الحديث مع رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين سيلفانا اللقيس يتجاوز النضال المستمر منذ عقود من أجل إرساء حقوق الأشخاص المعوقين، ويمتد إلى الحراك الشعبي المطلبي الحالي الذي يشارك فيه الاتحاد.
- يشكك البعض في نسبة الأشخاص المعوقين في لبنان، ويقول إنّها أقل من 10 في المائة من السكان، ما رأيكم بهذا؟ وما هي النسب المتوفرة لديكم؟
نسبة الأشخاص المعوقين في لبنان ليست 10 في المائة، بل 15 في المائة من السكان بحسب المسح الأخير للبنك الدولي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. فالمشكلة الأساس هي أنّ تصنيف الإعاقة المعتمد دولياً أوسع بكثير مما يعتمده لبنان الرسمي. الإعاقة هي عدم تمكن شخص من أداء وظيفة معينة ومن ذلك مشاكل الظهر الحادة مثلاً. كذلك، تسود في لبنان ثقافات موروثة تحاول أن تخفي الشخص المعوّق وتغيّبه، كما يفعل بعض الأهل الذين يخافون أن يؤثر وجود ابن معوّق على أخوته اجتماعياً.
وليس لبنان وحده ما تختل فيه النسب، فكثير من الدول العربية تعلن رسمياً أنّ الأشخاص المعوقين لديها تتراوح نسبتهم ما بين 2 و4 في المائة. بينما هي في السويد التي تقدم خدمات كاملة وتؤمن الحقوق بالتساوي 20 في المائة. كما أنّ كلّ الدول الغربية تتجاوز فيها النسبة 15 في المائة من السكان.
- وهل يؤثر اختلال النسب ما بين الأرقام الرسمية وأرقام منظمات الأشخاص المعوقين في شيء؟
عندما يختفي الإحصاء الدقيق يختفي الأشخاص المعوقون من الأجندة الحكومية وتغيب قضاياهم. والواقع يشير إلى أنّ 83 في المائة من الأشخاص المعوقين عاطلون من العمل، مع العلم أنّ باستطاعتهم العمل كغيرهم. وكذلك فإنّ نسبة الأشخاص المعوقين الذين لم يدخلوا إلى المدرسة تصل إلى 50.4 في المائة، أي ما يعادل 5 مرات أكثر من غيرهم.
- بالاستناد إلى هذه الأرقام وغيرها، ما هو واقع الأشخاص المعوقين في لبنان؟
عندما يتناول الناس قضايا الإعاقة فإنّهم يتحدثون عن الشخص المعوق بحدّ ذاته وما يمكن أن يفعلوا من أجله، وهو نموذج طبي خيري لمقاربة هذه القضايا. المطلوب هو الحديث عن النظام الاجتماعي الكامل وتصميم الخدمات والمرافق التي تصل للجميع من دون تمييز. فنحن في حركة الإعاقة واتحاد المقعدين ندعو لفكرة الحقوق والعدالة الاجتماعية. فالنموذج الاجتماعي لمقاربة قضايا المعوقين يرتكز على التنوع في حاجات البشر. وحين يترسخ التنوع لن يكون هناك إقصاء لأي فئة في المجتمع. ببساطة، فالنموذج الاجتماعي يوصل المجتمعات إلى أفضل مرحلة ممكنة في حال تطبيقه. بالنسبة لنا، كلّ مساعينا تصبّ في هذا الاتجاه، وتقارب الانتقال إلى مجتمع دامج للجميع، خصوصاً مع التحول من أنظمة الرعاية والإحسان والوقاية والعزل إلى نظام الحقوق والمشاركة.
لبنان الرسمي اعتمد عزل الأشخاص المعوقين منذ الاستقلال (1943) حتى اليوم، من خلال إبرام العقود مع مؤسسات المجتمع الأهلي العازلة والتي تعتمد النموذجين الطبي والخيري. وبحسب التقارير الرسمية فإنّ وزارة الشؤون الاجتماعية متعاقدة اليوم مع 70 مؤسسة لرعاية الأشخاص المعوقين. وهي مؤسسات تقدم خدماتها لـ8 آلاف شخص معوق فقط. والاعتراض هنا مزدوج، أولاً لجهة نوعية هذا النظام العازل، وثانياً أنّه لا يغطي إلاّ نسبة قليلة من الأشخاص المعوقين.
قانونياً نجحت مساعينا بعد نضال طويل في إصدار القانون 220 لعام 2000 الذي يكرّس حقوق الأشخاص المعوقين. لكن، وبالرغم من أهميته، فقد تضمن الكثير من الثغرات التي تسمح بالتهرب من تطبيقه، بالإضافة إلى عوامل أخرى ساهمت في عدم تطبيقه أهمها عدم وجود إرادة سياسية، واستفادة البعض من الوضع القائم كتأثر خاص بالنظام اللبناني المرتكز على الطائفية والمحاصصة. فالتقسيم يلحق الرعاية وكلّ طائفة وصية على الأشخاص المعوقين التابعين لها خارج أيّ مراقبة ومحاسبة.
