يحرص النظام السوري على عدم استفزاز قوات الاحتلال الإسرائيلي في جبهته العسكرية التي يصرّ على حسمها حربياً، في منطقتي الغوطة الغربية لدمشق القريبة من الجولان المحتل، ومنطقة مثلث الموت لجهة درعا غير البعيدة كذلك عن الأراضي التي تحتلها الدولة العبرية. وفي هذا السياق، علمت "العربي الجديد" أن قوات النظام السوري تزجّ بقوات إيرانية وأخرى من "حزب الله" في معركتها المذكورة، مع محاولة إخفاء هوية هؤلاء بهدف تفادي الردّ الإسرائيلي على تجاوز ما تسميه تل أبيب، "الخط الأحمر"، الذي يترجم بالنسبة للاحتلال باقتراب المليشيات المحسوبة على إيران من مسافة 50 كيلومتراً من الأراضي الفلسطينية أو السورية المحتلة. لذلك، تشارك القوات المحسوبة على إيران على هاتين الجبهتين، (مثلث الموت والغوطة الغربية)، بزي الجيش السوري النظامي، نظراً إلى أن إسرائيل لا مشكلة لديها مبدئياً مع قوات النظام السوري، لعلمها أنها وفّرت لدولة الاحتلال حدوداً هادئة تاريخياً، على عكس خشيتها من نوايا المليشيات الإيرانية أو المحسوبة عليها.
وتتجه الأوضاع الميدانية في جنوب غربي العاصمة السورية دمشق نحو مزيد من التأزيم في ظل سعي قوات النظام إلى حسم عسكري في منطقة استراتيجية ليست بعيدة عن الحدود الفاصلة بين سورية ولبنان والجولان المحتل. كما تحاول قوات النظام الاقتراب أكثر من مناطق سيطرة قوات المعارضة في جنوب سورية والتي ما تزال تسيطر على مساحات واسعة تصل إلى نحو نصف محافظة درعا.
وأشارت وسائل إعلام تتبع النظام أن قوات الأخير و"مجموعات الدفاع الشعبية"، واصلت تقدمها في عمق الغوطة الغربية باتجاه سفوح جبل الشيخ، وفرضت سيطرتها على نقاط جديدة قرب "نبع المنبج" بعد اشتباكات عنيفة مع مسلحي "هيئة تحرير الشام" قرب المدخل الشرقي لقرية مزرعة بيت جن. وتحدثت هذه الوسائل عن حصار قوات النظام لمسلحي الهيئة في مزرعة بيت جن، ومغر المير، وأشارت إلى أن المنطقتين مهمتان، وخسارتهما من قبل الهيئة تعني خسارة آخر معاقلها في الغوطة الغربية للعاصمة دمشق.
من جهته، أكد الناشط الإعلامي والموجود جنوب سورية، أحمد المسالمة، أن الاشتباكات في بيت جن "شهدت (أمس) الإثنين، شبه هدوء بسبب الأحوال الجوية"، لافتاً إلى أنّ قوات النظام "تضغط وتقوم باستنزاف الثوار والجيش الحر في المنطقة كونها بعيدة قليلاً عن نقاط قوة الأخير هناك". وتدور الاشتباكات، منذ أيام عدة، في مزارع وتلول في ريف دمشق الجنوبي الغربي، غير بعيدة عن الحدود الفاصلة بين سورية والأراضي التي تحتلها إسرائيل، وعن الحدود التي تفصل سورية عن لبنان.
وكانت قوات النظام قد أحرزت تقدماً، خلال الأيام القليلة الماضية، وسيطرت على نقطة جديدة بمحيط قرية مغر المير على أطراف نهر الأعوج أحد روافد نهر بردى، وقبلها بسطت سيطرتها على تلالٍ استراتيجية حاكمة، مكنتها من فصل مناطق سيطرة "اتحاد قوات جبل الشيخ"(مجموعة فصائل عسكرية معارضة).
وكانت نصّت المذكرة الروسية الأميركية الأردنية المبرمة في عمّان، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، عن جنوب غربي سورية، لدعم اتفاق وقف إطلاق النار على طول خطوط التماس المتفق عليها، على إبعاد المليشيات الإيرانية الداعمة لنظام بشار الأسد مسافة 50 كيلو متراً عن الحدود السورية الإسرائيلية. ورغم أن موسكو نفت هذا الكلام وقتها، إلاّ أنّ الوقائع الميدانية أكدته، إذ كان هذا الأمر مطلب تل أبيب الملحّ لتحجيم الدور الإيراني في جنوب سورية.
