سورية: المليشيات الكردية تُلْزم المقيمين والنازحين بالتجنيد العسكري

27 يونيو 2017
مقاتل كردي يدقق بأوراق شخص بمنطقة الإدارة الذاتية بسورية(Getty)
+ الخط -
تشن الشرطة العسكرية التابعة لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية حملات دهم واعتقال بحثاً عن الشبان من عمر 18 عاماً وما فوق، في جميع المناطق التي تسيطر عليها شمال شرق سورية، في إطار قوانينها الجديدة الخاصة بالتجنيد للخدمة العسكرية. وذكرت مصادر محلية أن الحملة تستهدف ملاحقة المطلوبين لقانون "واجب الحماية الذاتية" أو التجنيد الإجباري الذي يطاول أهل المنطقة، إضافةً إلى جميع النازحين والوافدين من الداخل قبل عام 2011، وما يسمى بـ"عرب الغمر". وأوضحت المصادر أن المطلوبين ما بين 18 و30 عاماً يخضعون لدورات تدريبية لمدة 45 يوماً قبل أن يساقوا للخدمة لمدة تسعة أشهر.

وقال الصحافي الكردي، رومان يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن "وحدات الحماية" بدأت فعلياً في سحب المطلوبين للخدمة العسكرية دون تمييز بين مقيم ووافد، مشيراً إلى أن المجند يتقاضى خلال أداء الخدمة راتباً شهرياً يقدر بنحو 80 دولاراً أميركياً، بينما يتقاضى المتطوع في الوحدات راتباً يصل إلى 200 دولار في الشهر. وأوضح أن الشخص غير المقيم بشكل دائم في مناطق الإدارة الذاتية، يستطيع السفر وتجنب الخدمة العسكرية مقابل 200 دولار، معرباً عن اعتقاده بأن هناك نحو 10 آلاف شخص تطوعوا في صفوف "وحدات الحماية الكردية" و"قوات سورية الديمقراطية" خلال الفترة الماضية.

وعزا يوسف هذه القرارات إلى أن مناطق "الإدارة الذاتية" تضم مناطق واسعة وعدداً كبيراً من السكان وفيها أكثر من ألفي قرية، وكل قرية تحتاج إلى قوات حفظ النظام العام وشرطة، فضلاً عن القوات العسكرية التي تقاتل تنظيم "داعش" في الرقة وغيرها. ورأى أن الإجراءات الجديدة قد يكون أحد أهدافها "تشجيع العرب على الالتحاق بالخدمة في مناطقهم المحررة، لكونهم يعرفون المنطقة وأهلها، إضافة إلى الحاجة الماسة لتغطية المناطق المحررة والإمساك بالأرض حتى لا يكون هناك أي فراغ، فضلاً عن وجود رواتب جيّدة تغطي مصاريفهم ومعيشتهم".

وحول ردود فعل الناس على هذه الإجراءات، قال يوسف إن هناك انتقادات من جانب مجموعات المعارضة السورية، وبعض التذمر، خاصةً من جانب الوافدين لهذه المناطق ممن هربوا أصلاً من الموت والقصف بحثاً عن حياة هادئة نسبياً، وليس للذهاب إلى الحرب والقتال مجدداً. وأشار إلى أن نصّ قانون الخدمة الإلزامية سيعدل على الأرجح باتجاه منح جميع المطلوبين للخدمة الذين بحوزتهم إقامات في تركيا أو في إقليم كردستان أو دول أوروبية أو عربية أخرى، إمكانية تأجيل الخدمة لمدة سنة قابلة للتجديد عدة مرات، بعد دفع رسم 200 دولار في كل مرة.


وتفيد مصادر كردية محلية بأن بعض المسؤولين في الإدارة استعانوا بدوائر النفوس التابعة لحكومة النظام السوري في كل منطقة للحصول على إحصائية دقيقة عن "عرب الغمر" في المنطقة، إضافةً لتشكيل لجان محلية في كل قرية من قرى المغمورين، بشمال سورية، لتسجيل أسماء المكلفين بالخدمة وتبليغهم بذلك خلال مدة أقصاها شهر للالتحاق بشُعب التجنيد التابعة للإدارة.

وكانت "الإدارة الذاتية" أعفت سابقاً سكان قرى المغمورين والنازحين من المحافظات الأخرى من الخدمة العسكرية. ويقدر عدد قرى عرب الحسكة بأكثر من 40 قرية تتوزع في محيط مناطق رأس العين والقامشلي وعامودا، وسكانها مواطنون عرب نُقلوا إلى محافظة الحسكة، بعدما غمرت مياه بحيرة سد الفرات بيوتهم عام 1974. ولم يستبعد ناشطون أن يكون قرار تجنيدهم محاولة من جانب الإدارة الذاتية الكردية لترحيلهم نحو محافظة الرقة، مشيرين إلى أن حملة التجنيد الجديدة سببها النقص الكبير في أعداد مقاتلي مليشيات "وحدات حماية الشعب" و"قوات سورية الديمقراطية"، لا سيما في ضوء مغادرة معظم شبان المحافظة العرب والأكراد هرباً من تجنيدهم في القتال.

