سوريون يتهربون من تسجيل مواليدهم في تركيا

24 مارس 2020
يعيش 3.5 ملايين سوري في تركيا (جم كنجو/ الأناضول)
+ الخط -


يتهرب كثير من السوريين في تركيا من تسجيل مواليدهم، بالرغم من أنّ ذلك يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية على صعيد حرمان الطفل من الأوراق الثبوتية والمزايا الخاصة باللاجئين المقدمة عبر بطاقات الحماية المؤقتة

يلفت رئيس منبر الجمعيات السورية في إسطنبول، مهدي داود، إلى أنّ هناك أسباباً كثيرة لتهرب سوريين من تسجيل مواليدهم في دوائر النفوس التركية، يأتي في مقدمتها الإهمال وسوء التقدير، وهو ما يوقع هؤلاء بمشاكل قانونية، أقلها الخضوع إلى محاكمة وإثبات نسب المولود بعد تحليل الحمض النووي، وفقدان المزايا التي تقدمها تركيا للأطفال السوريين، والتي تبدأ من اللقاحات الضرورية وتصل إلى الطبابة والتعليم المجانيين.

يضيف لـ"العربي الجديد": "هناك أسباب أخرى تتجلى بمخالفة الوالدين في الأصل للقوانين التركية، كأن يكون عمر الأم أقل من 18 سنة، وهو سن مخالف للزواج في تركيا وتعاقب عليه القوانين، فيتهربان من تسجيل المولود، على الأقل إلى حين تجاوز الأم الثامنة عشرة". ويوضح داود أنّ عدم تسجيل المواليد، يعود أيضاً لعدم تثبيت الزواج بعقد مسجل في تركيا، أو ربما لأنّ بطاقة الحماية المؤقتة للأب "كيملك" تعود إلى ولاية مختلفة عن الولاية التي تمت فيها الولادة.


وفي حين يقدر داود أعداد المواليد السوريين اليومي بإسطنبول، بما بين 90 و110 ولادات، يؤكد أنّ الإهمال أو التقاعس بتسجيلهم، يوقع الأهل بمشاكل وغرامات مالية، خصوصاً إن لم يتمكنوا من الحصول على شهادة ميلاد من المستشفى، لأنّ القوانين في تركيا لا تعترف إلا بالمواليد داخل المستشفيات، وبالتالي لا يمكن تسجيل المولود في دوائر النفوس والحصول على "كيملك" أو أيّ مستند آخر من دائرة الهجرة.

وكان منبر الجمعيات السورية بإسطنبول، قد أصدر أخيراً بياناً تحذيرياً للسوريين في تركيا حول إهمال التسجيل السريع للمواليد. وأشار إلى أنّ هناك حالات ولادة كثيرة لسوريين خارج المستشفيات، من دون إبلاغ دائرة الهجرة أحياناً إلا بعد فترة طويلة. وحذر أنّ هذا الأمر يتسبب بإرباك كبير باستخراج شهادة ولادة للطفل، وبالتالي سيضطر الأهالي للذهاب إلى المحاكم من أجل إثبات أنّ المولود لهم من خلال تحليل الحمض النووي".

