سورية: النظام يتمدّد في حلب منعاً للمنطقة الآمنة

21 أكتوبر 2014
انسحبت فصائل المعارضة من معملي الإسمنت والزجاج (الأناضول)
+ الخط -

تمكّنت قوات النظام السوري، مدعومة بالمليشيات الإيرانية ومقاتلي "حزب الله" اللبناني، من فكّ الحصار عن وحداتها، التي وقعت منذ أيام تحت حصار قوات المعارضة في بلدة سيفات، شمالي حلب، من خلال سيطرتها على معملي الإسمنت والزجاج، الواقعين إلى الشرق مباشرة من سجن حلب المركزي، أكبر نقاط تمركز قوات النظام في المنطقة.

ولم يجد مقاتلو جيش "المهاجرين" و"الأنصار" و"جبهة النصرة" والجبهة "الإسلامية" و"جيش المجاهدين"، أمامهم إلا خيار الانسحاب من معمل الإسمنت ومعمل الزجاج، وفق ما يؤكّده الناشط الإعلامي، أبو اليمان الحلبي، الذي يعمل مع كتائب المعارضة في المنطقة، لـ"العربي الجديد".

واستطاعت قوات النظام، تأمين الطريق بين بلدة سيفات التي بسطت سيطرتها عليها، مطلع الشهر الحالي، وبين سجن حلب المركزي بشكل كامل، بعد أن كانت قوات المعارضة المتمركزة في المعملين، قد تمكنت مراراً من استهداف قوات النظام، التي تحاول العبور بين البلدة والسجن، الأمر الذي أدى إلى حصارها في بلدة سيفات بشكل كامل في الأيام الأخيرة.

وتسيطر عناصر النظام، بعد تقدّمها من سجن حلب المركزي نحو الشمال، على المنطقة الحرّة، وهي منطقة ذات مساحة واسعة وأبنية ضخمة، كانت تُستخدم في السابق كمستودعات، وتقع إلى الشمال من سجن حلب المركزي، وتمتد على طول ثلاثة كيلومترات على الطريق الذي يصل مدينة حلب ببلدة أخترين، في ريفها الشمالي.

ودخلت قوات النظام أيضاً، قرية جبيلة، الواقعة إلى الشمال الشرقي من سجن حلب المركزي، لتندلع إثر ذلك اشتباكات عنيفة مع جبهة "النصرة"، التي كانت تتمركز في القرية.

وتضع هذه التطورات الأخيرة عناصر النظام، التي تحاول التقدّم في مناطق سيطرة قوات المعارضة السورية، شمالي حلب، في أفضل وضع ميداني، منذ سيطرة قوات المعارضة على ريف حلب الشمالي مع بداية صيف العام قبل الفائت.

 وتبعد قوات النظام نحو عشرين كيلومتراً عن مدينة مارع، التي تعدّ أكبر معاقل المعارضة شمالي حلب، ونحو ثلاثين كيلومتراً عن مدينة أعزاز الحدودية، التي تعدّ أكبر مدن ريف حلب الشمالي على الإطلاق، وتخضع لسيطرة قوات المعارضة منذ أكثر من سنتين.

ويضمر النظام هدفاً آخر، من خلال تقدّمه الميداني، عبر السعي إلى تثبيت وجوده العسكري في بلدتي سيفات وحندرات، اللتين سيطر عليهما مطلع الشهر الحالي. وتمكّنه هذه السيطرة من التمدد نحو جميع النقاط الاستراتيجية المحيطة بالبلدتين، تمهيداً للتقدم غرباً نحو بلدتي "نبّل والزهراء" المواليتين، واللتين تخضعان لحصار مستمر من كتائب المعارضة السورية، منذ أكثر من عامين.

