سيناريوهات أزمة الديون اللبنانية... ما الخطوة التالية؟

11 مارس 2020
خيارات ثلاثة أمام لبنان لمواجهة ازمة الديون(Getty)
+ الخط -
استسلم لبنان للمحتوم، وأعلن أنه لن يسدد سندات قيمتها 1.2 مليار دولار حل موعد استحقاقها يوم الاثنين، متخلفاً بذلك عن سداد التزاماته للمرة الأولى. 
لكن ما الخيارات المتاحة أمام لبنان، أحد أكثر البلدان استدانة في العالم؟

الخيار الأول - صندوق النقد الدولي:
يرزح لبنان تحت وطأة دين يتجاوز 90 مليار دولار ويعادل تقريباً 170 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وقد أقرّ رئيس وزرائه بأن لبنان لم يبقَ لديه احتياطيات مجدية من النقد الأجنبي. ولأن الاقتصاد اللبناني أيضاً في حالة انهيار، فإن النهج المعتاد في هذه الحالة هو اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لطلب الدعم، وفي الوقت نفسه محاولة التوصل إلى اتفاق مع الدائنين الذين عجزت الدولة عن سداد مستحقاتهم.
وقد أجرى صندوق النقد الدولي زيارة "فنية" للبنان الشهر الماضي، قال الصندوق إنها "مفيدة ومثمرة جداً"، لكنها لا تحسم الأمر. فلبنان يحتاج سيولة عاجلة، وإلا فإنه يخاطر بحدوث مزيد من العنف في الشوارع مع نفاد الأموال تماماً.
ويتطلب الصندوق وجود خطة اقتصادية ذات صدقية، لكن هذا الأمر صعب في الوقت الحالي. إذ إن بيروت مركز للنشاط المصرفي، وستحتاج البنوك لزيادة رؤوس أموالها، والمصدر الرئيسي الآخر للإيرادات في البلاد، وهو السياحة، يعاني من تداعيات انتشار فيروس كورونا.

كذلك فإن الوضع على المسرح السياسي صعب. فأحد المؤيدين الرئيسيين للحكومة اللبنانية الجديدة هو حزب الله الذي تدرجه واشنطن على قوائم الجماعات الإرهابية، يعارض إشراك صندوق النقد الدولي في الأمر، ويقول إن الشروط المرجحة لأي صفقة إنقاذ ستكون مؤلمة وإنها ستطلق شرارة "ثورة شعبية".
وديون لبنان من الديون الثنائية، بينما المتعددة الأطراف ليست كثيرة، لذا فإنه إذا شُطبَت كلها فلن تقلل عبء الدين سوى بنسبة 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لما تقوله مؤسسة كابيتال إيكونوميكس. وتملك البنوك التجارية اللبنانية معظم الدَّين اللبناني بالعملة المحلية و16 في المائة من الديون بالعملات الأجنبية، لذا إن إعادة هيكلة الدَّين تمثل مجازفة بالقضاء على رؤوس أموالها.

الخيار الثاني - أي وسيلة بما فيها الاستجداء:
بإمكان بيروت أن تحاول المضيّ قدماً دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، غير أنه سيتعين عليها أن تفعل ما لم تتمكن حكومة سابقة من إنجازه، وهو خفض الإنفاق الحكومي بشدة وبدء برنامج أطول أجلا لزيادة الضرائب من أجل ترتيب الوضع المالي. وقد قالت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية إن الحكومة قد تمد يدها إلى الودائع والمدخرات المودعة في البنوك اللبنانية مثلما فعلت قبرص في ذروة أزمتها، وذلك رغم أن الحكومة تصرّ على أن ذلك لن يحدث.

وفي أيٍّ من هاتين الحالتين، ستضطر الحكومة إلى إعادة التفاوض على بقية ديونها مع الدائنين الدوليين. واستطاعت دول تخلفت أخيراً عن سداد التزاماتها مثل أوكرانيا إقناع دائنيها بشطب بعض مستحقاتهم والموافقة على تأخير مواعيد سداد الباقي وخفض أسعار الفائدة، رغم أن ذلك حصل بمساعدة صندوق النقد.

كذلك تفتقر سندات لبنان إلى الصياغة القانونية المعروفة ببنود العمل الجماعي المعززة، وهو ما يعني أنها قد تضطر إلى إعادة التفاوض على كل إصدار على حدة تقريباً، لا من خلال اتفاق واحد أو اتفاقين كبيرين. وسيكون بوسع أي طرف أو مجموعة من حملة السندات يملك 25 في المائة أو أكثر من إصدار واحد ولا تعجبه الشروط التي تعرضها الحكومة أن يعطل العملية كلها.
وكما قال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة، إننا "نقترح عليهم العمل سوياً لإيجاد حل، وهو أفضل دائماً من التقاضي، لكن الخيار لهم لاتخاذ قرار بالتعاون أو سبيل التقاضي".

الخيار الثالث - طريق الأرجنتين:
سيكون الخيار الأخير، محاولة لَيّ ذراع أيّ معارضين من حملة السندات لقبول اتفاق، وذلك بتجميد أموالهم في البلاد، لكن هذا سيكون مصحوباً بمجازفة شديدة.
ويحذّر محامو الديون السيادية من أن هذا الأمر قد ينتهي بما آل إليه حال الأرجنتين. فقد رفعت مجموعة من الصناديق الدائنة دعوى على الحكومة الأرجنتينية أمام محكمة في نيويورك عندما رفضت السداد.

ومنعت تلك المحكمة البنوك الدولية فعلياً من شراء أي سندات أرجنتينية جديدة خلال نظر القضية، ووجدت الأرجنتين نفسها معزولة عن أسواق السندات الدولية لفترة طويلة تقترب من العقد. وإذا لم ينته الأمر بمعركة قانونية، فقد تطالب الصناديق المعنية بالاستحواذ على أي أصول باقية للبلاد، وهو ما قد يشمل أي عقارات مملوكة للحكومة أو أي شركات تملكها الدولة أو أي مرافق للبنية التحتية.

وقال فيكتور شابو، مدير المحافظ في شركة أبردين ستاندرد إنفستمنتس: "لا أتخيل كيف يمكنهم طرح أي خطة معقولة لخفض الديون. إذا انتهى الأمر بمعركة قانونية، فقد يكون الأمر أسوأ مما حدث في حالة الأرجنتين".

(رويترز)
المساهمون