- ذكرتم القانون 220 لعام 2000، هل من أمثلة على الانفصام ما بينه وبين التطبيق؟
في مثال بسيط القانون ينصّ على حقّ الشخص المعوق باستيراد سيارة خاصة به من الخارج وحصوله على إعفاء جمركي من خلال تقديمه إفادة صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية. لكنّ ما يجري مخالف تماماً. فمن ضمن عدة ممنوعات أخرى يمنع جهاز الجمارك الإعفاء عن الشخص المعوق إذا كان لا يقود بنفسه. ومثال آخر عن مواقف السيارات، فالقانون يكفل للشخص المعوق أن يركن سيارته في أقرب نقطة من المبنى العام. لكن لا وجود للمواقف تلك، مع العلم أنّ القانون تحدث عن تجهيز كلّ المباني العامة من وزارات وإدارات وغيرها خلال 6 سنوات من إصداره، ولا تجهيز حتى اليوم.
- بالحديث عن النظام الطائفي وغياب الحقوق أين تجدون أنفسكم كاتحاد في الحراك المدني اللبناني الحالي؟
الحراك الشعبي يردّ الروح والحياة إلى لبنان، ونحن حريصون على استمراره. البلد يتفكك ويهترئ ويقام على هامش كلّ ما هو رئيسي، عشوائيات يستفيد منها البعض. فمثلاً لا تُنشأ سياسة تربوية متكاملة، وتُنشأ بدلاً منها مشاريع ربحية يستبعد فيها الناس ويتم استغلالهم. ما يجري اليوم يشكل فرصة لنا كمواطنين كي نتعلم الالتزام بحقوقنا مهما كانت القضايا الجزئية التي ينادي كلّ واحد منا بها، كحقوق المرأة، وحق الأم اللبنانية في إعطاء جنسيتها لأولادها، والحقوق البيئية، وحقوق المستأجرين وغيرها. يجب أن نتعلم كمواطنين أنّ الحقوق لا تتجزأ، وكلّنا يجب أن ندافع عن حقوق كلّ الناس.
الحراك اليوم واعد. والجميل فيه أنّ هناك همّاً مشتركاً يجمع كلّ أصحاب القضايا. كذلك يشهد الحراك مشاركة أشخاص جدد، خصوصاً مع متابعتهم النزول بقوة كلّ مرة ما يعطي أملاً بالتجدد والاستمرارية.
أما بالنسبة لشعار إسقاط النظام، فالمقصود منه إسقاط كلّ ما هو سلبي في النظام، والرجوع إلى دولة القانون، والوصول إلى قانون انتخابي غير مذهبي يؤكد مشاركة عادلة وديمقراطية للجميع، ببطاقة موحدة، وسقف واضح للإنفاق، مع خلوه من العوائق وابتعاده عن أيّ نوع من المحاصصة. كذلك ندعم ما تطلبه الحركة النسائية في هذا الإطار.
- وماذا بعد انتهاء الحراك الحالي، أين سيكون موقعكم؟
هذا الحراك بدأ مع مشكلة النفايات، فإذا انتهت سنكون حاضرين من أجل المطالب الرئيسية وهي إجراء انتخابات رئاسية، ونيابية، وتشكيل حكومة. فلا يجب علينا أن نسمح بعد اليوم بالفراغ، وبالغياب المستمر للموازنة الحكومية منذ سنوات.
كذلك، فنحن كاتحاد نبحث كيفية استثمار اللحظة الحاضرة من أجل تفعيل مطالبنا بحقوقنا. حتى إنّ خطوة الاعتصام في وزارة البيئة خططنا بدورنا قبل عام كامل لما هو أكبر منها، وهو الاعتصام في كافة الوزارات حتى الخروج بخطوات عملية. وما زالت الخطة واردة مع غيرها، فنحن لن نوفر أيّ أسلوب لا عنفي إلا وسنستخدمه من أجل هذه الحقوق.
معركة ضد المصطلحات المسيئة
تتولى رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين سيلفانا اللقيس أيضاً رئاسة الإقليم العربي للمنظمة الدولية للأشخاص المعوقين. ومع خوضها النضالات المطلبية، تخوض اللقيس مع الاتحاد معركة ضدّ المصطلحات المسيئة للأشخاص المعوقين. وتردّ ما رفع من هذه المصطلحات كلافتات في الحراك الشعبي مثل "حكومة طرشان" وغيرها، إلى الثقافة الموروثة التي لا تلوم المتظاهرين مباشرة عليها، بل تؤكد أنّهم سيستجيبون للتنبيهات بخصوصها ومدى الضرر الذي تسببه لهذه الفئة.
إقرأ أيضاً: المعوّقون العرب يعانون العزل والتهميش