13 نوفمبر 2024
سياسيو العراق يلعبون "البوكيمون"
كما العالم هذه الأيام منشغل بلعبة "البوكيمون" التي تقوم على الجمع بين ما هو ماثل في الواقع وما هو مفترض في العقل الإلكتروني، فإن العراقيين منشغلون أيضاً بهذه اللعبة، ولكن من نوع مختلف. الجامع بينهما أنهما تستنفدان جهد اللاعب في بحثٍ متصل عن "وحوش"، بعضها واقعي وبعضها الآخر افتراضي، والقبض عليها واصطيادها. في "البوكيمون" العالمية، كلما نجح اللاعب في اصطياد عدد أكبر من "الوحوش"، وتسجيل نقاط أكثر حصل على أموال افتراضية أكثر، وهنا متعة اللاعب التي تدفعه إلى ممارسة اللعبة والإدمان عليها. لكن، في نسختها العراقية كلما خيل للاعبٍ أنه نجح في اصطياد "الوحوش"، أفلتت من يده وغابت. وسرعان ما تعود لتواصل فعلها الشرّير في هذا المكان أو ذاك. عندها، يتراجع اللاعب خائباً، حائراً بين أمرين: البحث عن فرصة جديدة للعب أو أن يطوي أوراقه ويمضي.
هذا ما حصل لوزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، الذي ظهر فجأة لاعباً ماهراً، عندما ألقى حجراً ثقيلاً في مياهٍ لم تكن راكدةً أصلا، جعل موجاتها تتصاعد، لتقذف بحصيلتها على نحو جنوني، مسبباً حالة ذعرٍ لكل من يعنيهم الأمر، وقد خرج من جلسة استجوابٍ برلمانيةٍ غير مسبوقة، وهو يسعى إلى القبض على "وحوش" حقيقية واصطيادها، لتنال جزاءها العادل، بعدما أدمنت الفساد والإفساد، طوال السنوات العجاف التي أعقبت غزو البلاد. وقد أطلقت فعلة العبيدي سيلاً من اللاعبين في هذا الاتجاه أو ذاك، راح كل منهم يجول في الأماكن المحيطة به، ساعياً إلى إنقاذ نفسه، وإلقاء التهم على خصومه، والقبض عليهم واصطيادهم.
وإذا كانت "البوكيمون" تتطلب مهارةً فائقة في اللعب والاستكشاف، فإن اللعبة، بصيغتها الجديدة التي عمد إليها الرجال النافذون في العراق، لا تتطلب جهداً وفعلاً كثيرين، لأن "الوحوش" موجودون في أماكن محدّدة ومعروفة، أبرزها "المنطقة الخضراء" ومكاتب الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب، والواحد منهم يعرف الآخر، وبالإمكان اصطيادهم والقبض عليهم بسهولة، إن توفرت العزيمة والنية الخالصة. لكن، من غير المتوقع أن يحدث ذلك، لأنهم متشاركون جميعا، متواطئون جميعاً على رؤوس الأشهاد، في سرقة المال العام وتخريب الذمم ودفع المجتمع نحو الانهيار، ولأن ما بين الواحد والآخر منهم ما يشبه توافق اللصوص على اقتسام الغنائم، وعلى أن يكونوا عندما تدهمهم النوائب، مثل الجسد الذي يشدّ بعضه بعضا، وقد هرعوا مراراً وغلبتهم الهستيريا، ليجنب بعضهم الآخرين السوء، على الرغم مما يبدو بينهم أحياناً من خلاف واختلاف، مرة عند تصاعد الحراك الوطني وارتفاع سقف المطالبات الشعبية بالتغيير، وأخرى عند سقوط الموصل وانكشاف دور مسؤولين كبار تواطؤاً أو إهمالا، وثالثةً عند اقتحام الجموع الغاضبة المنطقة الخضراء والبرلمان، ورابعة.. وخامسة..
هكذا، إذن، لا شيء يوحي أن هؤلاء مقبلون على إصلاح أنفسهم، وأن دولة الفساد آخذة في التلاشي، ولا شيء يوحي بأن سعياً جدياً قائماً اليوم على مستوى القضاء والبرلمان وهيئة النزاهة، بهدف القضاء على ظاهرة الفساد، إلى درجة أن العالم وضع العراق في ذيل قائمة الشفافية سنوات عدة، كما لا شيء يوحي بقدرة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، على مقارعة الحيتان الكبار، واصطيادهم والقبض عليهم، وأيضاً لا شيء يوحي أن العبيدي الوزير الذي رفع إصبع الاتهام بوجه أكثر من برلماني ومسؤول سيخرج من المبارزة سالماً، وقد يُقال، أو يجبر على الاستقالة، أو ربما يتعرّض لما هو أشد وأقسى.
وما هو مثير حقا أن يستمر رجال الطبقة السياسية النافذون بممارسة لعبة "البوكيمون"، فيما بينهم، والزعم بنيتهم اصطياد "الوحوش"، بهدف تضليل الجمهور وخداعه، ويستمر السذّج والبسطاء، والمغلوب على أمرهم، في انتظار "المهدي" الذي يجيء ولا يجيء، لإنفاذهم مما هم فيه، وقد رأوا، بأم أعينهم، أن البلاد لا تمر بأزمة حكم وحسب، وإنما بأزمة أخلاق وقيم، بصعب معالجتها من دون "عمليةٍ سياسيةٍ" وطنية، تغير الحال والمآل.
