في غزة عدد من اللاجئين السوريين الذين هربوا من الحرب في بلادهم ولجأوا إلى القطاع الفلسطيني المحاصر. وبعد مرور 4 سنوات على الحرب في سورية، يعمل هؤلاء في مجالات متعددة، منها افتتاح مطعم سوري بالكامل، في عماله ومأكولاته وتصميمه، هو مطعم "سوريانا". وعلى أحد المفترقات تبرز لافتة المطعم بطربوش يزينها ومعها شوارب مرفوعة، تمثل علامة شامية مميزة، وهو مطعم يقبل عليه الغزاويون بشكل كبير منذ افتتاحه.
المطعم لم يكن كأي مطعم عادي بالنسبة لأصحابه، فهو يحمل اسم "الوطن الذي ضاع" ونكهة مأكولاته الشامية والحلبية، لتحتفظ أذهانهم بحلم العودة. وللمطعم قصة خاصة بالشريك المؤسس، وريف قاسم حميدو (34 عاماً) وهو سوري من حلب شمال سورية، اضطر إلى مغادرة بلده بعد أن دمر مطعمه في منطقة العزيزية في حلب. ومن بعدها بدأت رحلته في محطات عدة ما بين تركيا ومصر، ليصل في النهاية إلى غزة بعد مشقة.
يقول لـ"العربي الجديد": "بعد الأحداث السورية ودمار غالبية المطاعم بالقرب من مطعمي، لم أجد أي لزوم لي للبقاء في مدينتي التي دمرت ولم يعد فيها أي مجال للعمل. انتقلت إلى تركيا للعمل، ومن بعدها سافرت بحراً إلى مصر التي عملت فيها طباخاً في مطعم".
أمضى حميدو في مصر ثمانية أشهر، عُرض عليه بعدها العمل في غزة التي تنقصها خبرة في المأكولات الشامية، لكن أصابته الحيرة لأن الأوضاع السورية تتشابه مع غزة، فكلتاهما تتعرض لعدوان وحصار. لكنه زار القطاع لمدة 10 أيام واطمأن للحياة فيه، وفرصة العمل هناك.
وعن ذلك يقول: "البيئة الغزاوية قريبة للبيئة الشامية، فتتشابه العادات والتقاليد كثيراً". ويضيف أنّه عندما حضر إلى غزة عمل في مطعم "أزمير" التركي. وفيه وجد إقبالاً كبيراً على المأكولات التركية والشامية. وعند ذلك قرر افتتاح مطعمه الخاص.
وعلى الرغم من أنّ حميدو متخصص في الهندسة الميكانيكية، وشريكه في المطعم أنس قاطرجي يحمل بكالوريوس في الإدارة، واختصاصهما بعيد عن المطاعم، إلا أنهما برزا في هذا المجال في غزة بشكل كبير.
ومن جهته، تشتهر عائلة أنس محمد قاطرجي (27 عاماً) وهو من مدينة حلب أيضاً، كواحدة من أبرز العائلات التاريخية في المدينة. كان مقيماً في منطقة قلعة حلب، وبدأ حياته في المطاعم منذ السابعة عشرة. وبالرغم من دراسته الإدارة لم يترك المطاعم إلاّ بعد تخرجه عندما عمل في شركة مقاولات تابعة لعائلته.
يستذكر قاطرجي بداية الأحداث التي عصفت بحلب، وكانت عائلته تملك مشاريع عدة في المدينة. وكان من أبرزها مطعم أثري هو مطعم "دار القلعة" الذي كان يصنف ضمن أشهر المطاعم التراثية في الشرق الأوسط، والذي دمر بشكل كامل في انفجار كبير، مع أجزاء من القلعة التاريخية. وكذلك، دمر حمام ميخان، وهو أحد أشهر الحمامات الإسلامية القديمة في سورية، والذي ورثته العائلة عن أجدادها وطورته، قبل أن يدمّر في غارة لطائرات النظام.
يقول قاطرجي لـ"العربي الجديد": "توجهت في فبراير/ شباط 2013 إلى مصر واستلمت مطعماً في مدينة 6 أكتوبر، أمضيت فيه 6 أشهر، وبعدها علمت بأنّ فرص العمل في مجال المأكولات الشامية متوافرة في قطاع غزة، فذهبت إلى هناك، وبدأت العمل في أحد المطاعم قبل التحاقي بوريف".
يشير قاطرجي إلى أنّ الإقبال الغزاوي كبير جداً على المأكولات السورية في مطعم سوريانا. كما يؤكد من جهة أخرى، أنّ أهل غزة يرحبون بالسوريين ويتبادلون معهم الزيارات، كي لا يشعروا بالغربة عن وطنهم، بعكس كثير من الدول الأخرى. وبالرغم من نجاح مطعمهما في غزة، يطمح حميدو وقاطرجي اليوم، في العودة إلى حلب لافتتاح فرع لمطعم سوريانا في مدينتهما بعد عودة السلام إليها. كما يخططان لافتتاح فرع في الضفة الغربية.