هذه الحكاية ليست فصلاً من كتاب قديم، وانما ما يجري حالياً في بلاد الرافدين.
فـممارسات من قبيل التزوير والفتاوى والتدليس، لم تعد كافية لحصد المقاعد والمناصب، بحسب تصريح عضو مؤسسة النماء العراقية حميد الكرخي، لـ"العربي الجديد"، الذي أكّد أن الشعوذة في العراق عموما وبغداد خصوصا تحولت إلى تجارة رابحة منذ أن أصبحت محطّ اهتمام السياسيين الذين يقصدون السحرة متوسلين مساعدتهم على البقاء في المنصب أو الحصول على آخر أفضل منه.
وأشار إلى أن مؤسسته لديها أسماء لسياسيين تخشى الكشف عنهم، ينفقون مبالغ مالية خيالية مقابل الحصول على بعض التعويذات التي يعتقدون أنها تجلب الحظ لهم ولأبنائهم، موضحا أن بعض هذه التعويذات تشترى على أنها للجاه والسلطان والمحبة، فيما تستخدم أخرى للنجاح في الامتحانات.
ولفت إلى أن مكاتب الشعوذة تنتشر في مناطق مختلفة من بغداد، إلا أن السياسيين يفضلون الذهاب إلى حيي الكرادة، في جانب الرصافة، والمنصور في جانب الكرخ، لقرب الحيين من المنطقة الخضراء الحكومية التي يقطنونها، مبينا أن بعض السياسيين يترددون على سحرة مدينة الكاظمية، شمال بغداد، كون هذه المنطقة بعيدة عن وسط العاصمة ومعزولة ولا يمكن لكاميرات الصحافيين أن تلتقط أحدا منهم هناك.
ويقول الإعلامي العراقي كمال مظهر، إنّ بعض الوزراء الحاليين والسابقين متهمون بأنهم من رواد مكاتب السحرة، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الشيء يبدو واضحا عليهم من خلال أحاديثهم ومقابلاتهم الصحافية التي يظهر عليهم خلالها التشتت وعدم التركيز والتلفظ بمصطلحات غريبة وغير مألوفة يمررونها في لقاءاتهم على أنها فلسفة".
وكشفت منظمة محلية عراقية بارزة في بغداد عن ارتفاع عدد العاملين في السحر والشعوذة ممن يتخذون مكاتب لهم في شقق سكنية أو داخل منازلهم إلى أكثر من 200 شخص يعملون بصورة علنية، ويقول مدير منظمة "سلم" العراقية علي الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن مكاتب السحر والشعوذة تمارس أعمالها بشكل علني بلا خوف من الحكومة، موضحا أن هؤلاء متورطون بمخالفات قانونية.
ويضيف الحمداني: "كان القانون العراقي قبل الاحتلال يفرض عقوبات غليظة على ممارسي أعمال الشعوذة تراوح بين السجن 15 عاما إلى الإعدام، وأشهر حكم قضائي تم عام 1987 بإعدام ساحر علنا شرقي بغداد لتسببه بوفاة مواطن وسرقة مبالغ مالية منه، لكن حاليا لا قانون واضحا وحتى لو وجد فلا تطبيق له وهو معطل".
"القانون معطل ضد المشعوذين، لكنه مفعّل ضد من يحاول كشفهم"، هكذا يقول المحامي فارس الشورتاني، لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه سمع قصصا غريبة جدا من خلال عمله، مؤكدا أن إحدى مفارز الشرطة التي ألقت القبض على ساحر في منطقة الزوية بالكرادة أطلقت سراحه بعد دقائق نتيجة لتلقيها اتصالا من أحد المسؤولين.
ويتابع أن "المفرزة بررت ذلك بالقول إنّ الساحر أودع السجن لكنه تمكن من تنويم الحراس مغناطيسيا والهروب"، مؤكدا أن بعض مكاتب السحرة تزدحم بشكل كبير ويتطلب الوصول إليها الحجز قبل عدة أيام أو التوسط لدى أحد "المعقبين".
و"المعقب" باللهجة العراقية هو الشخص الذي يجلس أمام المؤسسات والشركات والمصارف والدوائر الأخرى التي تشهد روتينا وتعقيدا، ويتلقى مبالغ مالية تراوح بين 100 و500 دولار من أجل إنجاز المعاملات بشكل سريع.
ويقول علي الحيدري، وهو صاحب "معشب" في حي الكاظمية، شمال بغداد، إنّ الحي الذي يعمل فيه يكاد يكون الأكثر استقطابا للسحرة والمشعوذين، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "السحرة يستخدمون غطاء الدين للتغطية على تضليلهم للناس وسرقة أموالهم".
ويشير الحيدري إلى أن العمارة التي يوجد فيها معشبه تحتوي على مكتبين للسحر، وأنه يشاهد العشرات من الزبائن، 80 بالمائة منهم من النساء، يدخلون إليها يوميا.
ويلفت إلى أنه يشاهد بين الحين والآخر مواكب حكومية تأتي بشخصيات تحيط بهم الحمايات تدخل إلى مكاتب السحر وتبقى هناك عدة ساعات، موضحا أن أجرة الكشف في هذه المكاتب لا تقل عن مائتي دولار أميركي، أما العلاج فيصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات.
أما أحمد الجاردي، وهو بائع شاي قرب أحد مكاتب السحر، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنه يستمع لروايات كثيرة عن توافد سياسيين إلى هذه المكاتب من أجل الحصول على ضمانات ببقائهم في مناصبهم، أو تسقيط خصومهم، مؤكدا أن بعض النساء يأتين أيضا إلى هذه الأماكن بسيارات حكومية وبحماية أمنية كبيرة.
ويشير إلى أن الاستعلام عن قدوم النساء إلى هذه الأماكن يوضح انتماءهن إلى أسر بعضها يتبوأ مناصب مهمة في الدولة والمؤسسات الحكومية المختلفة.