ويبقى الاعتراف، في النهاية، مطلوباً بفضيلة العبيدي في أنه ألقى حجراً ثقيلاً في مياهٍ لم تكن راكدة أصلا، وقد لا تحقق فعلته هذه ناتجاً ذا قيمة في الحاضر، لكنها ستمهد الطريق أمام آخرين، للاقتداء بها، والعمل على دفع عجلة التغيير والإصلاح إلى أمام، بعد أن طفح الكيل، ولم يعد في قوس الصبر ثمة منزع.
هذا ما حصل لوزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، الذي ظهر فجأة لاعباً ماهراً، عندما ألقى حجراً ثقيلاً في مياهٍ لم تكن راكدةً أصلا، جعل موجاتها تتصاعد، لتقذف بحصيلتها على نحو جنوني، مسبباً حالة ذعرٍ لكل من يعنيهم الأمر، وقد خرج من جلسة استجوابٍ برلمانيةٍ غير مسبوقة، وهو يسعى إلى القبض على "وحوش" حقيقية واصطيادها، لتنال جزاءها العادل، بعدما أدمنت الفساد والإفساد، طوال السنوات العجاف التي أعقبت غزو البلاد. وقد أطلقت فعلة العبيدي سيلاً من اللاعبين في هذا الاتجاه أو ذاك، راح كل منهم يجول في الأماكن المحيطة به، ساعياً إلى إنقاذ نفسه، وإلقاء التهم على خصومه، والقبض عليهم واصطيادهم.
وإذا كانت "البوكيمون" تتطلب مهارةً فائقة في اللعب والاستكشاف، فإن اللعبة، بصيغتها الجديدة التي عمد إليها الرجال النافذون في العراق، لا تتطلب جهداً وفعلاً كثيرين، لأن "الوحوش" موجودون في أماكن محدّدة ومعروفة، أبرزها "المنطقة الخضراء" ومكاتب الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب، والواحد منهم يعرف الآخر، وبالإمكان اصطيادهم والقبض عليهم بسهولة، إن توفرت العزيمة والنية الخالصة. لكن، من غير المتوقع أن يحدث ذلك، لأنهم متشاركون جميعا، متواطئون جميعاً على رؤوس الأشهاد، في سرقة المال العام وتخريب الذمم ودفع المجتمع نحو الانهيار، ولأن ما بين الواحد والآخر منهم ما يشبه توافق اللصوص على اقتسام الغنائم، وعلى أن يكونوا عندما تدهمهم النوائب، مثل الجسد الذي يشدّ بعضه بعضا، وقد هرعوا مراراً وغلبتهم الهستيريا، ليجنب بعضهم الآخرين السوء، على الرغم مما يبدو بينهم أحياناً من خلاف واختلاف، مرة عند تصاعد الحراك الوطني وارتفاع سقف المطالبات الشعبية بالتغيير، وأخرى عند سقوط الموصل وانكشاف دور مسؤولين كبار تواطؤاً أو إهمالا، وثالثةً عند اقتحام الجموع الغاضبة المنطقة الخضراء والبرلمان، ورابعة.. وخامسة..
هكذا، إذن، لا شيء يوحي أن هؤلاء مقبلون على إصلاح أنفسهم، وأن دولة الفساد آخذة في التلاشي، ولا شيء يوحي بأن سعياً جدياً قائماً اليوم على مستوى القضاء والبرلمان وهيئة النزاهة، بهدف القضاء على ظاهرة الفساد، إلى درجة أن العالم وضع العراق في ذيل قائمة الشفافية سنوات عدة، كما لا شيء يوحي بقدرة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، على مقارعة الحيتان الكبار، واصطيادهم والقبض عليهم، وأيضاً لا شيء يوحي أن العبيدي الوزير الذي رفع إصبع الاتهام بوجه أكثر من برلماني ومسؤول سيخرج من المبارزة سالماً، وقد يُقال، أو يجبر على الاستقالة، أو ربما يتعرّض لما هو أشد وأقسى.
وما هو مثير حقا أن يستمر رجال الطبقة السياسية النافذون بممارسة لعبة "البوكيمون"، فيما بينهم، والزعم بنيتهم اصطياد "الوحوش"، بهدف تضليل الجمهور وخداعه، ويستمر السذّج والبسطاء، والمغلوب على أمرهم، في انتظار "المهدي" الذي يجيء ولا يجيء، لإنفاذهم مما هم فيه، وقد رأوا، بأم أعينهم، أن البلاد لا تمر بأزمة حكم وحسب، وإنما بأزمة أخلاق وقيم، بصعب معالجتها من دون "عمليةٍ سياسيةٍ" وطنية، تغير الحال والمآل.
ويبقى الاعتراف، في النهاية، مطلوباً بفضيلة العبيدي في أنه ألقى حجراً ثقيلاً في مياهٍ لم تكن راكدة أصلا، وقد لا تحقق فعلته هذه ناتجاً ذا قيمة في الحاضر، لكنها ستمهد الطريق أمام آخرين، للاقتداء بها، والعمل على دفع عجلة التغيير والإصلاح إلى أمام، بعد أن طفح الكيل، ولم يعد في قوس الصبر ثمة منزع.