سياسة ترامب في اليمن: تصعيد عسكري وتراجع سياسي

08 مايو 2017
تثير الضربات الجوية انتقادات بسبب كلفتها البشرية(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
أثّر مجيء إدارة أميركية جديدة، على مسار الحرب في اليمن، إحدى أهم النقاط الساخنة في المنطقة العربية، لتحدد أحداث أكثر من 100 يوم من حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ملامح رئيسية لسياسة جديدة لواشنطن في المنطقة، اتسعت فيها وتيرة الحضور الأميركي عسكرياً على صعيد الحرب ضد تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب، وتراجعت سياسياً، في ما يتعلق بالدور الذي كانت واشنطن تؤديه في إطار مشاورات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.

ومنذ الأسبوع الأول لتسلم ترامب البيت الأبيض، كان اليمن ساحة لأول وأضخم عملية عسكرية أميركية ضد تنظيم "القاعدة". نفذت قوات أميركية خاصة في الـ28 من يناير/كانون الثاني الماضي، عملية إنزال جوي لجنود ترافقت مع غارات، واستهدفت قرية واقعة تحت نفوذ تنظيم "القاعدة"، ومنزلاً لأحد وجهاء القبائل المحسوبين على التنظيم، وهو الشيخ عبدالرؤوف الذهب.
استمرت عملية الإنزال في قرية يكلا في محافظة البيضاء وسط اليمن، نحو ساعتين، وقتل فيها 15 بين مسلحي تنظيم "القاعدة"، وأطفال ونساء، بينهم الشيخ عبدالرؤوف الذهب، والجهادية السعودية أروى البغدادي، والتي تعتبر مطلوبة لسلطات بلادها بعد أن تمكنت من الفرار في عام 2013 إلى اليمن. كما قتل جندي أميركي على الأقل، وتحطمت مروحيتان نوع "أباتشي"، وفقا للاعترافات الأميركية، في حين أن رواية تنظيم "القاعدة"، تتحدث عن عدد أكبر من القتلى الأميركيين.


وبعد موجة انتقادات تعرضت لها إدارة ترامب، خرج مسؤولون بتصريحات مفادها أن واشنطن، ومن خلال عملية الإنزال في اليمن، وضعت يدها على "كنز معلومات استخباراتية"، لكن تنظيم "القاعدة"، نفى ذلك، وأعلن زعيمه قاسم الريمي في تصريحات حديثة أن معلومات التنظيم تشير إلى أن عملية أميركا في قرية يكلا، بمنطقة قيفة كانت بسبب معلومات مغلوطة.
في الـ28 من فبراير/شباط الماضي، دشّنت الولايات المتحدة موجة غير مسبوقة من العمليات الجوية ضد أهداف مفترضة لتنظيم القاعدة في ثلاث محافظات يمنية، بشكل رئيسي، وهي أبين وشبوة والبيضاء، جنوبي ووسط البلاد. وشملت الضربات الجوية مشاركة لمقاتلات حربية ومحاولة إنزال بحري على الأقل، في منطقة المراقشة القريبة من الساحل في محافظة أبين. وتراجعت وتيرة الحملة الجوية منذ منتصف مارس/آذار الماضي، واستمرت بوتيرة مرتفعة نسبياً، مقارنة بمطلع الشهر نفسه، والذي شهد العشرات من الضربات. وتشير التصريحات الأميركية إلى أن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت تنفيذ نحو 80 ضربة جوية.

ويقول خبير متخصص بشؤون الحرب على الإرهاب، طلب عدم ذكر اسمه لاحترازات أمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن سياسة واشنطن الجديدة بمحاولة تنفيذ إنزالات للاشتباك المباشر مع مسلحي التنظيم، افتقدت بعد عملية يكلا في يناير الماضي، عامل "المباغتة"، مع لجوء التنظيم إلى احترازات تجعل من أي إنزال، على الأقل في المدى القريب، مكلفاً، وهو ما يفسر عودة الحملة الأميركية إلى طريقتها التقليدية باستهداف المشتبهين بالتنظيم أثناء تنقلهم بمركبات بواسطة طائرات بدون طيار، ولكن بوتيرة أكبر مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وقد ذهب تقرير أعدته وكالة "الأناضول" إلى اعتبار أن حرب ترامب على القاعدة باليمن في 100 يوم تعادل 8 سنوات من عهد باراك أوباما، لكن وفقاً للتفاصيل الحديثة والمتعلقة بالسنوات السابقة، والتي اطلعت عليها "العربي الجديد"، لا يمكن الجزم بهذه المعادلة.
وقد نجحت واشنطن في عام 2015 على سبيل المثال في تصفية العديد من قيادات التنظيم من الصفين الأول والثاني، بينهم زعيم التنظيم بفرعه اليمني، ناصر الوحيشي.
في موازاة ذلك، فإن الضربات الجوية الأميركية في اليمن منذ بدء عهد ترامب، تعكس من حيث العدد وتيرة غير مسبوقة إجمالاً.
من جانب آخر، كثفت الولايات المتحدة حضورها العسكري بحرياً، وأرسلت مدمرات حربية إلى "باب المندب"، لمواجهة التهديدات الإيرانية المحتملة، كما أطلقت واشنطن تصريحات توحي بعدم ممانعتها بالدخول عسكرياً إلى جانب التحالف العربي بقيادة السعودية ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم الموالين علي عبدالله صالح.
وفي السياق، فقد كان لمجيء إدارة ترامب أثره المباشر، على مسار المفاوضات التي كانت تجري برعاية الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية الشرعية والانقلابيين، إذ تحدثت مصادر دبلوماسية عن تجميد إدارة ترامب للمبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في الشهور الأخيرة التي سبقت مغادرة منصبه، وكانت التحضيرات تتمحور حول مضامينها.
وعلى الرغم من نفي مسؤولين أميركيين تجميد المبادرة، إلا أن الجمود السياسي الذي تمر به البلاد منذ صعود إدارة ترامب، يعزز تراجع المسار السياسي، في مقابل تصاعد المواجهات على أكثر من جبهة في البلاد، والساحل الغربي لليمن على وجه خاص.

وكانت إدارة أوباما اقتربت في سنواتها الأخيرة من إيران اقتراباً حذراً، وأبدت انفتاحاً بالتعامل مع الحوثيين الذين التقى وفدهم المفاوض وزير الخارجية السابق جون كيري في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 في العاصمة العُمانية مسقط. في المقابل، فإن إدارة ترامب، وعبر وزير خارجيتها الجديد ريكس تيلرسون، جاءت لتقترب من السعودية، وتطلق التصريحات ضد إيران وحلفائها الحوثيين في اليمن، كما ألغت قيوداً على بيع الأسلحة إلى السعودية، كانت إدارة أوباما فرضتها في الشهور الأخيرة قبل رحيلها.
ولا تتلخص سياسية إدارة ترامب، التي برزت ملامحها خلال الشهور الماضية، على ملفي الحرب على الإرهاب والموقف مع الحرب الأهلية والتدخل العسكري العربي في اليمن، بل كان اليمن أحد ستة بلدان طاولها الحظر الذي أصدره ترامب بشأن الهجرة، وهو تطور قرأه البعض، على أنه مؤشر بأن واشنطن قد تزيد من تدخلها العسكري بالفترة المقبلة في البلاد، وأن حالة الحرب الأهلية والفوضى في البلاد قد تستمر لفترة مقبلة، وغير ذلك من القراءات.