24 أكتوبر 2024
سورية .. أرض استقطاب "الجهاديين"
منذ تحول الثورة السورية إلى صراع مسلح، وازدياد قوة المجموعات المسلحة الإسلامية، أصبحت سورية موقع استقطاب للمتطوعين الجهاديين من كل العالم. وزادت أعداد الجهاديين المستقطبين بعد سيطرة تنظيم داعش على محافظة الموصل في العراق، ومناطق واسعة من الأراضي السورية، في مقدمها مدينة الرقة، وهي أول موقع سقط في يد تنظيم داعش.
تقدر الأمم المتحدة، أن الصراع في كل من سورية والعراق استقطب نحو 25 ألف مقاتل جهادي، من مائة بلد إلى صفوف الجماعات المسلحة، مثل "داعش" أو "القاعدة". وفي مطلع يونيو/حزيران الجاري، أعلن الأمين العام لمنظمة الشرطة الدولية (إنتربول)، يورغن شتوك، تحديد هويات أكثر من أربعة آلاف مقاتل أجنبي انضموا إلى الجماعات الجهادية في مناطق النزاع، خصوصاً في العراق وسورية. وقال إن شرطة الإنتربول كانت قد تحققت، في سبتمبر/أيلول 2014، من هوية 900 مقاتل إرهابي أجنبي على الأقل.
وكتبت البريطانية، ماري جيفسكي، في صحيفة الغارديان البريطانية، تحت عنوان "الصراع في العراق وسورية لا يمكن أن يحله مقاتلون غربيون" إن هذا الوضع في البلدين "لا يجب أن يجر الغرب لإرسال مقاتلين أو قوات برية. لكن، ينبغي أن تركز أوروبا على تفادي التهديد الذي يشكله العائدون من هذه المناطق. وتوضح، أنه إذا لم يكن الصراع في العراق وسورية دولياً، أو يؤثر على العالم، فإنه من الكافي أن ننظر إلى الخطر الذي يشكله أفراد تشبعوا بالأيديولوجيات المختلفة، وتمرسوا على القتال وحصلوا على تدريبات وخبرة عسكرية، إذا قرروا العودة إلى أوطانهم في أوروبا. وتعتبر جيفسكي أن إحصاءات الأمم المتحدة والتقرير الصادر عنها عن المعارك في العراق وسورية يعطي دعماً أكبر لمخاوف الأجهزة المخابراتية الغربية، وفي مقدمها "أم أي-5" و"أم أي-6" البريطانيان، من التهديد الذي يشكله المواطنون الغربيون العائدون من هذه المناطق.
ويستند تحليل الصحافية البريطانية على المعطى السطحي للظاهرة. لكن، يمكن قراءة مواقف غربية أكثر عمقاً، يتضمنها كلام الصحافية، والأهم يتضمنها السلوك السياسي للدول الغربية تجاه الأوضاع، في كل من العراق وسورية، لكن هذه المواقف تمارس على الأرض من دون الإعلان الرسمي عنها. فالواضح، بعد أربع سنوات على انفجار الصراع في سورية، وبعد عام من سيطرة "داعش" على محافظة الموصل في العراق، وكميات السلاح التي تُركت له في المحافظة، أن كلاً من حكومة نوري المالكي ونظام بشار الأسد قد غذيا "داعش" والقوى الجهادية، بكل الأشكال، المباشرة وغير المباشرة، حتى يُظهرا أن البدائل منهما بوصفها بدائل إرهابية سيئة، لا تقارن بسوء سلطاتهم القمعية. وإذا بات هذا معروفاً على نطاق واسع، فإن السلوك السياسي الغربي غير المعلن، هو ما بدأ يتكشف، أخيراً، وبشكل غير مباشر، من رغبة الدول الغربية في التخلص من مواطنيها "الجهاديين" بوصفهم قنابل موقوتة داخل المجتمعات الغربية نفسها، إلى قنابل يتم تصديرها خارج هذه المجتمعات، بذهابهم إلى سورية والعراق، ولا شك أنه، بفضل سورية والعراق، بوصفهما من دول الاستقطاب الجهادي الرئيسية، كشفت أجهزة الأمن الغربية أشخاصاً كثيرين التحقوا بالتنظيمات الجهادية، لم يكونوا معروفين سابقاً. وإذا كان من الصحيح أن عودة هؤلاء تشكل خطراً على المجتمعات الغربية، فلا شك أن هذا الخطر، في كل الحالات، أقل من وجودهم كخلايا نائمة وغير معروفة داخل المجتمعات الغربية.