وكان مسؤول أميركي قال، إن مذكرة عمّان "تضمن بقاء جنوب غربي سورية تحت سيطرة المعارضة السورية حتى إتمام التسوية السياسية لأزمة السوريين". ولكن قوات النظام تحاول تغيير معطيات الصراع في جنوب سورية من خلال فرض السيطرة على الحدود التي تربطها مع الاحتلال الإسرائيلي والقضاء على المعارضة السورية في "مثلث الموت" جنوب غربي دمشق الذي يربط بين ثلاث محافظات، هي ريف دمشق والقنيطرة ودرعا.
ورغم أنّ قوات النظام تتحدّث عن أنها وحدها من يخوض المعارك، التي تقودها الفرقة الرابعة، وهي بذلك تتحاشى رداً إسرائيلياً في حال اندفعت مليشيات إيرانية لتلك الجبهة، إلا أن الناشط الاعلامي، أحمد المسالمة، قال لـ "العربي الجديد" إن المليشيات الإيرانية تقاتل إلى جانب قوات النظام في ريف دمشق الجنوبي الغربي، موضحاً أنه "يوجد حرس ثوري إيراني، وقوات حزب الله بلباس جيش النظام، فهما مكوّن أساسي من مكونات قوات النظام في تلك المنطقة".
وتعد منطقة "مثلث الموت" من المناطق الاستراتيجية في الجنوب السوري، ومن هنا ينبع حرص قوات النظام على السيطرة عليها على اعتبار أنها التقاء لمحافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا. ولا يزال هناك مراكز عسكرية هامة لقوات النظام في تلك المنطقة التي تسيطر المعارضة السورية على مفاصل هامة فيها. وحاولت قوات النظام ومليشيات إيرانية دفع المعارضة عن هذه المنطقة مرات عدة، إلاّ أنها فشلت في ذلك رغم أنها سيطرت على مواقع عدة.
ولا تزال إيران تحاول ترسيخ وجودها في الجنوب السوري، وخصوصاً ضمن الحدود الإدارية لمحافظة ريف دمشق التي باتت إحدى أهم مناطق نفوذها في سورية، إضافة إلى العاصمة دمشق. كما تحاول أن تسلّم "حزب الله" كامل الحدود السورية اللبنانية لإبقاء خطوط الإمداد مفتوحة لقوات الحزب، وخصوصاً بعد أن نجحت طهران في فتح طريق بري من الأراضي الإيرانية عبر العراق إلى سورية ومن ثم إلى الأراضي اللبنانية.
وقصف الطيران الإسرائيلي أخيراً، موقعاً جنوب العاصمة دمشق، أكدت مصادر إعلامية أن إيران كانت تعده ليكون قاعدة عسكرية لها في منطقة لا تبعد كثيراً عن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. ومن المتوقع ألا تسمح إسرائيل لقوات "حزب الله" التمركّز في سلسلة جبل الشيخ الاستراتيجية. وهو ما يعني اتجاه الأوضاع في تلك المنطقة إلى مزيد من التأزيم مع تقدّم قوات النظام وقضم المزيد من مناطق سيطرة المعارضة.
وكانت المعارضة السورية المسلحة فرضت سيطرة شبه مطلقة على مدى سنوات على كامل الريف الجنوبي الغربي للعاصمة دمشق قبل أن تبدأ العام الفائت بالتراجع بعد بدء التدخل الروسي في الصراع العسكري في عموم البلاد.
ويسعى النظام من خلال فرض الحصار على مناطق في ريف دمشق الجنوبي الغربي إلى تحقيق "مصالحات" تنقل من خلالها مقاتلي "هيئة تحرير الشام" والمعارضة السورية إلى الشمال السوري، كما فعلت في أغلب مناطق ريف دمشق، وهي تضغط لتطبيق السيناريو ذاته على الغوطة الشرقية من خلال إطباق الحصار عليها، الذي يفتك بالمدنيين منذ نحو خمس سنوات متواصلة.