أبدى اقتصاديون ومهنيون في سورية، مخاوف كبيرة بشأن الانهيار الذي تتعرض له صناعة الغزل والنسيج العريقة ببلادهم، بعد نقل كبريات المنشآت السورية إلى الخارج خلال الحرب وتراجع موسم القطن من نحو مليون طن إلى أقل من 150 ألف طن، وخروج 14 منشأة صناعية عن الإنتاج، منذ بداية الحرب قبل خمس سنوات.
وفي حين تتوالى التصريحات الرسمية بنظام بشار الأسد، عن عودة العديد من منشآت القطاع العام الصناعي إلى الإنتاج، أظهرت أرقام وزارة الصناعة في تقريرها الربعي الأخير تراجعاً خطيراً في مؤشرات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية منذ بداية الثورة وحتى الربع الأول من العام الحالي 2016.
وبيّن التقرير الذي اطلع عليه "العربي الجديد" خروج 14 منشأة حكومية عاملة بقطاع النسيج، وتراجع الإنتاج الفعلي وحركة المبيعات، من نحو 23 مليار ليرة وسورية خلال الربع الأول من عام 2011 إلى 4 مليارات ليرة خلال الأشهر الأولى من العام الجاري.
ويرى الفني النسيجي بمعمل غزل إدلب، إبراهيم محمد، أن الخسائر التي أتت عليها وزارة الصناعة لا تشمل القطاع الخاص، والذي كان الأكثر إنتاجاً وبيعاً وتصديراً بسورية قبل الحرب، مشيراً إلى أن صناعة النسيج الخاصة كانت تتركز بمدينة حلب، لكن المنشآت التي نجت من القصف والتخريب، سرقت أو نقلت لدول الجوار.
ويضيف محمد المتخصص بقطاع النسيج لـ"العربي الجديد" أن قتل هذه الصناعة جاء بالتتالي، إذ بدأ منذ فرض نظام الأسد تقليل المساحات المزروعة بالقطن بحجة شح المياه، لينخفض الإنتاج من مليون طن إلى أقل من 150 ألف طن العام الفائت، مروراً بعدم تجديد خطوط الإنتاج بالقطاع الحكومي واعتبار المنشآت النسيجية الحكومية مناجم ذهب يولي عليها أقرباءه ومؤيديه وإن من خارج الاختصاص، "فمدير منشأة اللاذقية الأكبر بسورية سامر الأسد ابن عم بشار الأسد".
ويقول محمد إن النظام السوري لم يول صناعة النسيج التاريخية بسورية، اهتماماً، فرغم أن القيمة المضافة العالية تأتي من الألبسة، فقد كان يصدر القطن والغزول خاماً، قبل أن يحسر المساحة ويخسّر المزارعين عبر زيادة تكاليف الإنتاج وتواضع سعر الاستلام، لتأتي الحرب فتهدم المنشآت وتخرجها عن الخدمة ليقترب نعي هذه الصناعة التي هجرها أربابها، بعد أن تم نقل وتوطين بعض المنشآت في الأردن ومصر وتركيا.
وحازت سورية مطلع الألفية الثالثة على المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج القطن من حيث وحدة المساحة، حيث وصلت إنتاجية الهكتار الواحد إلى 3953 كيلوغراماً من القطن المحبوب و1383 كيلوغراماً من قطن الشعر، في حين كان المردود العالمي 787 كيلوغراماً من قطن الشعر للهكتار، ودخلت منذ عام 2008 في إنتاج القطن العضوي لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً، بعد الصين وتركيا.
لكن استهداف هذا القطاع، زراعياً وصناعياً، كما يقول مختصون، أوصل إنتاج القطن قبيل الثورة لعدم كفاية المنشآت النسيجية، ما اضطر سورية إلى استيراد 200 طن من القطن عام 2010 من مصر وباكستان والهند، لتمول احتياجات القطاع الخاص.
ويقول رئيس مكتب نقابة الغزل بسورية، صالح منصور، إن معظم شركات القطاع العام توقفت عن العمل، لا سيما في محافظة حلب، حيث إن عدد شركات القطاع العام في المحافظة بلغت سبع شركات جميعها لا تعمل كما أن شركتي الغزل والنسيج في محافظة إدلب أيضاً متوقفتان عن الإنتاج.
وحذر منصور خلال تصريحات صحافية سابقة من "موت الصناعة" بعد توقف شركة الفرات للصناعة النسيجية في دير الزور وشركة جبلة لإنتاج النسيج التي تنتج ما يقارب 30 ألف طن، لعدم وجود المادة الأولية، لأن إنتاج القطن في سورية انخفض بشكل غير مقبول، ومعظم شركات القطاع الخاص توقفت عن العمل، مؤكداً أن الحل الوحيد للخروج من هذه المشكلة هو استيراد كميات كبيرة من القطن لتعاود هذه المعامل والشركات الإنتاج من جديد.
بدوره، يقول المدير العام للمؤسسة النسيجية السابق، سمير رمان، بدأ قتل أم الصناعات السورية من تراجع إنتاج القطن ومن ثم الغزول من 200 ألف طن إلى أقل من 15 ألف طن، لأن حقول زراعة القطن تتواجد في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب بشكل رئيس، وهي مناطق خارجة عن سيطرة الأسد، معتبراً أنه من الطبيعي أن تتلاشى كميات القطن وبالتالي الغزول في سورية، لأن محالج القطن متركزة في المناطق المنتجة للقطن للخام "الحسكة ودير الزور وحلب" أما في حماة وإدلب فلا تزيد طاقة المحالج عن 60 ألف طن خام.
وحول أرقام تقرير وزارة الصناعة يعقب رمان بالقول: عند مقارنة المبيعات، يجب أن تكون بالأسعار الثابتة، لأن تغير قيمة الليرة وتسعيرة المنتج تعرض لتغيرات كبيرة، كما أن انخفاض إنتاج الغزول إلى أقل من 15% لوجود مناطق الزراعة والمحالج في مناطق قتال مستمر في حلب والرقة والحسكة ودير الزور، أوصل إلى عدم توفر مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليف الإنتاج، مشيراً إلى قلة اليد العاملة والمتخصصة تحديداً، بعد سنوات الحرب وهجرة السوريين.
ويضيف رمان لـ"العربي الجديد" أن خطط تطوير المؤسسة وشركاتها يجب أن تكون من منظور الصناعة النسيجية العام وبالتعاون والتنسيق بين القطاعين العام والخاص وبإشراف وزارة الصناعة ومشاركة رابطة المصدرين، مشيراً إلى وجود دراسات تعود إلى اكثر من عشر سنوات تحدد السلسلة الإنتاجية من القطن إلى المنتج النهائي، متضمنة التكاليف وعدد ونوع المعامل اللازمة وعدد العمال الذين تستوعبهم ونوعية الإنتاج ومشاركة القطاع الخاص به والتسهيلات الاستثمارية والتشريعية اللازمة للتنفيذ، ولكن للأسف لم يتم الأخذ بها من حكومة الأسد.
واعتبر المدير العام لمؤسسة النسيج الحكومية السابق أن صناعة الغزل والنسيج والملابس بسورية، تمر بأزمة كبرى لا يمكن الخروج منها في واقع الحرب والظروف الراهنة، بعد أن قتلتها الحرب وقذائف وبراميل النظام وتهدمت بناها وتهجر صنّاعها وخبراؤها.