وقال الناشطون إن حملة التجنيد طاولت لأول مرة طلاب كليات جامعة "الاتحاد" من محافظتي دير الزور والرقة. واعتقلت المليشيات نحو 40 شاباً، ونقلتهم إلى ما يسمى مقر القيادة العامة في حي الكلاسة بمدينة الحسكة. كما اعتقلت آخرين من طلاب كلية الهندسة المدنية في حي النشوة، جميعهم من مدينة الرقة. كما ألقت الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية والتي تضاعف حجمها مرتين في الآونة الأخيرة، القبض على عشرات الشبان، من أبناء دير الزور والرقة، القاطنين في محافظة الحسكة، ممن تراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً بقصد سوقهم إلى الخدمة العسكرية، وذلك بعد تحديد الخامس من يوليو/ تموز المقبل، تاريخاً لمنحهم دفاتر تجنيد، وسوقهم إلى معسكرات التدريب، أو تأجيلهم إن كانوا طلاباً.

وتجدر الإشارة إلى أن قوانين "الإدارة الذاتية" الكردية لا تقتصر على مسألة الخدمة العسكرية. وسبق للإدارة منذ تشكلها قبل عدة سنوات أن أصدرت قوانين عدة تتعلق بحياة الناس اليومية سواء في التعليم أم القوانين والقضاء وغير ذلك، وهو ما تسبب في ازدواجية في التعليم والقوانين وعمل القضاء، في العديد من المناطق التي تخضع لسلطة مشتركة من جانب "وحدات الحماية الكردية" وقوات النظام السوري، كما هو حال محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي للبلاد.

وكانت "الإدارة الذاتية" لجأت إلى الاستيلاء على المدارس الابتدائية بحجة تدريس اللغة الكردية، ما دفع النظام إلى إغلاق جميع المدارس التي دخلتها "الإدارة الذاتية" والتي فرضت عليها اعتباراً من مطلع العام الماضي مناهج تعليمية خاصة بها تتضمن التعليم باللغة الكردية وحدها حتى الصف الثالث الابتدائي، ثم إدخال العربية إلى جانبها في الصف الرابع. وهذا الأمر دفع بحكومة النظام السوري إلى تهديد الكادر التعليمي بقطع الراتب والفصل من الوظيفة، لكل من يدخل إلى أي مدرسة تطبق مناهج "الإدارة الذاتية". في المقابل، عمدت الأخيرة إلى تأهيل "مدرسين" على عجل، بعد إخضاعهم لدورة تدريبية قصيرة. وقد تسبب ذلك في اضطراب العملية التعليمية، ما دفع الكثير من الأهالي إلى نقل أبنائهم إلى المدارس الخاصة أو إلى مدارس النظام التي اكتظت بالطلاب، وبينهم أعداد كبيرة من العرب والآشوريين ممن لا يتقنون اللغة الكردية.

ويشكو الأهالي من أن مناهج "الإدارة الذاتية" الكردية تقوم على التعصب القومي للأكراد، وإهمال ثقافة المكونات الأخرى لسكان المنطقة. وقد دفع كل ذلك إلى زيادة الهجرة خارج المناطق الكردية وتفريغها بشكل مستمر من سكانها، وزيادة الهجرة من الريف إلى المدينة بغية تسجيل الأطفال في المدارس الخاصة التي تُدرّس مناهج التربية الرسمية.

وعلى الصعيد القضائي، لجأت "الإدارة الذاتية" إلى إحداث المحاكم منذ عام 2012 في بعض المناطق، كالقامشلي وعامودا والدرباسية والمالكية، ثم في الحسكة وعفرين وكوباني (عين العرب) ومنبج، وكانت تسمى بمحاكم الشعب. إلا أنه في شهر إبريل/ نيسان 2016، أصبحت تسمى بـ"دواوين العدالة". وحتى ذلك التاريخ، كانت توجد محكمة النقض، التي تنظر في القضايا التي يتم الطعن فيها بعد صدور قرار محكمة الاستئناف. إلا أنه بعد ذلك، تم الاستغناء عن محكمة النقض، والاكتفاء بقرارات محكمة التمييز التي كانت تسمى سابقاً محكمة الاستئناف، وذلك بهدف الإسراع في البت بالقضايا المرفوعة، وكل ذلك في ظل الافتقار للقضاة والمحامين. وهذا الواقع، أي وجود نظامين قضائيين في المنطقة ذاتها يعمل كل منهما بآلية مختلفة، وانعدام التنسيق بينهما لعدم وجود اعتراف من قبل النظام السوري بالهيئات القضائية لـ"الإدارة الذاتية" الكردية، أوجد ازدواجيةً وتناقضاً في الأحكام، ما يفاقم من حالة عدم المساواة بين المواطنين.

المساهمون