سورية: تمديد الهدنة تمهيداً لجنيف... و"ضربة عسكرية" لإيران بحلب

08 مايو 2016
النظام السوري وحلفاءه بإيران يحشدون لحصار حلب (فرانس برس)
+ الخط -
يحاول سكان مدينة حلب السورية، التقاط أنفاسهم، عقب تمديد الهدنة الهشة لثلاثة أيام إضافية تنتهي فجر الثلاثاء المقبل، بعد 12 يوماً دامياً ارتكب فيها النظام بقصفه الجوي والمدفعي مجازر راح ضحيتها نحو 300 مدني وعشرات الجرحى، في الوقت الذي تتواصل فيه التحركات السياسية حول سورية، بما في ذلك اللقاءات المتوقع حصولها في الأيام المقبلة، وذلك لمحاولة تذويب العقبات على طريق العودة لمفاوضات جنيف، التي كانت المعارضة السورية قد أعلنت تعليقها في شهر إبريل/ نيسان الماضي، مطالبة بضرورة تهيئة مناخٍ ملائم للمحادثات قبل استئنافها، وتحديداً في ما يتعلق بالأوضاع الإنسانية.

في موازاة ذلك، يبدي النظام السوري تعنتاً ويصرّ على إفشال أي مفاوضات، وهو ما يترجم من خلال التصريحات التي يطلقها مسؤولوه أو مسؤولو الدول الداعمة له. ضمن هذا السياق، يستمر الرئيس السوري، بشار الأسد، بمحاولة التنصل من مسؤولية النظام عن إفشال الحلول السياسية، متهماً خلال لقاء جمعه بعلي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس السبت، دولاً غربية وإقليمية بأنها "تواصل دعم الإرهابيين سراً وعلناً وتوفر الغطاء لهم بالرغم من الجهود الرامية إلى وقف القتال ودعم الحل السياسي في سورية"، على حد قوله. 
من جهته، لم يتردد ولايتي في الإعلان عن أن إيران تعتبر بقاء الأسد رئيساً لسورية أمراً ضرورياً، وأن طهران أبلغت الإدارة الروسية بموقفها هذا بشكل واضح، وفق ما ذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية، قبل أن يعمد إلى التصويب على المعارضة بالقول إن "التفريق بين المعارضة المتطرفة والمعارضة المعتدلة أمر مضحك".

تصريحات ولايتي تزامنت مع إعلان إيران عن واحدة من أقسى الضربات التي تتعرض لها في يوم واحد منذ بدء مشاركة قواتها إلى جانب النظام في المعارك في سورية، إذ أفاد الحرس الثوري، أمس، عن "سقوط 13 مستشاراً عسكرياً إيرانياً وجرح 21 آخرين خلال اشتباكات في سورية، يوم الجمعة". كما أفيد عن أسر مجموعة من المستشارين. ويعد إعلان الحرس الثوري عن هذا العدد من القتلى في يوم واحد أمراً غير مسبوق، ليصل عدد قتلى الحرس في سورية إلى 260 قتيلاً تقريباً.
وأشار مسؤول العلاقات العامة في الحرس الثوري في محافظة مازندران الإيرانية، حسين علي رضايي، إلى أن القتلى الإيرانيين سقطوا خلال اشتباكات مسلحة وقعت بالقرب من منطقة خان طومان، جنوب غربي حلب، في سورية، يوم الجمعة.

