سورية بخير .. التلفزيون الرسمي والغياب عن الواقع

31 يوليو 2014
كانت دوما تـُقصف والتلفزيون يحتفل بالعيد (عبد دوماني/فرنس برس/GETTY)
+ الخط -

حالة تامة من النكران لما يحصل على الأرض، عاشها "التلفزيون السوري" خلال تغطيته أجواء عيد الفطر، إذ اكتفى بتوجيه رسائله وخطابه الإعلامي  إلى جمهور محدد بالمربع الأمني داخل العاصمة دمشق، مع الامتداد إلى المحافظات، التي لم تذق طعم الحرب كطرطوس.

الصورة التلفزيونية بدت كالتالي: تقارير معتّقة، صور من الأرشيف لأطفال يلهون على المراجيح، أغاني العيد المختزلة بأغنية مادونا "الليلة عيد"، ومسرحيات دريد لحام، مع أفلام عبد اللطيف عبد الحميد، المنتجة في سبعينيات القرن الماضي.

في أول صباحات العيد، نقل التلفزيون الرسمي بكل قنواته أي "الفضائية"، "الأرضية"، "سورية دراما"، "تلاقي"، "نور الشام"، والإذاعية، "صوت الشعب"، "البرنامج العام"، "صوت الشباب"، "سوريانا"، صلاة وخطبة العيد بحضور بشار الأسد. تمت تغطية الحدث من جامع الخير في دمشق، بنقل غير مباشر.

جاءت الخطبة وكأنها فقرة من برنامج التضليل الإعلامي الشهير على قناة "الدنيا"، أو نشرة إخبارية مسيّسة  على لسان الشيخ الصواف، مع تركيز الدعاء للأسد عوضاً عن سورية. كما غابت عن المشاهد، اللقطات الاستعراضية التي حرص عليها التلفزيون السوري في الأعياد السابقة، من حشد الجماهير أمام الجامع، والاقتتال والتدافع في سبيل تحية الأسد، أو لمس يده أثناء قيادته سيارته بنفسه.

أما البرامج التي استقبلت صباح العيد لم تحمل أي جديد، إلا لصق عبارة "عيدكم مبارك" في زاوية الشاشة،  إضافة لأنغام دق المعمول والحديث عن رائحته، التي تملأ الحارة، وتكاتف الأسرة والجيران في صناعته على طرف البحرة الدمشقية! الفقرات نفسها، التي لا ترقى إلى أو تلامس الواقع السوري في شيء، من فقرات الجمال، الصحة، وتنسيق الزهور... في محاولة لاستعادة "الزمن الجميل" وإسقاطه على الواقع السوري الحالي، مع تجاهل تام الحاضر.

حاول التلفزيون السوري خلال تغطيته للعيد في سورية، تكريس مقولة "سورية بخير"، فالطرقات آمنة وسالكة، والشعب السوري في أحسن مراحل حياته. حصل كل ذلك في فواصل إعلانية واستطلاعات رأي تحاكي شريحة محددة من المدنيين، إذ تتجول الكاميرا في شوارع ثابتة في جميع التقارير، شارع "الحمرا" امتداد البرلمان، محيط جامعة دمشق، حيث تتواجد كثافة سكانية تلبي حاجة الكاميرا لعرض الازدحام، وتعطي انطباعاً أن الفرح على أشده في دمشق. وعلى الجهة الأخرى تقارير  تشرح عن ازدهار السياحة في محافظة اللاذقية، وكأن البلد يعيش أبهى حالاته. 

المفارقة أن كل نشرات الأخبار في الفضائيات العربية خصصت فقرات وتقارير جادة عن أحوال ملايين السوريين في مخيمات اللجوء في مختلف الدول، ضمن تغطيتهم أجواء العيد، والحديث عن المأساة، والشقاء الذي يعيشونه، في حين يتجاهل التلفزيون الرسمي الحديث عنهم، ما عدا فاصل يتم حشره بين البرامج بعنوان "جايين نعايدكم"، يلامس أحوال المهجرين في الداخل السوري. إذ يصطف المهجرون في مراكز ومدارس دمشق إلى جانب بعضهم بعضاً، على خلفيةٍ نُحت عليها شعار حملة الأسد الانتخابية "سوا"، مرددين عبارات حفظوها، "أنهم لم يتركوا أرضهم كما غيرهم". لا يأتي هذا الفاصل عبثاً، إذ يختتم  بصور عن تقديم هدايا للأطفال المهجرين، والإشادة بـ"بواسل الجيش السوري".

جاءت رسالة التلفزيون السوري في العيد بعنوانها العريض "خلصت" في إشارة إلى الأزمة السورية، مع مواكبة لأحداث العدوان الإسرائيلي على غزة، بأخبار عاجلة، والتنويه والتأكيد أن الصواريخ، التي تطلقها المقاومة الفلسطينية هي من صنع النظام السوري. هل سبق أن سمعتم بسياسة: "اكذب اكذب حتى تصدق نفسك". التلفزيون السوري يطبّق المقولة حرفياً، فعلى شاشته الزمن ثابت متوقف ، مع أكوام من غبار "الزمن الجميل"، وبتجاهل تام للقصف الوحشي، الذي كانت تتعرّض له مدينة دوما تحديداً بينما كانت الاحتفالات مستمرة على شاشة التلفزيون الرسمي. كيف لا؟ أليس شعار العيد: سورية بخير!

المساهمون