سورية: رسائل تركية روسية في حماة

17 يونيو 2019
لتركيا قوات و12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها(إبراهيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -
دخل الخلاف الروسي التركي حول مصير شمال غربي سورية، مرحلة جديدة أمس الأحد، فالاستهداف الجديد من قوات النظام السوري لإحدى نقاط المراقبة التركية في ريف حماة الشمالي ليل السبت الأحد، لم تسكت عنه أنقرة هذه المرة، بل ردّت مباشرة بقصف مواقع لقوات النظام في المنطقة، في ما بدا رسالة تركية لروسيا بأن صبرها بدأ ينفد على خروقات النظام وموسكو لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب ومحيطها، وأن أنقرة لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء استهداف مواقعها، خصوصاً مع اقتناعها بأن موسكو تعطي الضوء الأخضر لهذا القصف. ولكن على الرغم من ذلك، يبقى مستبعداً تطور الرد التركي إلى أكثر من ذلك في الفترة الراهنة، خصوصاً أن الهدف هو توجيه رسائل إلى روسيا، المصرة على دعم حملة النظام المستمرة في ريفي حماة وإدلب، والتي دخلت أسبوعها السابع في ظل انسداد أي أفق يمكن أن يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم.

ورفع النظام سقف تحديه، بقصف قواته ليل السبت-الأحد، نقطة تابعة للجيش التركي في ريف حماة الشمالي، وهي النقطة الثانية التي تتعرض للقصف خلال أقل من أسبوع. وقالت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد" إن قوات النظام المتمركزة في معسكر الكبارية شمال حماة، قامت باستهداف نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بريف حماة الشمالي بالمدفعية الثقيلة والصواريخ، مشيرة إلى أنه شوهدت ألسنة نيران ودخان مصدرها نقطة المراقبة والأراضي المحيطة بها.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع التركية، أمس الأحد، إن قوات النظام استهدفت نقطة المراقبة التركية التاسعة في المنطقة الواقعة ضمن مناطق خفض التصعيد في محافظة إدلب. وأوضحت الوزارة في بيان، أن قوات النظام، المتمركزة في منطقة تل بزام، استهدفت نقطة المراقبة التركية بالمدفعية وقذائف الهاون، وأن أنقرة تعتقد أن هذا الاستهداف كان متعمداً. وأكد البيان أن القوات التركية الموجودة في المنطقة، ردت مباشرة على القصف، عبر أسلحتها الثقيلة، مشيراً إلى أن قصف النظام لنقطة المراقبة لم يتسبب بخسائر بشرية، و"اقتصرت الأضرار على بعض التجهيزات والمعدات الموجودة في نقطة المراقبة".
وفي خطوة غير مسبوقة، قصفت مدافع نقطة المراقبة التركية المتمركزة في منطقة شير مغار بريف حماة الشمالي الغربي المتاخم لريف إدلب الجنوبي، مواقع لقوات النظام في منطقتي تل بزام والكريم وقرية الكبارية في ريف حماة الشمالي.

وكانت قوات النظام قصفت منذ أيام نقطة المراقبة التركية في قرية شير مغار غرب حماة، بأكثر من ثماني قذائف مدفعية أسفرت عن وقوع انفجارات وحرائق داخل النقطة التركية، وإصابة ثلاثة جنود أتراك، وفق مصدر عسكري من فصيل "فيلق الشام" التابع للجيش السوري الحر، والمدعوم من تركيا. كما كانت وزارة الدفاع التركية، أعلنت الخميس، عن استهداف نقطة مراقبة تابعة للقوات التركية في منطقة إدلب لخفض التصعيد، محمّلة النظام السوري المسؤولية عن الحادث. وقالت الوزارة إن قوات النظام أطلقت عمدا 35 قذيفة على النقطة، ما أدى إلى إصابة 3 جنود أتراك بجروح خفيفة وإلحاق أضرار مادية بالنقطة.

وعن الرد العسكري التركي الأول من نوعه، قالت مصادر تركية رفيعة لـ"العربي الجديد"، إنه يأتي في إطار توجيه رسالة حازمة لروسيا بأن الصبر التركي يقترب من النفاد، في وقت لا تريد فيه أنقرة التصعيد، وتسعى للحفاظ على الاتفاقيات والمكاسب المشتركة، في مسار يأتي استكمالاً لتهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاووش أوغلو، بأنه لا يمكن لتركيا أن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء استهداف مواقعها وتعرض جنودها للاستهداف.
وأضافت المصادر أن أنقرة تعتقد أن موسكو تعطي الضوء الأخضر للنظام لاستهداف نقاط المراقبة التركية، لاستدراجها إلى رد كبير على قوات النظام، بهدف تسويق ذلك دولياً، وإعطاء الرد التركي صبغة غير شرعية. والموقف التركي هذا صدر أيضاً على لسان جاووش أوغلو قبل أيام، والذي قال إنه من غير المنطقي أن روسيا غير قادرة على ردع النظام عن القيام بالخروقات في إدلب، واستهداف نقاط المراقبة التركية.

