ورغم أن الوثيقة تنص على أن السياسة الروسية في مجال الردع النووي لها "طابع دفاعي" وعدم استخدام السلاح النووي سوى كـ"إجراء اضطراري"، إلا أنها تضمنت أيضا قائمة واسعة لأعمال "العدو المحتمل" التي قد تقتضي ردعا نوويا، وسط إجماع خبراء استطلعت "كوميرسانت" آراءهم على أن بعض بنودها الضبابية قد تثير تساؤلات كثيرة لدى الدول الغربية.
ومن بين تلك الأعمال التي قد تتطلب ردعا نوويا، نشر مجموعات تضم وسائل نقل السلاح النووي بالقرب من الحدود البرية والبحرية لروسيا وحلفائها، ونشر الدول التي تعتبرها روسيا "أعداء محتملين" وسائل للدفاع الجوي وصواريخ مجنحة وبالستية متوسطة وقصيرة المدى وأسلحة غير نووية عالية الدقة وفائقة الصوت، ونشر الدرع الصاروخية والنظم الضاربة في الفضاء، ونشر أسلحة نووية ووسائل نقلها في الدول غير النووية، وغيرها من الحالات.
ومع ذلك، أوضحت الوثيقة أن روسيا تحتاج إلى الردع النووي حتى يدرك الخصوم الذين يقومون بمثل هذه الأعمال "حتمية الانتقام" في حال أقدموا على العدوان المباشر ضد روسيا، مبقية على حالتين فقط لاستخدام السلاح النووي، وهما "الرد على استخدام سلاح نووي وغيره من أنواع أسلحة الدمار الشامل ضدها و/أو ضد حلفائها " و"العدوان ضد روسيا باستخدام السلاح العادي في حال شكل تهديدا لوجود الدولة".
كما حددت الوثيقة بضعة عوامل إضافية من شأنها تحديد مدى إمكانية استخدام السلاح النووي، ومن بينها "ورود معلومات موثوق بها حول انطلاق صواريخ بالستية لمهاجمة أراضي روسيا و/أو حلفائها"، و"تأثير العدو على المواقع الحكومية والعسكرية الروسية التي سيؤدي تعطلها إلى منع أعمال الرد للقوات النووية".
من جهته، اعتبر المستشار بمركز "بير" المتخصص في دراسة قضايا الأمن الدولي بموسكو، أندريه باكليتسكي، أن وثيقة الردع النووي تثبّت كتابيا مقولة بوتين السابقة إن توفر معلومات حول توجيه صواريخ باتجاه روسيا قد يكون كافيا لشن ضربة رداً على ذلك، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن اعتماد صيغ واسعة قد يثير تساؤلات لدى الغرب.
ونقلت "كوميرسانت" عن باكليتسكي قوله: "من جانب، يتم تسديد المنطقة الرمادية التي كان يمكن للعدو أن يحاول من خلالها تدمير قوات الردع النووي الروسية بواسطة أسلحة عادية دون الوقوع اسميا تحت طائلة معايير الرد النووي. ومع ذلك، كان هناك حتى قبل ذلك تفاهم غير معلن على أن أي هجوم على القوات النووية قد يؤدي إلى ضربة نووية". وأشار إلى أن اعتماد الصيغ الواسعة إلى أبعد الحدود مثل "التأثير على المواقع الحيوية"، سيثير تساؤلات كثيرة لدى الخبراء والعدو المحتمل على حد سواء.
وبدوره، قال كبير الباحثين بمعهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح بافيل بودفيغ: "يبدو أنه لأول مرة تنص وثيقة من هذا المستوى على أن روسيا قد تبدأ بشن ضربة جوابية بناء على معلومات واردة من منظومة الإنذار المبكر".
وحول دلالات اعتماد الصيغ الواسعة، أضاف بودفيغ: "بالفعل، تبدو الصياغة ضبابية إلى حد كبير رغم أن قائمة مثل هذه المواقع ليست واسعة جدا وتشمل فقط تلك التي سيؤدي تعطلها إلى منع إمكانية الضربة الجوابية. ويمكن تفسير هذا الحكم بطرق مختلفة وقد يكون في حد ذاته عنصرا لسياسة الردع والتحذير من أي هجوم على منظومة التحكم في القوات النووية، مثلا".
ومن نقاط الوثيقة التي قد تثير أيضاً تساؤلات لدى الغرب، الإشارة إلى أنه في حال نشوب نزاع عسكري، قد ترمي سياسة الردع النووي الروسية إلى "منع تصاعد الأعمال العسكرية ووقفها بشروط مقبولة لروسيا الاتحادية و/أو شركائها"، ما يعني أن تفسيرها بشكل واسع قد يعني تأكيدا رسميا على احتمال استخدام السلاح النووي على نطاق محدود لإحداث تغيير في موازين القوى في النزاعات الجارية بواسطة الأسلحة العادية، وفق "كوميرسانت".
ولاحقاً، أكد الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، اليوم الأربعاء، أن روسيا لن يكون لها أبداً السبق باستخدام السلاح النووي، قائلاً في تعليق على إقرار وثيقة سياسة الردع النووي: "هناك صياغة واضحة تصف الأسباب التي قد تؤدي إلى استخدام السلاح النووي. تحدد تلك الوثيقة كل شيء بوضوح، وقد تم نشر عناصر هذه الإستراتيجية مراراً".
وأضاف بيسكوف، في تصريحات أوردتها وكالة "نوفوستي" الرسمية: "في الوقت الحالي، تم مجرد نشر الوثيقة كاملة، وهي تحدد بوضوح ما يمكن أن يضطر روسيا الاتحادية إلى استخدام السلاح النووي، مع التشديد على أن روسيا لا يمكن ولن يكون لها السبق باستخدام السلاح النووي".