سورية: سقوط سلمى يهدد معاقل المعارضة

14 يناير 2016
قوات النظام السوري في سلمى (فرانس برس)
+ الخط -

قد لا يكون مفاجئاً سيطرة قوات النظام السوري على بلدة سلمى الاستراتيجية، مركز جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، فعلى الرغم من أن المعركة لم تستمرّ سوى 48 ساعة من بدء الهجوم من أربعة محاور على البلدة، إلا أن الوصول إلى المناطق التي حاصر فيها النظام سلمى استغرق 93 يوماً.

واحتاجت سيطرة قوات النظام على سلمى، التي يُطلق عليها أبناء جبل الأكراد بلدة "المليون برميل" لشدّة ما تعرّضت لقصفٍ بالبراميل المتفجرة من قبل سلاح الجو المروحي التابع للنظام، إلى أكثر من الغارات الجوية الروسية المكثفة، التي بلغ عددها أكثر من 200 في يومين. وتولّى ضباط روس مهمة الإشراف على المعركة، بحكم الأهمية الاستراتيجية المعنوية للبلدة بحسب المعارضة السورية.

أكثر من ذلك، تمّت المساندة براً من قوات حزب الله ومليشيات عراقية، وشهدت وصول قائد مليشيا "أسد الله الغالب" العراقية المدعو عقيل الموسوي، لقيادة العمليات العسكرية ضد البلدة. بالإضافة إلى تجنيد النظام مليشيات خلال فترات ماضية، مثل "كتائب البعث"، و"صقور الصحراء"، و"الدفاع الوطني"، و"المقاومة السورية لتحرير لواء اسكندرون"، ومليشيا "درع الساحل".

ولأن النظام يدرك مكانة البلدة الاستراتيجية، كونها أبرز معاقل قوات المعارضة، وأولى المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام في الساحل، وموقعها الجغرافي، لبُعدها عن اللاذقية نحو 48 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر 850 متراً. بالتالي فإنها تكشف مساحة واسعة من جبل الأكراد، وتُعدّ مفتاح السيطرة عليه، كما تشرف على مساحات واسعة من ريف إدلب المحرر، كما أن النظام عمد إلى محاصرة البلدة عبر سلسلة من الخطوات.

وبدأت أولى هذه الخطوات في مطلع الحملة العسكرية للنظام، بعد التدخل العسكري الروسي، وسيطرته على جبل دورين وقرية دورين، جنوبي سلمى، ثم جبل النوبة الاستراتيجي، المطلّ على البلدة من الجهة الغربية، ويقابل أوتوستراد اللاذقية حلب، من الجهة الجنوبية الشرقية. يُعتبر جبل النوبة خط الدفاع الرئيسي عن سلمى، ويبعد عنها نحو سبعة كيلومترات. بعدها سيطر النظام على برج القصب، المطلّ على أوتوستراد اللاذقية ـ حلب، ليتمكن من إسقاط البلدة نارياً.

اقرأ أيضاً الحملة الروسية الأعنف: كسر ريف اللاذقية ومجزرة تلاميذ بحلب

بعد حصار سلمى من الجهتين الجنوبية والشرقية وإسقاطها نارياً، اتجه النظام للسيطرة على القرى المتاخمة لها من الجهة الجنوبية باتجاه الجهة الغربية. وسيطر على قرى كفر عجوز وكفردلبا، التي لا تبعد عن سلمى سوى كيلومترين، ثم المغيرية. ويكون بذلك قد أحكم الحصار من الجهات الثلاث الشرقية والغربية والجنوبية، وبدأ بالسيطرة على قرية ترتياح وبلدة حسيكو، وهي إحدى ضواحي سلمى الشرقية، ومن ثم الدخول شيئاً فشيئاً إلى قلب البلدة.