زارت "العربي الجديد" مبنى دائرة النفوس في شارع وطن، بمنطقة الفاتح، في إسطنبول للوقوف على طريقة تسجيل المواليد السوريين، والتقت الموظف المختص إيمري الذي أكد على ضرورة تسجيل المواليد بهدف تثبيت النسب وضمان الحقوق التي تمنحها بلاده للاجئين السوريين. يشير الموظف التركي إلى أنّ التسجيل أمر بالغ السهولة بمجرد وجود شهادة الميلاد من المستشفى حصراً، وهي شهادة لا تُمنح إلا مرة واحدة، كما أنّ الولادة خارج المستشفيات مسألة مخالفة للقوانين التركية وتعرض الوالدين للمساءلة القانونية. يضيف إيمري: "يجلب الوالدان شهادة الميلاد وتقرير ولادة من مراكز لتسجيل المواليد الأجانب وهي تابعة لدائرة الهجرة، ثم يتمّ تسجيل المولود لدى مختار الحي الذي يقيم فيه الوالدان. بعد ذلك يذهب الوالدان إلى مركز التسجيل لأخد بصمات وصور ليصار بعد ذلك إلى استصدار بطاقة الحماية المؤقتة، كيملك، للمولود ليجري ضمّه إلى قانون الحماية ويستفيد من مجانية الطبابة والتعليم والمزايا الأخرى". يتابع: "بعد استخراج كيملك من دائرة الأجانب يأتي الوالدان إلى دوائر النفوس، فيجري تسجيل المولود بشكل يسير ويُضم إلى أوراق عائلته". وتكشف مصادر رسمية تركية أنّ ولاية أورفا، جنوبي تركيا، هي أكثر الولايات التي تشهد ولادات للسوريين، وتأتي إسطنبول بعدها بمعدل 100 مولود سوري يومياً.

ويؤكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أنّ أعداد أطفال اللاجئين السوريين ممن ولدوا على الأراضي التركية منذ بدء نزوحهم عام 2011 إثر اندلاع الحرب الداخلية في سورية، بلغ حتى الربع الثالث من العام الماضي 2019، نحو 450 ألف طفل سوري، من أصل 3.5 ملايين سوري تستضيفهم بلاده.
يقول الطبيب نذير زرزور، وهو صاحب مستشفى خاص بإسطنبول: "نمنح الأهل شهادة ولادة إذا جرت الولادة في المستشفى، ولا تسمح القوانين بمنح أيّ شهادة لمولود لم يولد داخل المستشفى. أما من تلد خارج المستشفيات الرسمية أو في المنازل، وهو مخالف للقانون أصلاً، فعليها أن تأخذ سيدتين كشاهدتين، ويذهبن إلى النفوس لتسجيل المولود، ولا تتحمل أيّ أعباء ومخالفات إن سجلت المولود ضمن الستة أشهر الأولى من عمره، وأما بعد ذلك، فستدخل بدوامة المخالفات التي تبدأ من غرامة مالية وربما تنتهي بعدم التسجيل إلا بعد جلسات محاكمة وفحص وتحليل الحمض النووي للمولود لإثبات نسبه". وحول الخسائر الصحية التي يتكبدها المولود غير المسجل، يضيف زرزور لـ"العربي الجديد": "حينما تتم الولادة في المستشفى، بالإضافة لإعطاء الوالدين شهادة الميلاد، يتم فوراً إبلاغ وزارة الصحة لتسجل المولود في النظام، وبعد أسبوع، تبدأ الوزارة عبر أقرب مركز صحي لسكن المولود، بمتابعته صحياً خصوصاً لجهة إعطائه اللقاحات. لكن، في حال عدم التسجيل، سيخسر الطفل اللقاحات التي تعطى له بعمر محدد، ما يضطرنا للبدء معه من الصفر، بعد التسجيل. وقد يؤدي إهمال التسجيل إلى مضاعفات على المواليد قد تصل إلى حدّ الوفاة".



وكانت دراسة تركية، صادرة عن جامعة "حاجة تيبيه" في العاصمة أنقرة، قد أكدت أنّ واحداً من كلّ 37 طفلاً سورياً، يتوفى قبل بلوغه سن الخامسة، كاشفة عن أرقام صادمة حول حالات الإجهاض والوفيّات لدى السوريّات. ووفقاً للدراسة، فإنّ 81 في المائة من وفيات الأطفال السوريين قبل بلوغ الخامسة، تحدث في السنة الأولى من عمر الطفل، و44 في المائة من إجمالي نسبة الـ81 في المائة، تقع في الشهر الأول بعد ولادة الطفل.