سورية: شروط أميركية على العملية التركية

07 يناير 2019
تحدث بولتون عن ضرورة هزيمة "داعش"(نيكولاس كام/ فرانس برس)
+ الخط -


خلطت الولايات المتحدة من جديد الأوراق في الساحة السورية، بعد نحو 3 أسابيع من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره سحب قواته بشكل كامل "وفي أسرع وقت" من سورية، والذي فاجأ في حينه الجميع، حتى مسؤولي إدارته، وأثار تساؤلات كبيرة عن مستقبل منطقة شمال وشرق سورية حيث تنتشر هذه القوات.
وفي مؤشر على التخبّط الأميركي حيال هذا القرار، عاد ترامب ليقول أمس الأحد إنه سيسحب القوات الأميركية من سورية، مع تأكيده أنه لم يقل أبداً إن ذلك سيتم على وجه السرعة، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة سوف تنسحب من سورية، لكنها لن تنسحب من محاربة داعش والإرهاب". وجاء ذلك فيما كان مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، يباشر تحركه في المنطقة من إسرائيل، حيث التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طارحاً شرطين أساسيين للانسحاب من سورية، هما تعهّد تركيا بعدم مهاجمة الوحدات الكردية الحليفة لواشنطن في سورية، وضمان هزيمة فلول تنظيم "داعش".

ودلّ كلام بولتون، وبدء جولته في المنطقة من إسرائيل، على أن تحركه يستهدف تحقيق هدفين رئيسيين، الأول هو إطلاق يد إسرائيل في سورية لاستهداف الوجود الإيراني، والثاني هو محاصرة التحرك العسكري التركي المتوقع في شرقي الفرات، عبر وضع شروط على أي عملية لأنقرة هناك، بأن تكون منسقة مع واشنطن. هذا الأمر كان متوقعاً من قِبل السلطات التركية، إذ كانت مصادر تركية كشفت في وقت سابق لـ"العربي الجديد" عن تريث تركي في تقييم قرار ترامب الانسحاب من سورية، نظراً لوجود سوابق لواشنطن بالتراجع عن تعهداتها.
وعقد بولتون أمس لقاء مع نتنياهو، في بداية جولته في المنطقة بعد وصوله مساء السبت إلى إسرائيل لإجراء محادثات حول مستقبل سورية، قبل أن يتوجّه اليوم الإثنين إلى تركيا للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولين آخرين.

واستبق بولتون لقاءاته بإضافة شرط جديد للانسحاب الأميركي من سورية، قائلاً إنه يجب أن توافق تركيا على حماية الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة. وأعلن في تصريحات صحافية أمس، أنه سيحثّ في المحادثات مع المسؤولين الأتراك، على ضرورة ضمان سلامة الأكراد. وأضاف "لا نعتقد أن الأتراك سيقومون بعمل عسكري من دون تنسيق كامل وموافقة من الولايات المتحدة على الأقل، حتى لا يعرضوا قواتنا للخطر، وأيضاً حتى يلتزموا بمتطلبات الرئيس ترامب بعدم تعرض قوات المعارضة السورية التي قاتلت معنا للخطر". وأضاف بولتون، الذي سيسافر إلى تركيا اليوم الإثنين، إن الولايات المتحدة ستجري محادثات مع أنقرة لمعرفة أهدافها وقدراتها. إلا أنه تابع أن موقف ترامب يتمثل في أنه يجب ألا تقتل تركيا الأكراد، وأن الانسحاب الأميركي لن يحدث من دون الاتفاق على ذلك، بالإضافة إلى ضمان مواصلة مكافحة تنظيم "داعش". وأضاف أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد، سيواصل المفاوضات مع نظرائه الأتراك هذا الأسبوع، للبحث عن سبل حماية حلفاء واشنطن الأكراد في سورية.

وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي أن انسحاب القوات الأميركية من سورية مرهون بتحقّق هذه الشروط، وليس هناك جدول زمني للانسحاب، وأن هذا الجدول سوف يتشكّل وفقاً للقرارات السياسية. وكشف أن بلاده طلبت من حلفائها الأكراد "التوقف والامتناع بشكل سريع الآن عن طلب الحماية من روسيا أو نظام بشار الأسد"، مضيفاً أن المبعوث الأميركي الخاص لدى التحالف الدولي، جيمس جيفري، سيسافر إلى سورية هذا الأسبوع، لطمأنة الأكراد بأن واشنطن لن تتخلّى عنهم.

وأفاد بولتون بأن القوات الأميركية ستبقى في منطقة التنف في جنوب سورية، لمواجهة تزايد النشاط الإيراني هناك، مدافعاً عن الأساس القانوني لنشر قوات بلاده هناك، قائلاً إنه مبرر بموجب السلطة الدستورية للرئيس. مع العلم أن مسؤولاً في إدارة دونالد ترامب، قال أول من أمس إن زيارة بولتون تستهدف نقل رسالة مفادها بأن الولايات المتحدة سوف تكون "داعمة للغاية لضربات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سورية".


من جهته، استبق نتنياهو لقاءه مع بولتون، قائلاً إنه سيناقش معه "جهود وقف العدوان الإيراني في المنطقة، والوضع في سورية، عقب قرار الرئيس ترامب الانسحاب، واستمرار المحادثات التي بدأتها مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين الجمعة". وكانت المكالمة الهاتفية التي أجراها نتنياهو مع بوتين هي الأولى بينهما منذ إعلان ترامب المفاجئ أنه سيسحب جميع القوات الأميركية من سورية. وأورد بيان لمكتب نتنياهو أن الأخير وبوتين "ناقشا الوضع في سورية والتطورات الأخيرة، وتوافقا على مواصلة التنسيق بين العسكريين الروس والإسرائيليين" في سورية. وأكد نتنياهو للرئيس الروسي أن "إسرائيل عازمة على مواصلة جهودها لمنع إيران من ترسيخ وجودها العسكري في سورية"، بحسب البيان الإسرائيلي.

لكن الشروط الأميركية قوبلت برد سريع من أنقرة، إذ نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، الكلام عن استهداف تركيا للأكراد، واصفاً إياه بأنه "ادعاءات لا يتقبلها العقل". وشدّد قالين، في بيان، على أن بلاده تستهدف تنظيمات "داعش" و"حركة فتح الله غولن" وحزب "العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب". وأكد أنّ هدف تركيا من مكافحة الإرهاب هو حماية أمنها القومي، وتحقيق السلام الإقليمي، وضمان الاستقرار والأمن. وأضاف: "لا يمكن للإرهابيين أن يمثلوا الأكراد، والادعاء بأن تنظيماً إرهابياً يمثل الأكراد هو في المقام الأول إساءة للأكراد".

وأشار إلى أن هدف تركيا من محاربة "العمال الكردستاني" وامتداده في سورية، هو "تخليص الأكراد من ظلم واضطهاد هذه المنظمة الإرهابية". وشدّد على أن بلاده عازمة على مواصلة بذل مساعيها، من أجل إنهاء الحرب في سورية من دون التمييز بين السوريين من الناحية العرقية والدينية والمذهبية، وتحقيق الأمن وتطبيق مرحلة الانتقال السياسي". وأضاف أن تركيا ستكون على الأرض وفي طاولات المفاوضات من أجل حماية مصالحها القومية، انطلاقاً من المبدأ الذي أعلن عنه أردوغان بقوله "سنكون في الميدان وعلى الطاولة". وأكد أن تركيا تهدف في سياستها تجاه سورية إلى الحفاظ على "وحدة الأراضي السورية وتطهيرها من كافة المنظمات الإرهابية، وتهيئة الظروف الاجتماعية والسياسية من أجل عودة المدنيين إلى منازلهم بكل أمن وأمان".