سورية والجغرافية الممزقة

12 يناير 2016
هناك 2.4 مليون طفل خارج المدارس (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش سورية واقعاً سياسياً معقداً جراء تمزق الخريطة الجغرافية للبلاد بين القوى السياسية المتصارعة، ناهيك عن اللاجئين الذين غادروا البلاد، ولا يبدو في الأفق القريب موعد لعودتهم الى ديارهم. هذا الوضع يدفع نحو تردي الواقع التعليمي، وهو واقع مترد أصلا، إلى مستوى غير مسبوق. وتشير التقارير الأممية إلى تراجع سورية على الصعيد التعليمي من المرتبة 21 الى المرتبة 135 من أصل 136 دولة، أي الى المرتبة ما قبل الأخيرة على صعيد دول العالم كافة.

وتبدو الخريطة التعليمية الآن عبارة عن فسيفساء من الفوضى الكاملة. فالمناطق التي يسيطر عليها النظام في ما يسميه "سوريا المفيدة" عادت الدراسة فيها إلى الانتظام ضمن ظروف القتال المتنقل، بدليل أن العاصمة دمشق نفسها وسواها من مدن تتعرض من حين إلى آخر إلى وابل من القصف الصاروخي وانفجار السيارات المفخخة. وعليه لا يمكن وصف هذا الانتظام بأنه طبيعي.

وتعترف السلطات بتراجع عدد التلامذة بنحو 300 ألف طالب عن العام السابق. وبمعدل تراجع إجمالي في البلاد مقداره مليون طفل عن العام 2012، بينما التقارير الدولية تتحدث عن 2.4 مليون طفل خارج المدارس في دولة يصل سكانها الى 23 مليون نسمة. والفعلي أن الكارثة أكبر حتى من الرقم الذي تقدمه المنظمات الدولية .

في المناطق الباقية خارج سيطرة النظام هناك مناطق يسيطر عليها داعش أو النصرة أو المجموعات الكردية. وكل من هذه الأطراف تعمد إلى فرض المناهج التي ترتئي على الطلاب في المدارس التي تديرها، هذا إذا كان ضمن همومها فتح مدارس.

وتبعاً لذلك نصبح أمام ما لا يقل عن أربعة مناهج دراسية. وهي مناهج لا علاقة لها بتاتاً بالمناهج كما صارت عليه في الدول التي لا تختلف أوضاعها عن سورية. وبديهي أن يعمد كل طرف إلى تسويق المناهج التي تخدم أيديولوجيته وخطه السياسي والفكري وبما يقود الى تعميق الانقسام وتأبيده. هذا إذا افترضنا أن مدارس هذه الأطراف تعمل على نحو عادي ومنتظم، والمعلمون هم معلمون فعليون وليسوا أدوات ضخ فكري.

بالطبع لم يقتصر مثل هذا الوضع على الطلاب السوريين، بل شمل الطلاب الفلسطينيين اللاجئين الى سورية في المخيمات الفلسطينية والأحياء التي يقيمون فيها. وعليه يمكن الوصول الى خلاصة قاتمة حول أوضاع الأطفال في سورية وضياعهم بين سنابك "خيول" النظام وداعش والنصرة والجماعات الكردية. بمعنى أن أجيالاً من السوريين سينشأون على أمية كاملة تعوق الحد الأدنى من إمكانية اندماجهم في عجلة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية متى توقفت طاحونة الحروب المتسلسلة عن الدوران.
( أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)

اقرأ أيضاً: سراب المدارس العراقية
المساهمون