما بعد النفط، يمكن للجزائر أن تعتمد على مواردها الذاتية المتمثلة في بناء قاعدة صناعية متينة، خاصة ما يتعلق بالصناعات التحويلية، وصناعة السيارات، التي شرعت بتطويرها أخيراً.
ويضيف حليس أن الجزائر تستورد كثيراً، وهناك مجال واسع جداً لما يسمى إحلال الواردات، أي أن يتحول جزء ممّا يُستورد إلى أن يصبح منتجاً محلياً. ويشير إلى أن الإمكانات متوفرة حالياً من الناحية النظرية، لكن الجهاز الصناعي الذي أقيم في السبعينيات، هو جهاز بالٍ من الناحية التكنولوجية، وبالتالي فإن كل الاستراتيجية الحكومية الحالية لبناء قاعدة اقتصادية ذاتية، يجب أن تعتمد على الشراكة الأجنبية والاستفادة من التكنولوجيا.
ويشرح أن الجزائر حالياً من الدول التي تتوفر فيها بعض المزايا الخاصة للاستثمار الصناعي، أهمها أنها بلاد بكر من ناحية الاستثمارات المختلفة، بالإضافة إلى المورد البشري الذي تنتجه الجامعات ومراكز التكوين المهني المختلفة.
اقرأ أيضا: خطط التطوير الجزائرية حتى 2035
ويلفت حليس إلى أن الخروج من المحروقات لا يعني مطلقاً عدم تصدير المحروقات، ولكن يبقى مجال النهوض بصناعات تحويلية في مجال البتروكيماويات قائماً، وهناك إرادة سياسية لدى السلطات للعمل على الاستفادة من الإمكانات المتوفرة في هذا المجال، على الأقل على مستوى الخطاب السياسي.