وعلى الرغم من تمديد التهدئة في حلب لثلاثة أيام حاول خلالها أهالي المدينة تنفس الصعداء مع بدء مظاهر الحياة بالعودة تدريجياً وسط خروق محدودة من النظام، إلا أن ريف المدينة كان يشتعل. إذ تواصل قصف الطيران الحربي السوري والروسي على مناطق المعارضة السورية في ريف حلب الجنوبي، في وقت صدت فيه الأخيرة محاولة لقوات النظام، مدعومة بالقوات الإيرانية، لاستعادة بلدة خان طومان. وفي هذا السياق، يقول الناشط الإعلامي في "المكتب الإعلامي لريف حلب الجنوبي"، زكريا إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "بلدة خان طومان تعرضت ليل الجمعة ـ السبت، لقصف هستيري بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة. كما أغار الطيران الحربي الروسي على منطقة ‏العيس، بقنابل فوسفورية وعنقودية". من جهته، يلفت الناشط الإعلامي أبو مجاهد الحلبي لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود حالة فتور تخيّم على ريف حلب الجنوبي، في ظل اشتباكات خفيفة، بعد فشل محاولة لقوات النظام للالتفاف على جيش الفتح في خان طومان، من جهة مدرسة الحكمة والراشدين، فيما عادت المعارضة لتستخدم طريق دمشق حلب من جديد".
في غضون ذلك، يبدو واضحاً أن الحرص الدولي على تمديد الهدنة في حلب لـ72 ساعة، تنتهي مع الواحدة من فجر الثلاثاء المقبل، ينبع من الرغبة في أن تجرى المشاورات السياسية حول سورية وسط تهدئة ميدانية في المناطق الساخنة عسكرياً، وتحديداً حلب. وجاء الإعلان عن بدء هدنة حلب، مساء الأربعاء الماضي، بالتزامن مع اليوم الذي شهدت فيه العاصمة الألمانية برلين، سلسلة لقاءاتٍ كان أطرافها وزيري الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، والفرنسي جان مارك آيرولت، إضافة للمبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، ومنسق الهيئة العليا للمفاوضات (المنبثقة عن المعارضة السورية) رياض حجاب.
ومن المقرر أن تستأنف المشاورات حول سورية في العاصمة الفرنسية، باريس، وذلك قبل نهاية هدنة حلب المؤقتة بساعات، إذ يعقد لقاء يضمّ وزراء خارجية فرنسا والسعودية وقطر والإمارات وتركيا، إلى جانب دي ميستورا، لـ"بحث وقف الأعمال القتالية في سورية"، ومن المحتمل أن ينضم إلى الاجتماع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. كما حضر الملف السوري في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، في مدينة سوتشي الروسية، أول من أمس الجمعة.

في غضون ذلك، أشارت مصادر إعلامية في وقت سابق، إلى أن المجموعة الدولية لدعم سورية، التي تضمّ 17 دولة، ستعقد اجتماعاً في العاصمة النمساوية فيينا في 17 مايو/ أيار الحالي، للتمهيد لبدء جولة رابعة من مفاوضات جنيف، التي علّقت المعارضة السورية مشاركتها فيها، في 18 أبريل/ نيسان الماضي، لاعتبارها بأن "نظام الأسد ليس جاداً في المضيّ قدماً في عملية تؤدي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من دون بشار الأسد، تُمهّد الطريق لإنهاء المأساة السورية المستمرة منذ خمس سنوات".

