سورية: تحشيد عسكري يواكب دعوات وقف النار

01 ابريل 2020
من عمليات التعقيم في ريف إدلب(محمود حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
يدفع تفشي فيروس كورونا المُستجد في أرجاء العالم كافة، إلى تكرار الدعوات لوقف كامل لإطلاق النار في سورية، كي تتفرغ الأطراف المتصارعة لمواجهة الفيروس الذي تبدي الأمم المتحدة قلقاً متزايداً من احتمال انتشاره في كل المناطق السورية، سواء الواقعة تحت سيطرة النظام، أو فصائل المعارضة، أو مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). لكن المعطيات الميدانية تؤكد أن هذه الأطراف ربما تستعد لمرحلة ما بعد الوباء، خصوصاً في الشمال الغربي من سورية، حيث لا يزال الحشد مستمراً لجولات قتال جديدة، في حال انهيار الاتفاق التركي - الروسي الذي يحكم المنطقة منذ نحو شهر.

ودعا المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، أول من أمس الإثنين، إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار في سورية لمحاربة فيروس كورونا، وناشد المجتمع الدولي مساعدة السوريين في كافة المناطق لمحاربة الوباء. وفي إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي عبر دائرة تلفزيونية، قال بيدرسون إن "سورية عرضة لخطر كبير يهدد قدرتها على احتواء الفيروس، بسبب التحركات السكانية الهائلة والازدحام الخطير بمخيمات النازحين وأماكن الاعتقال، والإدارة الضعيفة أو الغائبة في بعض المناطق". وكرّر المبعوث الأممي نداءات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى وقف فوري وكاملٍ لإطلاق النار. وأضاف: "نحتاج إلى فترة هدوء مُستدامة سيوفرها وقف إطلاق النار، ليتم التعاون عبر كافة خطوط التماس المتداخلة على كافة الأراضي السورية. نحتاج إلى ذلك الآن، وليس غداً".


من جهته، وفي لقاءٍ له مع هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية يوم الإثنين الماضي، أكد مسؤول الملف السوري في الخارجية الأميركية، جويل بيرن، "دعم دول المجموعة المصغرة، بما فيها الولايات المتحدة، للهيئة السورية للتفاوض، في السعي لتمكين ملايين السوريين في الشمال السوري من مواجهة جائحة كورونا". ووفق بيان للهيئة وزعته على الصحافيين، عبّر بيرن عن دعم واشنطن لبيان بيدرسون لوقف شامل لإطلاق النار في سورية، وإطلاق سراح المعتقلين وإرسال لجان تشرف على حالهم الصحية ضمن ظروف الجائحة.

ومنذ بدء تفشي الفيروس في العالم، انخفضت إلى حدّ بعيد العمليات العسكرية في سورية، سواء في محافظة إدلب ومحيطها، شمال غربي البلاد، أو في منطقة شرقي نهر الفرات، في الشمال الشرقي، وهما المنطقتان اللتان تشهدان توتراً دائماً، ما خلا تبادل قصفٍ مدفعي لم يؤد إلى سقوط قتلى بين عناصر الأطراف المتحاربة.

ومن الواضح أن هذه الأطراف بدأت تدرك خطورة الأوضاع الإنسانية في سورية في حال تفشي المرض في المناطق التي تسيطر عليها، جراء اكتظاظ السكان، خصوصاً في شمال غربي سورية الذي يضم أكثر من أربعة ملايين نسمة في ظل ظروف معيشية صعبة وشبه انعدام للإمكانيات الطبية التي من الممكن أن تؤدي دوراً في محاصرة الوباء.

وفي ظلّ هذا التخوف، طالب فصيل "جيش العزة" التابع لـ"الجيش السوري الحر"، يوم الأحد الماضي، الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهم تجاه حياة المدنيين في محافظة إدلب، وإجبار قوات النظام والمليشيات المساندة لها على الانسحاب من المناطق التي استولت عليها أخيراً في أرياف حماة وإدلب وحلب، الخاضعة لما تسمى منطقة "خفض التصعيد الرابعة"، وفقاً لاتفاق روسي - تركي - إيراني سابق تمّ التوصل إليه في سوتشي. وأوضح الفصيل، في بيانٍ، أن هذه المطالبة تهدف إلى ضمان عودة المُهجرين إلى منازلهم كحلّ وحيد لتخفيف الازدحام الكثيف في مناطق النزوح، وتحقيق أدنى شروط المعايير الصحية، خوفاً من انتشار كورونا، وتعريض مئات آلاف النازحين لعمليات إبادة جديدة لا يستطيع أحدٌ أن يتحملها، على حد تعبير البيان. وقال المتحدث باسم "جيش العزة"، العقيد مصطفى بكور، لـ"العربي الجديد"، إن البيان "مستند إلى شرعة قانونية مقرة من قبل الأمم المتحدة، تجبر أي جهة عسكرية أو أمنية يمكن أن تعيق عملية إنقاذ المصابين والمرضى وأي عمل إنساني، على إخلاء المنطقة التي تتمركز فيها، لأن حياة المدنيين تعتبر أولوية".
وفي السياق، حذّر مسؤول فريق "منسقو الاستجابة في سورية"، محمد حلاج، في حديث مع "العربي الجديد"، من احتمالات الإصابة في صفوف المدنيين الذين عادوا إلى مناطقهم الواقعة على خطوط الجبهات، والذين تجاوز عددهم 34 ألف نسمة، مشيراً إلى أن جميع هذه المناطق التي عادوا إليها في ريف إدلب خالية من النقاط الطبية والمستشفيات. وحذّر حلاج من أن "إصابة واحدة ستؤدي إلى انتشار العدوى بين كل سكان المنطقة، وعندها ستحدث كارثة إنسانية، خصوصاً أن الفرق الطبية والمستشفيات غير قادرة على استيعاب الحالات المرضية العادية في الشمال السوري، إضافة إلى أن الحدود مع تركيا باتت مغلقة، على خلفية مخاوف أنقرة من انتقال العدوى من سورية إلى أراضيها.


