في قلب المدينة التاريخية التي خلت من ناسها وعشاقها، سيراكوزا، تؤرخ الفنانة الإيطالية تيزيانا بلانكو لصدى خطواتها على الأسفلت، هناك حيث مشى أرخميدس وتوجع ابن حمديس وحلم أفلاطون.
سيراكوزا هي مدينة إيطالية جنوبية في مقاطعة صقلية، لم تشتهر بقدر ما اشتهرت به روما، غير أنها تضم بين أضلعها قصصاً تاريخية عظيمة عن مشاهير أقاموا وولدوا بها، بل وحلموا بتحويل أزقتها الضيقة وانعراجاتها الخرافية إلى مدن فاضلة.
وتروي القصص أن أفلاطون حلّ بسيراكوزا، وتعرف على صهر الطاغية دنيس الأول حاكم سيراكوزا، واسمه ديون وأصبحا صديقين، وحلما بأن تُبعَث الحياة في جمهورية أفلاطون العادلة، غير أن ذلك لم يرق للحاكم الذي طرد أفلاطون من سيراكوزا.
وبعد موت الطاغية، تولى ابنه دنيس الثاني الحكم، فعاد أفلاطون إلى سيراكوزا بدعوة من ديون، ليُدرِّس مبادئ الفلسفة للحاكم الجديد ويحيي حلمه القديم. غير أن الحاكم الشاب، سرعان ما راوده الشك من مساعي ديون ورغبته في الاستيلاء على الحكم. فطرد ديون وزجّ بأفلاطون في السجن مدة قبل أن يطلق سراحه ويعود إلى أثينا.
وتروي القصص ذاتها كيف جرى بين أزقتها أرخميدس، وتمثاله في قلب المدينة يذكّر المارة بانها ليست مجرد مدينة وليست مجرد شوارع، وإنما هي لحظات تاريخية مثبتة شهدها العالم وتصارعت من أجلها حضارات عظيمة.
واختارت اليونسكو وسط سيراكوزا التاريخي عام 2005 ضمن مواقع التراث العالمي، لما تزخر به من شواهد على عمق تاريخ المتوسط العامر بالحروب والصداقات.
وتروي الفنانة بلانكو لـ "العربي الجديد" أنها لم تتمكن من الاختلاء بمدينتها بسبب زحمة الزوار، ولكن كورونا مكنتها دون قصد من فرصة قد لا تتكرر.
وبلانكو هي مصورة محترفة اشتغلت للصحافة طويلا ووثقت لحروب المافيات ثم توجهت إلى تراث سيشيليا واهتمت مطولاً بالإرث الإسلامي في صقلية وأقامت معارض حول ذلك.
ويترجم لنا الفنان التونسي المقيم بالمدينة، رمزي الهرابي، حواراً عن بعد مع بلانكو، وينقل عنها أنها عندما شهدت شوارع إيطاليا تخلو من عشاقها في ميلانو وروما، عاودها الإحساس بأن العدسة قد تكون أمام فرصة استثنائية للإختلاء بالشوارع والجدران.
وحصلت على إذن خاص من البلدية لتخرج منتصف النهار إلى قلب المدينة، وقتما كان يضج بالوزار ولغاتهم المختلفة، لتؤرخ للصمت، حيث لا تُسمع إلا زفرات صدرها وصدى خطواتها على الأسفلت، وتمنح ألواناً جديدة لهذا الصمت، وتروي يوميات الخوف الذي استفرد بالشوارع.
أين ذهب الأطفال، وكيف اختفى صراخهم وتبخرت ضحكاتهم في يوم ربيعي كهذا؟