سيضحكون إلى الأبد

10 مايو 2014
+ الخط -

أمشي. خطواتي بطيئة. جسدي ليس مستعداً بعد للّحاق بنفسه. أظنّ أنني أمشي. لكنني أركض في الحقيقة. وأحياناً أطير. تُحلّق بي الأفكار عالياً. وتلوي شرفات البيوت القديمة رأسي. أرغب أن أصعد إليها جميعاً. أرى العالم من خلالها. لن يكون مختلفاً. هي قريبة منه. تتلوّث به. تستمع إلى ناسه. تتقلّب على هوى أمزجتهم. تفصلها عنه أزهار وردية وحمراء بغالبيتها. تصطف على "الدرابزين" وتتشابك أغصانها من شرفة إلى أخرى على امتداد الشارع. تصنع عالماً مستقيماً. وحدها قادرة على ذلك.

أنظرُ إلى السماء وأرسم عالماً أريده. أقتطع أجزاءً من الغيم وأُعيد تركيبها. هذا قمرٌ يجلس في زاوية السماء. تصدّى للشمس فعجزت عن حذفه. وهذا طفل سيضحك إلى الأبد. لن يكبر. أنظرُ إلى طفلي يرمي بجسده فوق جسدي، فتغدر بي خاطرة: "ليته لا يكبر. ليته لا يتخلى عن قاموس كلماته". يودعني صباحاً. "أحبّكِ كثيراً كثيراً". يفتح ذراعيه الصغيرتين ليحضن السماء والبحر وكلّ شيء. يُغنّي فيروز على طريقته. أما أنا، فأستيقظ كلّ صباح من أجل كمية الحب هذه.

كيف لا أريده أن يكبر. هذا يعني قصوراً في العقل. تقول لي المعالجة النفسية أن أرمي أفكاري السيئة في البحر. ستأخذها الأمواج بعيداً. لكنني لم أقصد أي سوء. حسناً. ها قد رميتها.

أمشي. أرتدي حذاءً من قماش مثقوب. اشتريته حديثاً. لا أعرف شيئاً عن هذا القماش. فقط إنه جميلٌ. صديقي قال لي مرة إنه كوني امرأة، يجب أن أكون على معرفة بأنواعها. مارس ذكورية طالما عمل على طمسها. ظنّ أنها لم تعد موجودة، هو الذي جاهد للقضاء على الكثير من مخلّفات تربيته. لكنها باغتته وغلبته. فهي تسكن إحدى طوابق لاوعيه. لا يهمّ. حسناً. قررت أن أكون امرأة ليست على دراية بالأقمشة. أختار الأشياء التي تلامس قلبي، وأسمح لها بملامستي.

غيّر الطقس مساره اليوم. أزاح الغيم قمر الصباح ليُسقط أمطاره فوق رؤوسنا. نتصدى له بمظلاتنا. نصبح فجأة كارهين للطبيعة. نختار منها ما لا ينزع هيئتنا الصباحية، أو يخسرنا جمالاً مصطنعا ومرتباً. أنظرُ إلى الناس. يبدون غاضبين بعدما اكتسبت أجسادهم مزاجاً صيفياً. لا أفهم كيف يرتدي البعض القميص عينه صيفاً شتاءً. كأنهم ذلك الدبّ القطبيّ الذي يتدفأ بفروه من دون أي إضافات. علّهم مثله. جلدهم عابر للفصول.  

توقف المطر. وعاد القمرُ إلى زاويته. سأقتطع من الغيم أحلاماً كثيرة، وأرسم أطفالاً سيضحكون إلى الأبد.  

 

المساهمون