سورية.. صيام بلا صوت أذان

18 يونيو 2015
رمضان هنا دون صوت الأذان (Getty)
+ الخط -
"رمضان في المنفى لا طعم ولا رائحة ولا لون.. لا صوت أمي ولا ضحكات أولاد أخي وأختي ونحن مجتمعون على الإفطار.. رمضان هنا دون صوت الأذان.. ودون مدفع رمضان.. هنا رمضان لا يحمل بعده عيد.. ولا كليج (كعك) خالتي الديرية.. رمضان هنا لا أطفال تحمل صحون تطرق بيتي.. هنا توجد فقط صور وذكريات عن ذاك العزيز".

هذه الكلمات المليئة بالأسى واللوعة، هي لـ "سعاد نوفل" التي تعيش في المنفى تلخص الحالة التي باتت تلتصق برمضان السوريين هذه الأيام. رمضان الذي كان قبل الثورة حدثاً استثنائياً احتفالياً، له طقوسه وأجواؤه الخاصة به، والتي تختلف من مدينة لأخرى، وربما من حارة لأخرى، لكنها بالتأكيد كانت تتطابق بالروحية التي تميز أجواء هذا الشهر وتطبع أيامه بها.

قبل الثورة وبعدها

كان لهذا الشهر وقعه الخاص على المجتمع السوري والعائلة، وبشكل أخص على الشباب الذين كانوا يجدون فيه فرصة للتعبد وممارسة الشعائر الدينية، التي لم يكونوا يمارسونها بانتظام (الصلاة والذكر وقراءة القرآن)، لكن بالطبع لم يكن شهر عبادات فقط، فبعد الإفطار كانت هناك العديد من الأنشطة والأمكنة التي يقصدونها ليروحوا عن أنفسهم وينسوا تعب اليوم الرمضاني الطويل.


تقول سعاد معلقة عن يومياتها الرمضانية قبل الثورة في مدينة الرقة: كان والدي المرحوم في اليوم الأول يحمل مع طبق الحلويات المفضل لديه "القطايف" نجلس سوية ونزينها بالجوز ونحشوها "بالقشطة"، كنا نتراكض قبل الإفطار لتجهيز المائدة، وصوت أبي ما زال صداه يرن في أذني، وهو ينادي علينا بالإسراع في تجهيز المائدة قبل أن يحين موعد الإفطار، بعد اندلاع الثورة ومشاركتي فيها وفي مظاهرتها السلمية تغيرت اهتماماتي وأولوياتي وتبدلت أيام رمضان ولياليه، فبات فرصة يومية للتظاهر والتعبير عن ذواتنا ومقارعة الظلم والطغيان الذي خرجنا ضده.

"أبو عمر" (اسم افتراضي)، لشاب من دمشق يستذكر طقوس رمضان في مدينته دمشق، ويروي ذكرياته الجميلة عن الأجواء الخاصة في رمضان في الشام باجتماع العائلة كلها في وقت الإفطار وأصوات الآذان في حارات دمشق القديمة ورائحة العرقسوس التي تعبق الأجواء، والسهرات الرمضانية.

يستدرك أبو عمر "لكن بعد اندلاع الثورة ومشاركتي فيها تم اعتقالي في عام 2011 للمرة الأولى لدى فرع الأمن العسكري قبل بدء شهر رمضان بنحو عشرين يوماً، فتحوّلت هذه الأيام الفضيلة إلى حفلات للتعذيب المتواصلة، فلا تبديل طرأ على وجبات الطعام الشحيحة أصلاً ، بل زاد السجانون جرعات التعذيب وتقصدوا أن يكون موعدها في وقت الإفطار، حيث تسمع السباب بأقذع العبارات، كان المؤنس الوحيد لي في ليالي رمضان، هي الصراصير الصغيرة التي ملأت الزنزانة الانفرادية التي كنت أقبع فيها، وجاء العيد وذهب وكأنّ شيئاً لم يكن". وأضاف: في عام 2012 تكرر السيناريو مرة أخرى واعتقلت مجدداً وكانت المعاناة أشد، أما اليوم أعيش خارج سورية وأتذكر رمضان بمزيج من الحلاوة والمرارة".

"كندة" من حمص كان لها رأي آخر عن نوازع الحنين إلى رمضان "الحمصي" وتقول: "كانت حمص تكتحل بالنفحات الرمضانية وبأخلاق كل من فيه، لكن الحال والأيام تغيرت بحسب كندة إذ أصبح رمضان، اليوم، عبئاً ثقيلاً على البشر، والكثيرون لا يعلمون بقدومه وكأنه شبح قادم إليهم".

البعد الديني المفقود

علاقة الشباب بالأخص برمضان كانت علاقة احتفالية تبجيلية، فهو شهر للالتزام بالشعائر الدينية التي كان بعضهم لا يواظب عليها، فهم يرتادون الجوامع بكثرة فيه، ويُقبلون على تلاوة الآيات وتدارسها فيها بغض النظر عن التزامهم باقي العام، ومع انطلاقة الثورة وارتباط الليالي الرمضانية بالنشاط الثوري "المظاهرات التي تتلو صلاة التراويح" كحدث يومي متكرر، ازدادت هذه العلاقة تجذراً وتفاعلاً، لكنها سرعان ما تحولت إلى حالة من القطيعة والهجران لهذا الشهر وطقوسه الدينية كما يوضح "أبو العمر" الذي يعيش في الرقة إذا يصنف رمضان بتوقيتين مختلفين قبل "داعش" وبعدها، ويوضح أبو العمر فكرته بالآتي: "رمضان ما قبل داعش يختلف جذرياً عمّا بعدها، أتحدث هنا عن فئة الشباب، فما أن يدخل رمضان إلا ويشهد الدافع الديني ارتفاعاً ملحوظاً لدى الشباب وتراهم يزدادون في المساجد، وفي الصفوف الأولى وترى الإقبال الكبير على القرآن، وحتى الذين لا يصومون تراهم يخجلون من الإشهار ويستترون في إفطارهم.

مع قدوم داعش تغيرت القاعدة وبدا النفور واضحاً حتى قبل دخول رمضان والشباب يبحث عن حجة يبرر بها إفطاره، والمساجد تفقد زوارها بسبب خطباء "داعش" وأئمتهم، والخشية صارت خوفاً من بطش "داعش" وأحكامه التعسفية.

لا ريبَ أن البعد القيمي لرمضان يبقى له حيز عند الشباب السوري في مختلف أطواره وأحواله، لكن التشتت الحاصل والتفرق في ديار الأرض التي قصدها الشباب وأزهق الكثيرين أرواحهم لأجلها، حجّم تلك العلاقة الاحتفالية التي كانت تطبع الشباب بهذا الشهر.

(سورية)
المساهمون