وحول أسباب سقوط بلدة سلمى، وعدم إرسال التعزيزات إلى الساحل السوري، يرى رئيس "هيئة أركان الجيش السوري الحر" العميد أحمد بري، أن "الموضوع بيد الدول التي تملك السلاح وتحجبه عن الثوار". ويتساءل في تصريحاتٍ لـ "العربي الجديد"، فيما "إذا قد وصل صاروخ مضاد جوي واحد للمعارضة، فما يصل من ذخيرة قليل جداً". ويشير بري إلى أن "النظام المتمتع بكل أشكال الدعم من مال وتغطية جوية وذخيرة بكل أنواعها، وبمعية الروس، لم يستطع التقدم، إلّا بعد اتباع سياسة الأرض المحروقة". وينفي القيادي العسكري، أن تكون جبهة الساحل منسية، مؤكداً أن "الضباط الروس هم من يقودون العمليات في منطقة الساحل، ويقودون العمل على الأرض، لكننا سنقاتل حتى آخر رمق".

وكان ناشطون، قد بثوا على مواقع التواصل شريط فيديو مصورا يظهر عدداً من الأشخاص يرتدون البزة العسكري، بعضهم يتحدث اللغة الروسية وبعض الآخر يتحدث اللغة العربية، فيما يبدو أن الجنرال الروسي يراقب سير المعارك عبر المنظار.

من جهته، يُشدّد الخبير العسكري أحمد رحال لـ "العربي الجديد"، على أن "طريقة سيطرة النظام على التلال الحاكمة للمنطقة، تأتي عبر اتباعه سياسة الأرض المحروقة والقضم البطيء ومن ثم التقدم مع التغطية الجوية الواضحة. ويتمّ كل ذلك بمخططات خبراء عسكريين تابعين لروسيا وإيران، فيما قيادات الثورة والفصائل العسكرية تنتظر الهجوم المقبل".

ويعتبر رحال أن "زخم المعارك في الوقت الحالي، نابع من السياسة الروسية لتغيير الموازين في مراحل المفاوضات العتيدة"، مشيراً إلى أن "النظام في عامي 2013 ـ 2014، أفشل المفاوضات وأنهاها، حين كان موقفه ضعيفاً، فكيف الآن وهو يشعر بالقوة على الأرض؟".

وبالتزامن مع معركة سلمى، أشاد رئيس النظام السوري بشار الأسد بالدور الإيراني والروسي في دعم نظامه فيما أسماه "محاربة الإرهاب". ونقلت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" عن الأسد، قوله خلال استقباله وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي، إن "للدول الصديقة، وفي مقدمتها إيران وروسيا، دوراً مهماً في رفد صمود السوريين على مدى خمس سنوات، وفي تحقيق الانتصارات في حربهم المصيرية ضد الإرهاب التكفيري".

ويتطلّع النظام السوري بعد السيطرة على سلمى إلى استكمال السيطرة على جبل الأكراد، من خلال ضمان مرتفعات المارونيات وقرية المارونيات وقرى بيت ميرو والحور ودويركة وناحية كنسبا. لكن الأهم من ذلك الآن، هو استئناف المعركة في جبل التركمان بعد السيطرة على تلال هامة. وستكون بلدة ربيعة الهدف المقبل الأبرز للنظام وروسيا، ما يعني أن الساحل السوري في خطر حقيقي.

في السياق نفسه، يتطّلع النظام بعد سيطرته على تلال جب الأحمر، وجبل عرافيت، وفتح الطريق باتجاه بلدة السرمانية في سهل الغاب، وبالتالي حماية المعقل العسكري الأبرز للنظام المتمثل بقرية بمعسكر جورين، ومنع فصائل المعارضة من الوصول إليه. كما يعني ذلك أن النظام يستطيع فتح معركة في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الجنوبي الغربي، فضلاً عن تحوّل هذه التلال إلى مركز للقصف على معظم مناطق سهل الغاب.

اقرأ أيضاً سورية: النظام ينقل حصار التجويع إلى ريفَي حماة وحمص

المساهمون