سوريون من دون أطفال

17 أكتوبر 2017
يدخلان إلى الجامع الأموي بدمشق (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
خلافاً للسائد، يميل بعض الأزواج السوريّين اليوم إلى تأجيل إنجاب طفلهم الأوّل، بسبب الظروف التي يعيشونها حالياً، والمرتبطة بالحرب، منها الفقر وعدم الاستقرار والخوف. يونس (29 عاماً) يعيش في دمشق، ويتحدّر من عائلة مؤلّفة من والدين و8 أولاد، يقول إنّه طلب من زوجته تأجيل إنجاب طفلهما الأول. ويوضح: "رغم أنّني تخرّجت من الجامعة ولدي وظيفة، إلّا أنّ وضعي المادي سيئ جداً. إحساسي بالمسؤولية تجاه طفلي المستقبلي دفعني إلى اتخاذ هذا القرار. لو كان لدي طفل اليوم، لتسوّلت لأشتري له الحليب أو أدفع أجرة الطبيب".

يضيف: "لم تعارض زوجتي الموضوع أبداً رغم مرور أكثر من سنتين على زواجنا. لحسن حظي أنّها تصغرني بأربعة أعوام، وأنّني لا أخطّط لإنجاب أكثر من طفلين في المستقبل، لذلك لم يفت الأوان بعد. صحيح أنني أحب أنّه لدي عائلة كبيرة، إلا أننا عشنا طفولة فقيرة، ولم يحصل أي منا على القدر الكافي من الرعاية، لأن والديّ كانا مشغولين طوال حياتهما بتأمين طعامنا وشرابنا". يضيف: "عدا عن الحرب، أعتقد أن الأمر يرتبط باختلاف الثقافة بين جيلين. فوالدي، ورغم أن لديه خمسة أحفاد، لا يملّ من السؤال عن حفيد جديد".

مضى عامان على زواج يعرب وهبة، من دون أن يفكّرا في إنجاب طفل. تقول هبة (26 عاماً) إنّها تحلم بأن تكون أماً منذ سنوات، لكنها في الوقت نفسه، لا تريد لطفلها أن ينشأ في هذه الظروف التي نحيا فيها اليوم. "لم نرغب في تأجيل ارتباطنا، لكن الإنجاب نعم".

وكان يعرب وهبة قد عقدا قرانهما في حي بستان القصر في حلب، بعد مقتل والد هبة بغارة جوية، وفقدانها آخر فرد من أفراد أسرتها. تقول: "لم تكن خطبتنا وزواجنا كما تمنيت. تزوجنا من دون فرح وفي ظل الخطر. منذ بداية زواجنا، صارحته بأنني لست مستعدة لأن أنجب طفلاً ووافق على الأمر". عاش الزوجان ظروفاً صعبة في ظل الحصار والقصف على مدى سنتين، قبل أن ينزحا إلى ريف إدلب. تقول هبة: "لم نشعر بالاستقرار يوماً. هربنا من قصف النظام في حلب إلى قصفه من سماء إدلب. مؤخراً، سقطت قذيفة على بعد عشرة أمتار من بيتنا. رغم أنّ وضعنا الاقتصادي سيئ أيضاً، إلا أن السبب الوحيد لهذا القرار هو الخوف من أن أخسر طفلي، أو يعيش يتيماً، فأنا يتيمة بسبب طائرات النظام. زوجي هو السبب الوحيد لحياتي اليوم، وهذا يكفيني". تضيف: "لا أعتقد أن قراري سيتغير قبل أن تتوقف الحرب والقصف، أو أن نسافر إلى مكان آخر".



رحاب (28 عاماً)، والتي نزحت مع زوجها من مخيم اليرموك إلى بلدة يلدا، تتحدّث عن الضغوط التي يتعرض لها الزوجان اللذان يقرران تأجيل الإنجاب من قبل الأهل والأقارب والمحيطين. تقول: "قلّة فقط يتفهّمون الأمر، ودائماً ما يطالبنا المحيطون بنا بخطوة جديدة. بعد الخطبة، يسألون عن الزواج. وبعد الزواج، يسألون عن الطفل الأوّل، ثم عن الطفل الثاني، كأنّنا لا نملك حق تقرير الأمر". تضيف: "مضى نحو ثلاث سنوات على زواجنا. معظم المحيطين بنا يظنّون أنّنا نعاني من مشكلة صحية. كأنّهم لا يرون الغرفة التي نعيش فيها، وأنني لا أملك عملاً، وأننا نازحون هنا ولا نعلم أين سنكون غداً".

اختارت العائلة الانجاب كما هو سائد (دليل سليمان/ فرانس برس) 


أما سهيل، وهو زوج رحاب، فيقول: "الجميع في السوق حيث أعمل ينادونني أبو جمعة وهو اسم والدي"، أو يسألون: "متى سنفرح بقدوم جمعة؟ أجيبهم ساخراً غداً، فيقولون الله كريم. في أحد الأيام، دلّني شقيقي على اسم طبيب لمراجعته، وقد ظنّ أنّه لدينا مشاكل صحية. أما شقيقتي، فسألتني إن عرفت السبب". أجيبهم أننا قررنا تأجيل الأمر، فيظنون أننا نستّر عن أمر ما.

وتقاطعه رحاب قائلة: "ذات يوم، قررت أن أشرح لحماتي ووالدتي أن ظروفنا صعبة، وأن الوقت ما زال أمامنا لإنجاب الأطفال. أعتقد أن حماتي اعتقدت بأنني غريبة الأطوار، ونصحتني أن أقرأ القرآن ليهدأ سرّي، وجلبت لي بعد أيام خلطة عشبية لتهدئة الأعصاب، وعرفت لاحقاً أنها توصف من أجل الإنجاب". تضيف: "ليس من السهل أن تتخّذ قراراً يخالف ما اعتاد عليه الناس. في أحيان كثيرة، أفكّر في الإنجاب لأسكت الناس فقط، لكن حين أتذّكر مسؤوليتنا تجاه الطفل، أتراجع".

من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع حيان خيرت أنه "غالباً ما يتّخذ قرار عدم الإنجاب الأشخاص العقلانيون جداً، والذين يشعرون بالمسؤولية أكثر من غيرهم. بالنسبة إلى هؤلاء، الزواج والإنجاب وغيرهما من القرارات الهامة تكون أكثر صعوبة وتأخذ وقتاً. ولا يمكننا إغفال الجانب الآخر والسائد من وجهة نظري، وهو ميل العائلات للانجاب أكثر في ظل الخطر، وهي حالة طبيعية ترتبط بغريزة الإنسان أكثر من ارتباطها بالثقافة أو الدين، بهدف البقاء". يضيف: "رغم عدم وجود إحصائيات واضحة عن نسبة المواليد خلال السنوات الأخيرة في سورية، يمكن للمراقب أن يلاحظ ارتفاع نسب المواليد فوق المعدل الطبيعي في البيئات الأكثر تضرراً من الحرب، كالمخيّمات مثلاً".

المساهمون