من جهته، يؤكد الأمين العام الأسبق للائتلاف السوري نصر الحريري، لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماع باريس سيُعقد بعد أيام، ويضم مجموعة من دول أصدقاء سورية"، مشيراً إلى أن "موضوع الهدنة في حلب هو بالمحصّلة اتفاق أميركي ــ روسي بمعزل عن جملة التحركات السياسية الجارية حالياً، وهي هدنة لا ترقى للمستوى المطلوب، كونها مؤقتة، وجزئية لا تشمل كل مناطق سورية، فضلاً عن أنها تفتقر لآلية واضحة للمراقبة والمحاسبة، فكيف يمكن لروسيا أن تقدم كل هذا الدعم العسكري للنظام وتتستر على جرائمه بحق المدنيين، ثم أن تكون مراقباً للهدنة في الوقت نفسه؟". كما يُحمّل الحريري، الذي شارك في جولات محادثات جنيف كمستشار لوفد المعارضة، النظام السوري مسؤولية فشل الهدنة التي استمرت لنحو شهرين، معتبراً أن "جملة المحادثات والاجتماعات والتحركات الدبلوماسية القائمة حالياً لن تدفع المعارضة للعودة إلى المفاوضات، ما لم تتحقق نتائج على الأرض في ما يخص القضايا الإنسانية وعلى رأسها وقف قصف المناطق السكنية وفك الحصار عن المناطق المحاصرة"، مطالباً "الأمم المتحدة بموقف واضح، تؤكد فيه أن النظام مسؤول عن فشل الهدنة لأنه استهتر بها وواصل ارتكاب المجازر وعرقل بالتالي العملية السياسية".
كما يرى الحريري بأن "المجازر التي ارتكبها النظام في حلب خلال الأسبوعين الماضيين، كانت بمثابة عقوبة لأننا أعلنّا تعليق المفاوضات، ولا شك أن اللاعبين الدوليين يستثمرون عقوبة النظام هذه، لدفع المعارضة للعودة إلى جنيف من دون تحقيق مطالبنا الرئيسية في ما يخص البنود الإنسانية من القرار الدولي 2254". كما يستبعد عودة المعارضة للمحادثات ما لم يحصل تقدمٌ بهذا الخصوص"، ومؤكداً على أن أي محادثات سياسية قادمة "يجب أن تكون قائمة على أساس عملية تفاوضية تبحث الانتقال السياسي عبر هيئة حكم انتقالية لا مكان للأسد فيها".
وكانت مصادر رفيعة في المعارضة السورية قد ذكرت بأن "هناك إمكانية للعودة إلى التفاوض في جنيف، بعد اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية"، متوقعة بدء الجولة الرابعة من "جنيف 3" في "20 أو 22 مايو/ أيار الحالي". ونوّهت المصادر لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، إلى أن "وفد المعارضة سيذهب إلى جنيف بسقف تفاوضي مرتفع، وليس كما يعتقد ويتوقع النظام وحلفاؤه"، مشيرة إلى أن "المعارضة تصرّ على أن أي اتفاق هدنة جديد يجب أن يشمل الجغرافيا السورية كلها، ولن تقبل باستثناء أية منطقة بحجة وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو جبهة النصرة".

في هذا السياق، يرى عضو الأمانة المركزية في "المجلس الوطني السوري" عبد الرحمن الحاج، أنه "من حيث المبدأ، فإن جميع المناقشات واللقاءات الجارية حالياً، تأتي من أجل دفع المعارضة للعودة للمفاوضات"، مشيراً إلى أن "هذا أسوأ وقت لعودة المفاوضات، خصوصاً إذا لم تحصل المعارضة السورية على ضمانات بشأن مطالبها الرئيسية حول البنود الإنسانية، التي لا قيمة لأي مفاوضات فيها ما لم تتحقق هذه البنود الأساسية".

ويشير الحاج، خلال حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "دخول المفاوضات من دون ضمانات حقيقية، يعني أن وفد المعارضة يغامر بحاضنته الشعبية وبمستقبل المفاوضات أيضاً". أما حول البدائل، فيرى بأن "الظروف الموجودة الآن هي أسوأ بكثير من الظروف التي بدأت فيها المحادثات في مرات سابقة، والعودة تعني إعطاء شرعية للنظام بعد ما ارتكبه من مجازر في حلب". ويرى بأنه "لا بدّ من الحصول على ضمانات أيضاً لوقف هجوم النظام على حلب، لأن النظام كان يريد حصارها، من خلال الضغط على المجموعات المقاتلة وضرب البنية التحتية والحاضنة الشعبية، ويسعى لإحداث حركة نزوح كبيرة، وبالتالي كسب ورقة مهمة في أي محادثات مقبلة".

من جهته، يعتبر المحلل العسكري والاستراتيجي أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام وحلفاءه في إيران، يواصلون فعلاً تحشيد قواتهم لحصار حلب وشن عملية عسكرية ضد فصائل الثورة هناك، بعد ارتكابهم مجازر كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين". ويشير إلى أن "روسيا تواجه مشكلة في أنها قدمت التزامات للغرب حول العملية السياسية، التي تريد من خلالها خدمة مصالحها أكثر من كونها دعماً مباشراً لبشار الأسد. لكن، وإن كانت موسكو تقدم دعماً كبيراً للنظام، فإنها تواجه في الوقت نفسه تيار إيران والنظام، الذي لا يؤمن بأي حل سياسي، بل يعتقد بإمكانية الحسم العسكري، ولهذا تواصل إيران مع الأسد العمليات العسكرية بحلب وغيرها".


المساهمون