يكتب الصحافي البريطاني، سوماس ميلين، في "الغارديان" تحت عنوان "الآن تنكشف الحقيقة: كيف ساهمت الولايات المتحدة في بزوغ نجم تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق". إن داعش، الحزب الطائفي الإرهابي، لن يُهزم من القوى نفسها التي ساهمت في تكوينه، وإن حملة الحرب على الإرهاب التي بدأها الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، منذ 14 عاماً، والتي بدا أنها لن تنتهي، بدأ الحبل يلتف حول عنقها. ويذكر ميلين، أن "محكمة بريطانية اضطرت إلى إيقاف محاكمة رجل سويدي، يدعى بيرلهين غيلدو، بتهمة ممارسة الإرهاب في سورية، بعد الكشف عن أن المخابرات البريطانية كانت تمول الجماعة المعارضة التي ينتمي إليها.
الموقف المعلن للولايات المتحدة من الوضعين في سورية والعراق واضح وفج، فمن وجهة النظر الأميركية، وقبل سيطرة "داعش" على الموصل في العراق، لم يكن هذا التنظيم يشكل خطراً جدياً على الولايات المتحدة ومصالحها. لكن، عندما وجد على أرض عراقية، وبات يهدد مواقع النفط، بات خطراً محدقاً، وأصبح من الضروري التخلص منه، لكن التخلص منه في العراق فقط. الموقف الأميركي في غاية الفجاجة والوقاحة، المطلوب حسب الموقف الأميركي المعلن، طرد "داعش" من العراق وإضعافه في سورية. أي من المطلوب أن تبقى سورية موقعاً جاذباً يتجمع الجهاديون فيه من كل العالم، لتسهل مراقبتهم، إضافة إلى إبقاء سورية الموقع المشتعل الذي يعمل على امتصاص صراعات المنطقة، حيث تلعب سورية الدور الذي لعبته لبنان في سبعينيات القرن المنصرم، بوصفها إسفنجة امتصاص الصراعات في المنطقة. لكن، على مستوى أوسع وأكبر من الدور الذي كانت تقوم به لبنان في السبعينيات.
لا يخفى، اليوم، أن تأثير القوى الدولية والإقليمية في سورية أكبر بكثير من تأثير القوى الداخلية السورية، ففعاليتها في الصراع واستمراره أكبر بكثير من قدرة الأوضاع الداخلية السورية على حسمه لمصلحة الثورة أو النظام. وهذا لا يعني أن الثورة السورية انطلقت بفعل خارجي، بل على العكس. في سورية، كان هناك فائض من الأسباب لانفجار ثورة شعبية في مواجهة نظام وحشي استئثاري في كل شيء. لكن الموقف المائع للولايات المتحدة، وعدم الرغبة الدولية في إطاحة نظام الأسد، دفع الوضع السوري إلى أن يكون محكوماً من قوى خارجية إقليمية ودولية. ويبدو أن الإدارة الأميركية تفضل أن تبقى سورية إسفنجة المنطقة، ومغناطيس الإرهابيين في العالم سنوات مقبلة.
تقدر الأمم المتحدة، أن الصراع في كل من سورية والعراق استقطب نحو 25 ألف مقاتل جهادي، من مائة بلد إلى صفوف الجماعات المسلحة، مثل "داعش" أو "القاعدة". وفي مطلع يونيو/حزيران الجاري، أعلن الأمين العام لمنظمة الشرطة الدولية (إنتربول)، يورغن شتوك، تحديد هويات أكثر من أربعة آلاف مقاتل أجنبي انضموا إلى الجماعات الجهادية في مناطق النزاع، خصوصاً في العراق وسورية. وقال إن شرطة الإنتربول كانت قد تحققت، في سبتمبر/أيلول 2014، من هوية 900 مقاتل إرهابي أجنبي على الأقل.
وكتبت البريطانية، ماري جيفسكي، في صحيفة الغارديان البريطانية، تحت عنوان "الصراع في العراق وسورية لا يمكن أن يحله مقاتلون غربيون" إن هذا الوضع في البلدين "لا يجب أن يجر الغرب لإرسال مقاتلين أو قوات برية. لكن، ينبغي أن تركز أوروبا على تفادي التهديد الذي يشكله العائدون من هذه المناطق. وتوضح، أنه إذا لم يكن الصراع في العراق وسورية دولياً، أو يؤثر على العالم، فإنه من الكافي أن ننظر إلى الخطر الذي يشكله أفراد تشبعوا بالأيديولوجيات المختلفة، وتمرسوا على القتال وحصلوا على تدريبات وخبرة عسكرية، إذا قرروا العودة إلى أوطانهم في أوروبا. وتعتبر جيفسكي أن إحصاءات الأمم المتحدة والتقرير الصادر عنها عن المعارك في العراق وسورية يعطي دعماً أكبر لمخاوف الأجهزة المخابراتية الغربية، وفي مقدمها "أم أي-5" و"أم أي-6" البريطانيان، من التهديد الذي يشكله المواطنون الغربيون العائدون من هذه المناطق.