ويتطلّب تقدّم قوات النظام، مدعومة بالمليشيات العراقيّة والإيرانيّة وحزب الله اللبناني، أكثر إلى بلدتي "نبّل"و"الزهراء"، اللتين باتتا على بعد أقلّ من عشرين كليومتراً، تفوقاً في مواجهات قوية مع كتائب المعارضة السورية، التي تتمركز في بلدات باشكوي وحيان وبيانون ورتيان، التي تُعدّ جميعها من المعاقل المهمة للمعارضة السورية، شمالي حلب.

ومن شأن السيطرة على بلدتي حندرات وسيفات وعلى النقاط الاستراتيجية المحيطة بها، أن تسمح للعناصر التابعة للنظام، بالتقدّم نحو الجنوب الغربي، بحيث تقترب أكثر من طريق الكاستلو، وهو الطريق الأخير الذي تستخدمه قوات المعارضة في إمداد قواتها الموجودة في مدينة حلب.

في كلّ الأحوال، فإنّ إحراز قوات النظام على أي تقدم جديد في المنطقة، سواء عبر تقدّمها غرباً في اتجاه بلدتي نبّل والزهراء، أو جنوباً نحو طريق الكاستلو، سيؤدّي إلى فصل قوات المعارضة السورية المتمركزة في مدينة حلب، عن مناطق سيطرة قوات المعارضة في ريف حلب الشمالي، ما يعني وقوع مناطق سيطرة المعارضة السورية في مدينة حلب تحت حصار كامل. وبالتالي لن تكون قوات المعارضة المتمركزة في مدينة حلب، قادرة على صدّ المحاولات المتكررة، التي تقوم بها قوات النظام لاقتحام مناطق سيطرتها، شمال وشرقي وجنوبي المدينة.

وقد حاولت قوات النظام، أمس الاثنين، التقدّم على محور كنيسة دير وارطان في حي بستان الباشا، فتصدّت لها كتائب المعارضة، ممثّلة في ألوية "فجر الحريّة"، وتمكّنت بحسب مهند أبو الحسن، القائد الميداني لها، من تدمير مدرّعة ناقلة للجند من نوع "ب أم ب" ، وصدّ جميع محاولات التسلّل إلى المنطقة عبر محوري كنسية دير وارطان ومديرية أكثار البذار.

ويأتي تقدم قوات النظام في ريف حلب الشمالي، بعد يومين من حديث رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، عن إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، للحدّ من تدفّق اللاجئين السوريين إلى الأراضي التركيّة، مع تصاعد وتيرة الصدام المسلح على الأراضي السورية.

ولم يحدّد أوغلو في تصريحاته، المناطق التي تسعى تركيا إلى إقامتها منطقة آمنة، لكنّه تحدّث بعبارات عامة عن شمول تلك المنطقة التي تسعى تركيا إلى إقامتها، مناطق في ريف محافظة الحسكة، شرقي سورية، ومناطق تل أبيض وعين العرب وجرابلس شمال شرق حلب، ومناطق ريف حلب الشمالي.

ويبدو أن قوات النظام السوري بدأت تسعى في الأيام الأخيرة إلى تحقيق المزيد من التقدّم على جبهات القتال في ريف حلب الشمالي، لتفرض واقعاً ميدانيّاً يصبح الحديث معه عن منطقة آمنة يلجأ إليها الهاربون من القصف والاشتباكات المستمرة في الشمال السوري غير مجدٍ.

ذلك على الرغم من تأكيد أوغلو في تصريحاته أن المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا إلى إقامتها في الشمال السوري ليس ذات طبيعة عسكرية، وبالتالي لن تكون منطقة عازلة بالمعنى المعروف وإنما مجرد منطقة آمنة يضمن فيها الهاربون من القصف والاشتباكات المستمرة الحفاظ على حياتهم، وتخفف من العبء الذي تتحمله تركيا نتيجة لجوء أكثر من مليوني مواطن سوري إلى أراضيها في السنتين الأخيرتين، نتيجة تدهور الأوضاع الميداني المستمر في الشمال السوري.

المساهمون