سورية: اغتيال قادة "جيش الأمة" محاولة لتقويض "الحر"

02 أكتوبر 2014
ازدياد عمليات الاغتيال في الغوطة (أحمد علي/ الأناضول)
+ الخط -
لم يمرّ إعلان عدد من فصائل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، اندماجها قبل عشرة أيام، ضمن تشكيل موحد أطلق عليه "جيش الأمة"، على خير. فلم يمضِ أكثر من اثني عشر يوماً على تشكيله وتنصيبه قائد لواء "شهداء دوما" أبو صبحي طه، الملقب بأبي أحمد، قائداً عسكرياً له، حتّى تعرض "جيش الأمة" إلى ثلاث محاولات اغتيال، استهدفت قادته، كان أولها بعد يومين فقط من تشكيله، حين اغتال مسلحون أحد قادة لواء "أسود الغوطة"، بشير الأجوة. وتسبب اغتيال الأخير بموجة غضب واستياء وفوضى في صفوف عناصر اللواء، بعد انتشار حواجز خاصة داخل مدينة دوما، لمحاولة البحث عن القاتل.

ولم تحقق محاولة الاغتيال الثانية، والتي استهدفت القائد العسكري لـ "جيش الأمة" أبو طه، أهدافها، إذ وعلى الرغم من إلصاق عبوتين ناسفتين بسيارته في دوما، تمكّن من النجاة، فأصيب مرافقه موفق الشيخ بكري، الذي قاد السيارة قبل الوقت المعتاد لخروج طه، وكان الأخير بعيداً إلى حد ما عن مكان الحادثة.

وتتابعت محاولات الاغتيال، فاستهدفت العمليّة الثالثة نائب قائد "جيش الأمة"، فهد الكردي المكنى بأبي محمود، وهو قائد لواء "فتح الإسلام"، الذي قتل في منطقة الأشعري في الغوطة الشرقية، بعد إطلاق الرصاص عليه من قبل مجموعة مسلّحة مجهولة.

ويقدّم "جيش الأمة" نفسه على أنّه تنظيم عسكري وسياسي، يهدف وفق بيان تأسيسه، إلى إسقاط النظام ورموزه، وحماية المدنيين ووحدة التراب السوري، وتنسيق العمل العسكري مع كافة الفصائل والقيادات ضمن جسم واحد، بهدف الاتجاه نحو قيادة عامة موحدة على أرض سورية. ويوضح مدير المكتب الإعلامي لـ "جيش الأمة"، أمير الشامي، لـ "العربي الجديد"، بأنّ الجيش ليس فصيلاً تتوحّد فيه القيادات، وإنما اندماج لكبرى التشكيلات العسكرية في الغوطة الشرقية وعموم سورية، وهو يضمّ ألوية "شهداء دوما"، و"أسود الغوطة"، و"الفاروق عمر"، و"فتح الشام"، و"شهداء عربين"، و"أنصار الأمة"، و"السيف الدمشقي"، و"حرملة بن الوليد"، و"زيد بن ثابت" و"فوج المهام الخاصة".

وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرض لها "جيش الأمة" غداة تشكيله، في ما يبدو وكأنه مشروع عسكري وسياسي جديد تابع لـ "الجيش الحر"، لكنّه يرفض الانضمام إلى القيادة العسكرية الموحدة التي تضمّ كبرى فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية ويغلب عليها الطابع الإسلامي، وتأسست قبل نحو شهر بقيادة قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، لكنّ محاولات الاغتيال المذكورة، لا تقف عند مجموعة مسلّحة لها مقاصد شخصيّة، بقدر ما تشير إلى وجود جهة منظّمة أصدرت أوامر بتصفية "جيش الأمة"، عبر اغتيال قادته.