لكن المصادر استبعدت تماماً أن تتوسع الردود التركية على قوات النظام، لافتة إلى أن أي رد تركي سيكون ضد نقاط القصف المرصودة، لأن الهدف هو توجيه الرسائل إلى موسكو، موضحة أن التعامل بين دولتين كبيرتين مثل روسيا وتركيا يعتمد على دبلوماسية الدول طويلة الأمد، ولا يستدعي المواجهة المباشرة، ويكون عبر توجيه الرسائل، وهو ما تم في هذا الرد الذي تأخر بعد استهدافات كثيرة للنقاط التركية من قبل قوات النظام، ليأتي الرد على شكل رسالة وحسب، في وقت تتواصل فيه المشاورات بين الطرفين في ظل خلافات باتت ظاهرة للعلن أكثر من السابق.


وكان أردوغان، قال في حديث مع الصحافيين في طائرة العودة من طاجيكستان، نشره الإعلام التركي صباح أمس، إن المشاورات مع روسيا مستمرة حول الخروقات الحاصلة أخيراً، (في شمال غربي سورية) وإن الوفود التقنية تعمل مع بعضها بعضاً، وجرى التوافق على وقف إطلاق النار، ولكن هناك تصدعات تعاني منها. ولفت إلى أنه "جرى تأمين وقف إطلاق النار، ولكن بين فترة وأخرى نرى تصدعات فيه، وعليّ أن أقول إن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين والآخرين لا ينظرون بترحيب إلى هذه الخروقات، ولا يوافقون على مقاربات النظام، وما يميز بوتين أنه في حال حصول أي مشكلة وتكليف المعنيين بالتواصل مع نظرائهم الروس، فإن الجواب يأتي خلال 24 ساعة، وبعدها تستمر المشاورات من أجل إيجاد الحلول"، مضيفاً "في هذا الإطار فإن علاقاتنا مع روسيا تسير بشكل جيد، ولولا هذه المشاكل لكانت العلاقات ستصبح أفضل، ولكنها تحصل للأسف".

يُذكر أن أردوغان كان قد توعّد، الجمعة، النظام السوري في حال استمراره باستهداف نقاط المراقبة التركية، بقوله: "لن نسكت إذا واصل النظام السوري هجماته على نقاط المراقبة التركية في إدلب، وتركيا ستعطي رداً واضحاً على استفزازات قوات (بشار) الأسد". وشدد على أن "مواصلة النظام الاعتداءات على إدلب وقصفها بقنابل الفوسفور، جريمة لا تغتفر ولا يمكننا السكوت عليها"، مشيراً إلى أن "أنقرة لن تقف مكتوفة اليدين وستأخذ دعوات السكان المحليين بالاعتبار".

وينشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب شمال غربي البلاد، تتوزع في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية، لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار وفق تفاهمات أستانة بين الثلاثي الضامن (تركيا، روسيا، إيران). وتقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، والثالثة في جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. أمّا النقطة الرابعة ففي تلة العيس بريف حلب الجنوبي، والخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة قرب بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتقع النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والثامنة في الزيتونة في جبل التركمان، والتاسعة في مورك بريف حماة الشمالي. أما النقطة العاشرة ففي الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، والحادية عشرة في شير مغار بريف حماة الغربي، والأخيرة في جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي.

ومن الواضح أن قوات النظام تحاول استفزاز الجيش التركي من أجل خلط الأوراق، وتقويض اتفاق سوتشي المبرم بين أنقرة وموسكو والذي لا يزال يحكم محافظة إدلب ومحيطها. ورأى الكاتب السوري المتخصص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن النظام ما كان يقدم على استهداف النقطة التركية لولا الضوء الأخضر الروسي. ورجّح عبد الواحد أن القصف "تم بالتنسيق مع الروس، كي لا تتكرر حادثة إسقاط الأتراك طائرة روسية والأزمة الخطيرة التي تسببت بها بين البلدين"، مضيفاً: "التنسيق ضروري وشبه أكيد من وجهة نظري لأن مواقع الروس قريبة من مواقع النظام التي استهدفها الأتراك".

في غضون ذلك، دخلت حملة قوات النظام ومليشيات تساندها في ريفي حماة وإدلب، أسبوعها السابع في ظل انسداد أي أفق يمكن أن يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم في شمال غربي سورية. وعقب فشل الجولة الأخيرة من مباحثات أستانة أواخر إبريل/نيسان الماضي، بدا أن الروس أعطوا النظام الضوء الأخضر للبدء في العملية العسكرية بمشاركة كبيرة من الطيران الروسي الذي شنّ هجمات غير مسبوقة على ريفي إدلب وحماة. ومع الأيام الأولى من شهر مايو/أيار، بدأت قوات النظام بالتقدم على حساب فصائل المعارضة التي اضطرت تحت الضغط الجوي للانسحاب من 18 بلدة وقرية في مناطق ريف حماة الشمالي والغربي. كما خسرت المعارضة قرى في ريف إدلب الجنوبي، أبرزها القصابية. ولكن فصائل المعارضة التي استقدمت تعزيزات من شمال سورية، إلى محاور القتال، شنّت بداية الشهر الحالي أكثر من هجوم معاكس وشتت قوات النظام، وأجبرتها على التراجع عن منطقتي تل ملح، الجبين. ولمنطقة تل ملح أهمية استراتيجية كونها إحدى طرق إمداد النظام بين محردة والسقيلبية، فضلاً عن مرور طريق رئيسي بين حماة واللاذقية عبر هذه المنطقة. كما أن تل ملح تطلّ على العديد من المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات النظام، وفق ما أوضحت مصادر في المعارضة لـ"العربي الجديد".