وكانت قوات النظام استولت على مدى نحو عام على مناطق واسعة كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية في أرياف حماة وإدلب وحلب، من بينها مدن كبيرة نسبياً كانت تضم عشرات آلاف المدنيين، لعل أبرزها خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب. وتحولت هذه المدن وبلدات وقرى تابعة لها إلى مناطق منكوبة، نتيجة حملات القصف الجوي والمدفعي من قبل الروس وقوات النظام، فضلاً عن قيام عصابات الشبيحة التابعة للنظام بنهب البيوت وإحراقها. 
ويرفض النازحون العودة إلى منازلهم خشية قيام قوات النظام ومليشيات إيرانية، بالانتقام منهم من خلال ارتكاب مجازر جماعية، حيث يفضّل النازحون العيش في العراء على العودة إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام. وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير صدر حديثاً، أن "أزيد من 98 في المائة من المواطنين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، يهربون منها عند تقدم قوات النظامَين السوري والإيراني نحوها"، مضيفة أن "كل الصعوبات والتحديات التي سوف يلاقونها هي أقل ضرراً بكثير من الوقوع في قبضة النظام السوري وحلفائه". وسجَّل التقرير منذ إبريل/نيسان 2019 تعرُّضَ قرابة 30 قرية وبلدة من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي لعمليات سطو ونهب للممتلكات، نفَّذتها قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية الموالية له.

وفي السياق، وعلى الرغم من الهدوء الحذر في شمال غربي سورية، إلا أن الأطراف تستعد كما يبدو لمرحلة ما بعد كورونا، حيث لا يزال الجانبان يحشدان قوات على خطوط التماس، وفي المناطق التي من المتوقع أن تكون مسرح معارك محتملة. وتؤكد مصادر محلية أن المليشيات الإيرانية انتشرت بشكل كبير، خصوصاً في مدينتي سراقب ومعرة النعمان اللتين تتعرضان لعمليات تعفيش واسعة النطاق.

إلى ذلك، ذكرت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن تعزيزات عسكرية لقوات النظام وصلت إلى مدينة سراقب قادمةً من ريفي حلب الجنوبي والشرقي، بالتزامن مع تعزيزات إلى مدينة كفرنبل قادمة من ريف حمص الشرقي. وبحسب المصادر، فإن هذه التعزيزات معظمها للمليشيات الإيرانية ومليشيا "الفيلق الخامس" المحلية التي يشرف عليها الجانب الروسي.

في المقابل، لا يزال الجيش التركي يرسل تعزيزات إلى نقاط تمركزه في محافظة إدلب، في مؤشر واضح على أن الهدوء المؤقت الذي فرضه فيروس كورونا لن يدوم طويلاً. وأكد مصدر عسكري من المعارضة لـ"العربي الجديد"، أن رتلاً للجيش التركي دخل مساء الإثنين الماضي الأراضي السورية من معبر كفر لوسين، وتوجه إلى نقاط الانتشار التركي على محور مدينة سراقب شرق إدلب، مشيراً إلى أن الرتل مؤلف من قرابة 40 آلية عسكرية بين مدرعة وناقلة جند ومدافع ميدانية ودبابات.

ويحكم الشمال الغربي من سورية، اتفاق موسكو، الذي أبرمه الروس والأتراك في الخامس من مارس/ آذار الماضي، والذي نصّ على وقف إطلاق النار، لكن المعطيات الميدانية تؤكد أنه اتفاق هش قابل للانهيار، الذي أجلّه تفشي فيروس كورونا.

وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال الرائد يوسف حمود، المتحدث باسم "الجيش الوطني السوري" التابع للمعارضة، إن "الأوبئة تؤثر على الأعمال القتالية لكل الجيوش في العالم"، معتبراً أنه في حالة قوات النظام والمليشيات، والتي تعتمد سلوكاً غامضاً حتى في الكشف والاعتراف بوجود وانتشار الوباء في المناطق التي تسيطر عليها، فإنها ربما تلجأ إلى أعمال قتالية مختلفة. وأكد حمود التزام فصائل المعارضة بوقف إطلاق النار على محاور القتال كافة.

وفي منطقة شرقي نهر الفرات، ترتفع الأصوات المطالبة بإبرام اتفاق سلام بين الجانبين التركي و"قسد" ينهي حالة التوتر الحاصلة في المنطقة التي ينتشر فيها أغلب أطراف الصراع السوري. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن الأسبوع الماضي في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، استعداد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأكراد في سورية لإبرام اتفاق سلام، مؤكداً أن "كلا الجانبين أكدا موافقتهما على ذلك". وفي السياق، طالبت إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية في "مجلس سورية الديمقراطي" (الجناح السياسي لـ"قسد")، في تغريدة لها أول من أمس الإثنين، كلا من تركيا وروسيا والولايات المتحدة بالتمهيد لتفاهم يوصل إلى سلام ينهي حالة الحرب في سورية.




​ ​