في غضون دقائق وبأقل من 50 دولاراً، يمكنك أن تصبح شرطياً أو ضابطاً في الجيش أو جنرالاً. ففي وسط العاصمة بغداد، وتحديداً بالقرب من ساحة التحرير، أكبر ساحات العراق وأشهرها، تُباع المستلزمات العسكرية من ألبسة ودروع وأحذية وحتى مخازن سلاح ورصاص. وتتوفر في منطقة "الباب الشرقي" كافة المستلزمات للمرء ليصبح عسكرياً، فلا حاجة للانتماء والتطوع في صفوف الجيش، إذ تُباع رتبة "اللواء الركن" بدولارين فقط.
ولا يقتصر شراء الألبسة العسكرية على العسكريين، إذ بإمكان أي شخص الحصول على ما يريد. وصاحب المحل التجاري لا يسأل الشاري إن كان عسكرياً أم لا، ولا يسأله عن الغاية من شراء تلك الملابس. هذا الأمر يخيف المواطنين من استغلال العصابات أزياء العسكر في عمليات السطو والإرهاب، لا سيما وأن حوادث كثيرة وقعت في بغداد ومناطق أخرى أدت إلى مقتل مواطنين وسرقة منازل، فضلاً عن "التسليب" في الطرقات العامة بواسطة مسلحين عسكريين.
ويقول أحد تجار الملابس العسكرية في سوق الباب الشرقي، إن "المحال المتواجدة الآن تبيع لأي شخص، فلا أحد منا يسأل المشتري إن كان أحد أفراد القوات الأمنية العراقية أم لا (...) نحن نبيع لمن يريد أن يشتري، فلا علاقة لنا بما سيفعله بالملابس". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "الأحذية والملابس التي نبيعها مصنوعة في مصانع محلية موجودة في منطقة الفضل والشيخ عمر وشارع الرشيد في بغداد، وبأسعار أرخص من المستوردة".
وعن الأسعار، يكمل التاجر: "نبيع الحذاء (البسطال) بـ15 دولاراً، والبدلة العسكرية الخاصة بالشرطة المحلية بـ20 دولاراً، أما الخاصة بالجيش فهي الأغلى، ويتراوح سعرها بين 30 و40 دولاراً"، مشيراً إلى أن "مخازن المسدسات المتوفرة لدينا هي من معامل صينية مستوردة، على عكس باقي قطع الغيار المتوفرة لدينا (...) نبيع الدروع الواقية من الرصاص، ولكل حاجة سعرها".
ويلفت إلى أنه لم يُطلب منه إجازة عمل أو ترخيص من المؤسسات الأمنية، وافتتح المحل الخاص به وتاجر بالملابس العسكرية، بعد أن كان المكان نفسه محلاً لبيع الأحذية النسائية والحقائب".
ويؤكد ضابط في الاستخبارات العراقية، أن "غالبية المحال التجارية التي تُتاجر بالمعدات العسكرية والملابس الخاصة بالعناصر الأمنية لا تملك تراخيص من وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد"، مشيراً إلى أن "منطقة الباب الشرقي تضم مافيات وعصابات خارجة على القانون، وتقوم مفارز من الأجهزة الأمنية بين فترة وأخرى بحملات تفتيش ومداهمات، وأغلقت بعض المحال، خلال الفترات الماضية، لا سيما غير المجازة".
ويقول الضابط لـ"العربي الجديد"، إن "بعض المحال التي تتاجر بالملابس العسكرية نفسها تتاجر بالسلاح، ولكن بطريقة سرية".
ويتهم عضو اللجنة الأمنية في المجلس المحلي لمدينة بغداد، محمد الربيعي، وزارة الداخلية العراقية ورئيس الحكومة حيدر العبادي بـ"التقصير والإهمال" لهذه القضية التي تتعلق بالأمن الداخلي للمدينة.
ويتابع، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "القانون العراقي يمنع بيع وتداول الملابس العسكرية بدون ترخيص من الجهات الأمنية الرسمية، والمتمثلة في وزارة الداخلية والقائد العام للقوات المسلحة، وهو حيدر العبادي"، لافتاً إلى "وجود ضعف إداري وتنظيمي لدى الجهات الرسمية، في التعامل مع قضية حساسة مرتبطة بأمن العاصمة".
ويضيف أن "الجهات الأمنية تُهمل الموضوع، وخاطبنا هذه الجهات بصفتنا مجلسا رقابيا على العمل الحكومي، ولكن من دون الوصول إلى نتيجة نهائية تقضي على المتاجرة بالسلاح والعتاد والألبسة العسكرية".
ويشير إلى أن "الدولة مُطالبة بعدم السماح للمحال التجارية بالاستمرار في عملها، وأن تجعل المصانع التي تصنع الملابس العسكرية تحت رقابتها، وجعلها الجهة الوحيدة المخولة برفد المحال المجازة من الدولة فقط، ليصبحوا وكلاء معروفين، وليخدم هذا النشاط خزينة الدولة في الاتجاه الصحيح".
وتنتشر ظاهرة بيع الأسلحة والمستخدمات الحربية والقتالية في أكثر من منطقة ببغداد. ويُعد سوق "مريدي" الأكبر والأكثر شهرة، وتتوفر فيه جميع الأسلحة، حتى المحظورة. في حين تنشر القوات الأمنية العراقية عناصرها بين فترة وأخرى وتحاصر الأسواق، وتفتشها وتقبض على مطلوبين من المتاجرين بالسلاح، ولكن سرعان ما يعود إليها النشاط السابق.