سيكرهونكم!

04 مارس 2015
قوة عراقية مشتركة من الجيش والمليشيات قرب تكريت(فرانس برس)
+ الخط -

مجدداً: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. المعركة اليوم هي هزيمة "داعش"، وهذا يُعطي من قرّر محاربتها في العراق (التحالف الدولي، إيران، المليشيات العراقية الشيعية، السلطة العراقية)، الحق في ممارسة الفظائع في سبيل إسقاط هذا التنظيم المجرم.

يحق لهذه القوى أن ترفع شعاراً مذهبياً في حربها على تكريت، وتحاصر المدنيين، وتطالبهم بالخروج، رغم أن الطائرات تقصف كل ما يتحرك إذا "قد لا يسلم أحد من هذه الحرب" كما قال زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري. ويتخوف أهل المدينة من مجازر مذهبية تقوم بها المليشيات. ولا يأتي هذا الخوف من فراغ، إذ يقول تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" صدر في 15 فبراير/شباط الماضي، إن "انتهاكات المليشيات المتحالفة مع قوات الأمن العراقية في المناطق السنّية تصاعدت في الشهور الأخيرة، فتم إجبار سكان على ترك منازلهم، وخطفهم وإعدامهم ميدانياً في بعض الحالات".

ما يجري في العراق بات يتجاوز محاربة "داعش" إلى إعادة رسم الخريطة العراقية ديمغرافياً. ويتم تكرار خطيئة ما بعد الاحتلال الأميركي في العراق، باعتبار أن هناك مذهباً انتصر وآخر هُزم. تلك الخطيئة، التي كانت إحدى تجلياتها حلّ الجيش العراقي وقانون اجتثاث حزب البعث (لا مجال للكلام عن جرائمه لفظاعتها وكميتها). وقد نتج عن هذا الأمر تهميش للعرب السنّة، أدّى في ما أدى، إلى نشوء تنظيم "الدولة في العراق" وهو النسخة الأكثر تشدداً وإجراماً من تنظيم "القاعدة". ولم تتمكن السلطات العراقية والاحتلال الأميركي من ضرب هذا التنظيم، إلا عبر "الصحوات" وإشراك السنّة في العمليّة السياسيّة. وهو ما يُشير إلى أن أبرز طرق محاربة هذا الفكر هو العودة إلى ممارسة الحياة السياسيّة الطبيعية. لكن ممارسات رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، أدت إلى انتكاسة، أعادت التنظيم إلى الساحة بقوة وإجرام أكبر.

أقصي المالكي عن المشهد العراقي، تحت عنوان تجاوز أخطائه، وإشراك العرب السنة في العمليّة السياسيّة، وإذ بالنتائج تأتي أسوأ من مرحلة المالكي. إقصاء وإجرام بحق مذهب، واعتبار أهله مسؤولين عن ممارسات "داعش" كما اعتبروا مسؤولين عن ممارسات "البعث". وفي الحالتين تنسيق إيراني ــ أميركي (هذه المرة علني أكثر من السابق) وغياب عربي عن المشهد العراقي.

يحتاج الحديث عن جرائم "داعش" إلى مجلدات، لكن من يظن أنه بهذه الطريقة سيهزم هذا الفكر، فإنه مخطئ، إذ إن العكس قد يكون صحيحاً. لربما سيسأل بعضهم يوماً السؤال الذي سأله الأميركيون بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001: "لماذا يكرهوننا؟"