17 سبتمبر 2019
سيعلو الموج وينهدم الجدار
بجوار نقطة تفتيش شارلي، إحدى بوابات العبور بين برلين الشرقية والغربية، وفي متحف شارلي الذي يحوي ضمن محتوياته توثيقاً لوسائل الهروب التي كان يبتدعها الألمان في برلين الشرقية، لتجاوز الجدار العازل بينهم وبين برلين الغربية، وقفتُ أمام مجسم لقارب مطاطي وداخله رجل يحمل مجدافه، وخلف المجسم لوحة بعرض حائط الغرفة، تمثل خريطةً تبدو فيها مسارات لسفن راحلة بمهاجرين عبر بحر البلطيق من ألمانيا الشرقية نحو أوروبا، في مشهد شبيه بسفن الموت المهاجرة من بلادنا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
لم يمض على هذه المشاهد سوى ثلاثين عاماً. فقط منذ ثلاثين عاماً، كان سكان أوروبا يحتاجون إلى إذن سفر وبوابات تفتيش بين شطري مدينة من أكبر مدن أوروبا، وكان شطر من سكان أوروبا يهيمون على وجوههم، براً وبحراً، لاختراق جدران القهر والاستبداد.
هكذا كان حال أوروبا المتقدمة والآمنة اليوم، والتي يسير فيها الراكب من أقصاها إلى أقصاها من دون جوازات مرور. هذه أوروبا التي تسير لها اليوم رحلات الهجرة المعاكسة من بلادنا المنكوبة. وهذه هي أوروبا التي لو كنت ولِدتُ فيها بداية القرن العشرين ومتُ في منتصفه، كنت سأعيش خمسين عاما من البؤس والشقاء بين حربين عالميتين مدمِّرَتين، إن نجوت فيهما من الموت، سأعيش مشرّداً تائها في دروب أزمات سياسية واقتصادية طاحنة.
كنت سأعيش مقهوراً تحت نظم ديكتاتورية نازية وفاشية وشيوعية من أسوأ ما أنتجته البشرية من نظم قمعية. وكنت سأحيا بين جدران نفسية تحجز بين البشر على أساس العرق والدين والجنس واللون، كنت سأموت قبل أن أسمع صيحة مارتن لوثر كينج، وحلمه بالمساواة، والتي لم يمض عليه سوى خمسة وخمسين عاما، وما زال حلمه قيد التحقيق.
أنا الشرقي المنكوب في الجنوب خلف البحر الأبيض المتوسط، طافت في ذهني هذه الخواطر، وعيناي تتقلبان بين مشاهد داخل متحف شارلي لإحصائيات عدد ضحايا محاولات الهروب من الجدار العازل بين برلين الشرقية والغربية، وحدثتني نفسي بأن الإنسان في ظل أزماته ونكباته، يحتاج إلى اختراق جدار الزمان والمكان، لتنفتح عينه على نهر التاريخ الجاري بلا توقف، والأيام التي يداولها الله بين الناس، وموجات نهر التاريخ التي ترفع أقواما وتضع آخرين.
فإن كنا اليوم في قعر الموجة ومحبوسين خلف جدران نعاني منها، فحتماً سينهدم الجدار، وحتما ستعلو بنا الأمواج.
لم يمض على هذه المشاهد سوى ثلاثين عاماً. فقط منذ ثلاثين عاماً، كان سكان أوروبا يحتاجون إلى إذن سفر وبوابات تفتيش بين شطري مدينة من أكبر مدن أوروبا، وكان شطر من سكان أوروبا يهيمون على وجوههم، براً وبحراً، لاختراق جدران القهر والاستبداد.
هكذا كان حال أوروبا المتقدمة والآمنة اليوم، والتي يسير فيها الراكب من أقصاها إلى أقصاها من دون جوازات مرور. هذه أوروبا التي تسير لها اليوم رحلات الهجرة المعاكسة من بلادنا المنكوبة. وهذه هي أوروبا التي لو كنت ولِدتُ فيها بداية القرن العشرين ومتُ في منتصفه، كنت سأعيش خمسين عاما من البؤس والشقاء بين حربين عالميتين مدمِّرَتين، إن نجوت فيهما من الموت، سأعيش مشرّداً تائها في دروب أزمات سياسية واقتصادية طاحنة.
كنت سأعيش مقهوراً تحت نظم ديكتاتورية نازية وفاشية وشيوعية من أسوأ ما أنتجته البشرية من نظم قمعية. وكنت سأحيا بين جدران نفسية تحجز بين البشر على أساس العرق والدين والجنس واللون، كنت سأموت قبل أن أسمع صيحة مارتن لوثر كينج، وحلمه بالمساواة، والتي لم يمض عليه سوى خمسة وخمسين عاما، وما زال حلمه قيد التحقيق.
أنا الشرقي المنكوب في الجنوب خلف البحر الأبيض المتوسط، طافت في ذهني هذه الخواطر، وعيناي تتقلبان بين مشاهد داخل متحف شارلي لإحصائيات عدد ضحايا محاولات الهروب من الجدار العازل بين برلين الشرقية والغربية، وحدثتني نفسي بأن الإنسان في ظل أزماته ونكباته، يحتاج إلى اختراق جدار الزمان والمكان، لتنفتح عينه على نهر التاريخ الجاري بلا توقف، والأيام التي يداولها الله بين الناس، وموجات نهر التاريخ التي ترفع أقواما وتضع آخرين.
فإن كنا اليوم في قعر الموجة ومحبوسين خلف جدران نعاني منها، فحتماً سينهدم الجدار، وحتما ستعلو بنا الأمواج.