ويستند تحليل الصحافية البريطانية على المعطى السطحي للظاهرة. لكن، يمكن قراءة مواقف غربية أكثر عمقاً، يتضمنها كلام الصحافية، والأهم يتضمنها السلوك السياسي للدول الغربية تجاه الأوضاع، في كل من العراق وسورية، لكن هذه المواقف تمارس على الأرض من دون الإعلان الرسمي عنها. فالواضح، بعد أربع سنوات على انفجار الصراع في سورية، وبعد عام من سيطرة "داعش" على محافظة الموصل في العراق، وكميات السلاح التي تُركت له في المحافظة، أن كلاً من حكومة نوري المالكي ونظام بشار الأسد قد غذيا "داعش" والقوى الجهادية، بكل الأشكال، المباشرة وغير المباشرة، حتى يُظهرا أن البدائل منهما بوصفها بدائل إرهابية سيئة، لا تقارن بسوء سلطاتهم القمعية. وإذا بات هذا معروفاً على نطاق واسع، فإن السلوك السياسي الغربي غير المعلن، هو ما بدأ يتكشف، أخيراً، وبشكل غير مباشر، من رغبة الدول الغربية في التخلص من مواطنيها "الجهاديين" بوصفهم قنابل موقوتة داخل المجتمعات الغربية نفسها، إلى قنابل يتم تصديرها خارج هذه المجتمعات، بذهابهم إلى سورية والعراق، ولا شك أنه، بفضل سورية والعراق، بوصفهما من دول الاستقطاب الجهادي الرئيسية، كشفت أجهزة الأمن الغربية أشخاصاً كثيرين التحقوا بالتنظيمات الجهادية، لم يكونوا معروفين سابقاً. وإذا كان من الصحيح أن عودة هؤلاء تشكل خطراً على المجتمعات الغربية، فلا شك أن هذا الخطر، في كل الحالات، أقل من وجودهم كخلايا نائمة وغير معروفة داخل المجتمعات الغربية.
يكتب الصحافي البريطاني، سوماس ميلين، في "الغارديان" تحت عنوان "الآن تنكشف الحقيقة: كيف ساهمت الولايات المتحدة في بزوغ نجم تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق". إن داعش، الحزب الطائفي الإرهابي، لن يُهزم من القوى نفسها التي ساهمت في تكوينه، وإن حملة الحرب على الإرهاب التي بدأها الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، منذ 14 عاماً، والتي بدا أنها لن تنتهي، بدأ الحبل يلتف حول عنقها. ويذكر ميلين، أن "محكمة بريطانية اضطرت إلى إيقاف محاكمة رجل سويدي، يدعى بيرلهين غيلدو، بتهمة ممارسة الإرهاب في سورية، بعد الكشف عن أن المخابرات البريطانية كانت تمول الجماعة المعارضة التي ينتمي إليها.
الموقف المعلن للولايات المتحدة من الوضعين في سورية والعراق واضح وفج، فمن وجهة النظر الأميركية، وقبل سيطرة "داعش" على الموصل في العراق، لم يكن هذا التنظيم يشكل خطراً جدياً على الولايات المتحدة ومصالحها. لكن، عندما وجد على أرض عراقية، وبات يهدد مواقع النفط، بات خطراً محدقاً، وأصبح من الضروري التخلص منه، لكن التخلص منه في العراق فقط. الموقف الأميركي في غاية الفجاجة والوقاحة، المطلوب حسب الموقف الأميركي المعلن، طرد "داعش" من العراق وإضعافه في سورية. أي من المطلوب أن تبقى سورية موقعاً جاذباً يتجمع الجهاديون فيه من كل العالم، لتسهل مراقبتهم، إضافة إلى إبقاء سورية الموقع المشتعل الذي يعمل على امتصاص صراعات المنطقة، حيث تلعب سورية الدور الذي لعبته لبنان في سبعينيات القرن المنصرم، بوصفها إسفنجة امتصاص الصراعات في المنطقة. لكن، على مستوى أوسع وأكبر من الدور الذي كانت تقوم به لبنان في السبعينيات.
لا يخفى، اليوم، أن تأثير القوى الدولية والإقليمية في سورية أكبر بكثير من تأثير القوى الداخلية السورية، ففعاليتها في الصراع واستمراره أكبر بكثير من قدرة الأوضاع الداخلية السورية على حسمه لمصلحة الثورة أو النظام. وهذا لا يعني أن الثورة السورية انطلقت بفعل خارجي، بل على العكس. في سورية، كان هناك فائض من الأسباب لانفجار ثورة شعبية في مواجهة نظام وحشي استئثاري في كل شيء. لكن الموقف المائع للولايات المتحدة، وعدم الرغبة الدولية في إطاحة نظام الأسد، دفع الوضع السوري إلى أن يكون محكوماً من قوى خارجية إقليمية ودولية. ويبدو أن الإدارة الأميركية تفضل أن تبقى سورية إسفنجة المنطقة، ومغناطيس الإرهابيين في العالم سنوات مقبلة.