ويمكن تعداد أسباب كثيرة تحرّك دوافع عمليات الاغتيال السابقة، ويأتي في مقدّمها، محاولة تقويض "الجيش الحر" في الغوطة الشرقية، إذ يعتبر "جيش الأمة" المشروع الأبرز التابع لـ "الجيش الحر" في المنطقة، منذ طرد القوات النظاميّة من الغوطة الشرقية قبل نحو عامين، ما يعني أنه ثمة اختلاف إيديولوجي بحت، بين الأخير وبقية الفصائل الإسلامية العاملة في الغوطة الشرقية. كما أنّ خشية الفصائل الإسلاميّة من اتّساع دور "الجيش الحر" في المنطقة خلال المرحلة المقبلة واضحة، وعلى الرغم من أنّ ضربات التحالف الدولي على سورية، والتي بدأت ضد تنظيمي "داعش" والنصرة"، ثم شملت "جيش المهاجرين والأنصار"، و"شام الإسلام" لم تقترب من دمشق وريفها، لكنّ موافقة الكونغرس الأخيرة على قرار الإدارة الأميركية بدعم المعارضة المعتدلة، ربما يكون مبعث قلق لهذه الفصائل، التي تحاول هي الأخرى البحث عن نفسها في هذا الوقت، وتخشى من تراجع دورها مقابل تعاظم قوة "الجيش الحر".

ومن بين الأسباب أيضاً، وجود كتائب وفصائل كثيرة في الغوطة الشرقية، كـ "جيش الأمة"، و"فيلق عمر"، و"القيادة العسكرية الموحدة"، ناهيك عن "جبهة النصرة"، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وعلى الرغم من طرد الأخير، مؤخراً، إلى حي الحجر الأسود بدمشق، لكنّ الأمر لا يخلو من وجود خلايا نائمة لمقاتليه، ما يجعل أسباب الخلاف والنقمة بين الفصائل كثيرة، عبر القضاء على قيادييها وتشكيل فصائل من جديد تحت مسميات أخرى، وقد شهدت الثورة السوريّة نماذج كثيرة منذ انطلاقتها.

ويربط البعض أيضاً بين عمليات الاغتيال وواقعة غياب الأمن والأمان عن المنطقة، حيث يمكن اغتيال أي فرد في أي وقت، ويساهم ذلك في تحويل الغوطة، إلى بيئة سهلة وخصبة للاغتيالات. ويضاف إلى هذه العوامل، عامل آخر مبني على أن قائد "جيش الأمة" الحالي، أبو صبحي طه، كان قد تعرض لمحاولات اغتيال سابقة، حين كان قائداً للواء "شهداء دوما"، ما قد يشير إلى مخاوف من أن تكون مسألة الزعامات هي من تقف وراء عمليات الاغتيال.

أما بالنسبة للجهات التي قد تلجأ لاغتيال قادة "الجيش الحر"، فالمتهم الأول دائماً هو النظام السوري، والذي يبدو أنه أضحى شمّاعة الفصائل المقاتلة ضدّه في ردود الفعل الأوليّة، وأشار طه إلى ذلك بنفسه، في كلمة ألقاها خلال تشييع الكردي، بقوله "إنّ كانت هذه الأيادي الغادرة من النظام فهو شرف عظيم لنا، ولكن إن كانت من الإخوة، فلا يريق دم المسلم إلا من خرج من قلبه الإيمان".

وعلى الرغم من أنّ طه قد اتّهم النظام في العبارة الأولى، لكنّه استبعد تنظيم "داعش" في العبارة الثانية حين وصف من أراق دم المسلم بـ"الإخوة"، انطلاقاً من أنّ الخلاف العميق بين "الجيش الحر" و"داعش" لا يخفى على أحد، وقد تسبّب بمعارك دامية بين الجانبين، منذ مطلع العام الحالي، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى. وفي الوقت ذاته، أراد طه أن يوصل رسالة مفادها ربما، أنّه ليس هناك خلاف ظاهر بين "جيش الأمة" والمسؤولين عن قتل قادته. ورداً على سؤال حول الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال، أوضح طه، أن "هناك أياد آثمة تتحرّك بحرية في الغوطة، بهدف تصفية جميع قيادات الجيش الحر، الذين شاركوا قبلاً بتحرير الغوطة".