مع مرور الأيام تتكشّف أهداف الجيش المصري من حملته العسكرية المفاجئة على مدينة رفح في محافظة شمال سيناء، رغم أن مناطقها كانت تشهد هدوءاً نسبياً منذ أشهر طويلة، فيما كشفت مصادر قبلية عن نية الجيش توسيع المنطقة العازلة خلال المرحلة القريبة المقبلة. وبحسب المصادر، فإن المعلومات التي رشحت عن شخصيات قبلية على تواصل مع قيادة الاستخبارات والجيش في سيناء تشير إلى نية الجيش البدء في توسيع المنطقة العازلة في مدينة رفح، لتشمل مناطق الغرب والجنوب، مع التمدد صوب وسط المدينة في مرحلة لاحقة.
وتأتي هذه المعلومات الجديدة، التي حصلت عليها "العربي الجديد"، تأكيداً لما كشفته مصادر سياسية مطلعة عقب اعتداء البرث الإرهابي، مطلع يوليو/ تموز الماضي، عن قيام أجهزة مصرية بتجهيز تصور لإخلاء السكان من مساحات واسعة في مناطق رفح المصرية وبلدة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء. ونشر مجلس مدينة رفح، التابع لمحافظة شمال سيناء المصرية، أمراً بالإخلاء الإداري للمعدات والأفراد من المباني التابعة لجميع الإدارات المحصورة داخل المرحلة الثالثة للمنطقة العازلة. وبحسب القرار الذي صدر في 6 سبتمبر/ أيلول الحالي، فإنه جاء "بناءً على قرار رئيس الجمهورية بشأن المنطقة العازلة، ووفقاً لتعليمات المحافظ". وأشار القرار الموجه إلى مدير شركة المياه والصرف الصحي في مدينة رفح، إلى ضرورة الإخلاء في موعد أقصاه 30 سبتمبر الحالي. ويتضمن القرار طلباً بضرورة الإفادة بالإخلاء فور إتمام ذلك عبر رسالة موقعة من مدير الإدارة، وأن يتم الإخلاء خارج المنطقة العازلة. وجاء القرار بتوقيع رئيس مجلس رفح، اللواء خالد كمال ناصر، ورئيس متابعة رئيس المجلس، أميرة قابل.
يشار إلى أن "العربي الجديد" قد انفردت بالحديث عن بدء توسيع المنطقة العازلة بمدينة رفح، لتشمل مناطق غرب وجنوب المدينة خلال الفترة المقبلة، وفقاً لمعلومات أوردتها مصادر قبلية مطلعة. وكانت مصر قد أعلنت، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، عن إقامة منطقة عازلة بطول 13.5 كيلومتراً وعمق 500 متر على الحدود مع قطاع غزة، في أعقاب هجوم دموي استهدف قوات الجيش المصري وأسفر عن مقتل نحو 30 جندياً، قبل أن تقوم السلطات المصرية بتوسيع تلك المنطقة لتصل إلى عرض كيلومتر في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه. وعقب تلك التوسعة، قامت القوات المسلحة المصرية بتوسعة ثالثة للمنطقة العازلة، لكن من دون الإعلان عن ذلك، وسط سخط عارم بين أهالي سيناء الذين تضرروا من عمليات التهجير القسري، بعد هدم منازلهم، إذ أوضحت الإحصاءات الخاصة بجهات محلية داخل سيناء، أن المرحلتين الأولى والثانية شملتا هدم نحو 2000 منزل. وقالت المصادر القبلية إن قوات الجيش أمرت، خلال الأسابيع القليلة الماضية، عشرات الأسر بضرورة إخلاء منازلهم. وانصاعت العائلات لقرار الجيش بإخلاء قرى غرب رفح في غضون أيام، وإلا فإنهم سيكونون معرضين لهجمات الجيش المتواصلة في تلك المناطق. وأوضحت المصادر ذاتها أن قوات الجيش كانت تركز على ضرورة إخلاء المناطق المستهدفة، والانتقال إلى مدن العريش وبئر العبد والإسماعيلية بدلاً من التمركز في مناطق قريبة إلى حين انتهاء العملية العسكرية، ما يكشف عن النية المبيتة لدى الجيش بعدم عودة المواطنين إلى منازلهم بعد انتهاء العملية العسكرية التي تعتبر الأوسع والأعنف منذ سنوات على مناطق غرب وجنوب رفح.
وإضافة إلى ما سبق، أغلقت قوات الجيش مدينة رفح بالكامل طيلة فترة تهجير المواطنين، منعاً لنزوحهم في اتجاه مركز المدينة أو في اتجاه مركز مدينة الشيخ زويد، أو أي قرية محيطة، فيما لم يتبق أمام النازحين أي خيار للرحيل سوى صوب مناطق العريش وبئر العبد، وأعداد قليلة من العائلات اتجهت إلى مناطق سكن أقربائها في الإسماعيلية. وتزامناً مع نشر الجيش المصري قوات جديدة في مناطق رفح، وبناء ارتكازات أمنية وحواجز جديدة، نشر تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، صوراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي قال إنها لمجموعاته خلال الاحتفال بعيد الأضحى، الذي صادف قدومه مع استمرار الحملة العسكرية على رفح. ويترافق الهجوم مع هدوء شبه تام لهجمات تنظيم "ولاية سيناء" ضد قوات الأمن في كافة مناطق انتشاره في محافظة شمال سيناء، حتى في المناطق البعيدة، كغرب مدينة العريش ووسط سيناء، ما أعطى فرصة للجيش للتركيز على عمليته القائمة حالياً، والتي حققت فعلياً نتائج جيدة، تمثلت بتهجير مئات المواطنين، وسيطرة ميدانية لم تكن موجودة سابقاً. يشار إلى أن التنظيم لم يعلن عن استهداف أي من قوات الجيش المشاركة في الهجوم على رفح، رغم أن الهجوم يقع في مناطق تخضع لسيطرته الميدانية، وكان يتحرك بها بكل أريحية طيلة الفترة الماضية، ما يضع علامات استفهام على موقف التنظيم من المخطط الذي ينفذه الجيش في هذا التوقيت في مناطق رفح القريبة من الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل.
وقال شيخ قبلي، لـ"العربي الجديد"، إن المشهد بات يتضح مع مرور الوقت، فالحملة العسكرية على رفح لم تحدث في ظل سخونة الأوضاع بعد هجوم البرث الإرهابي في يوليو الماضي، فلماذا تتم في هذا الوقت، الذي لا يتضمن أي مبرر واضح لشن هجوم بهذا الحجم؟ وأوضح أنه لو كانت نية الجيش من الهجوم السيطرة الميدانية، فلا حاجة لإجبار مئات المواطنين على ترك منازلهم، وإبلاغهم بشكل شخصي بضرورة ترك القرى جنوب وغرب رفح، ما يعني أن الهجوم الحالي مقصده التهجير وليس السيطرة وطرد تنظيم "ولاية سيناء" من المنطقة.