سهل الغاب وجبهة الساحل.. الهدف التالي للمعارضة في إدلب

30 مايو 2015
"جيش الفتح" اقتحم أريحا من 3 محاور (الأناضول)
+ الخط -

لم يكن خروج مدينة أريحا في محافظة إدلب من سيطرة قوات النظام السوري أمراً مفاجئاً، بعد طردها من باقي مدن المحافظة، إلا أن المفاجأة الوحيدة كانت الانهيار السريع لهذه القوات. فخلال ساعات قليلة أحكم مقاتلو "جيش الفتح" سيطرتهم على أريحا، التي كانت آخر ما تبقى بأيدي قوات النظام من مدن المحافظة، لينطلقوا بعدها إلى السيطرة على قرى جديدة أبرزها أورم الجوز، مكررين سيناريو تحرير مدينتي إدلب وجسر الشغور من قبل.

وواصل مقاتلو "جيش الفتح"، أمس الجمعة، ملاحقة قوات النظام باتجاه أورم الجوز، وأجبروها على الانسحاب باتجاه القياسات وحواجز بسنقول وبلدة محمبل، بعد تكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسط انهيار شبه كامل في حالتها المعنوية.

وقال ناشطون إن ثلاثة أرتال من قوات النظام وصلت إلى بلدة محمبل، بالتزامن مع حشود عسكرية لـ"جيش الفتح" حول ما تبقى لقوات النظام من حواجز. ولم يبقَ من هذه الحواجز سوى تلك المتمركزة على طريق جسر الشغور ـ أريحا من القياسات شرقاً، وحتى بلدة فريكة، وهي: القياسات، حرش بسنقول، حواجز بلدة بسنقول، بلدة محمبل، حاجز المعصرة، حاجز عين الحمرا، حاجز جنة القرى، حاجز تل حمكي، وقرية المشيرفة قبالته، قرية سلة الزهور، وأخيراً بلدة فريكة.

وكانت أرتال كبيرة من قوات النظام مؤلفة من 100 آلية تقريباً توجّهت باتجاه سهل الغاب، معظمها تلك التي كانت في مدينة أريحا. وعثر مقاتلو "جيش الفتح" على 7 جثث لمعتقلين في مفرزة الأمن العسكري داخل مدينة أريحا، جرى إعدامهم ميدانياً رمياً بالرصاص، قبل انسحاب عناصر المفرزة منها مع دخول "جيش الفتح" إليها.

وكان الحشد لمعركة أريحا قد بدأ منذ فجر الخميس، إذ استقدم "جيش الفتح" أعداداً كبيرة من المقاتلين والآليات الثقيلة إلى أطراف المدينة، ونصب مدافع مختلفة، بالتزامن مع رصد الطرق بين المدينة، ليبدأ الهجوم بعد الظهر بقصف مركّز على أطراف المدينة، قبل اقتحامها من ثلاثة محاور، مع ترك منفذ لانسحاب قوات النظام من الجهة الجنوبية.

واستهدف القصف نقاط الحماية من الجهة الغربية الشمالية المتمثلة بقريتي كفرنجد ومعترم، فدمروا سيارتين عسكريتين تقلان عدداً من عناصر قوات النظام، ليبدأ الهجوم الواسع عند الخامسة من عصر الخميس من جهة جبل الأربعين الذي سيطر المعارضون على أجزاء جديدة منه، ومن الجهة الشرقية على أطراف المدينة بعد تحرير قرية مصيبين، ومن الجهة الشمالية بعد تحرير معسكر المسطومة، حيث قصف مقاتلو "جيش الفتح" بالمدفعية الثقيلة والدبابات ومدافع الهاون ومدافع "جهنم"، مواقع قوات النظام، وحققوا إصابات مباشرة نظراً لقربهم من تلك المواقع.

وأكد ناشطون تدمير دبابة لقوات النظام في الجهة الغربية الشمالية للمدينة، وقتل نحو عشرين من قوات النظام بقيادة النقيب أحمد اليوسف، من القوات الخاصة في بلدة معترم، كما دمرت المعارضة مدفع 23 خلال الاشتباكات مع النظام في الجهة الشرقية للمدينة، ليبلغ مجمل ما دمّره "جيش الفتح" خلال ساعات الهجوم تسع آليات، من عربات ومدافع وسيارات محمّلة بالذخائر، إضافة إلى الاستيلاء على رشاشات ثقيلة، ومستودع للذخيرة من قرية كفر نجد.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تواصل تقدمها بريف إدلب

وقال المحلل العسكري أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، إن الخطة العسكرية التي وضعتها غرفة عمليات "جيش الفتح"، "اعتمدت على تحييد كل نقاط القوة التي اعتمد عليها النظام، سواء في جبل الأربعين أم في مصيبين ونحليا، وكان الهجوم من ثلاثة محاور وترك المحور الغربي لإبقاء خيار الانسحاب وتخفيف حدة المعركة داخل أريحا لتجنيب المدينة معركة تضر بالمدنيين، مع نصب كمائن على طرق انسحاب النظام نحو بلدة أورم الجوز". وأضاف رحال أن "المعركة سارت وفق مخطط المعارضة، والمفاجأة الوحيدة كانت الانهيار السريع لقوات النظام".

وحول الوجهة المقبلة لمقاتلي "جيش الفتح"، رأى رحال أنه ستكون هناك جبهات كبيرة خارجية إما باتجاه الساحل أو حماه أو استكمال تحرير حلب، لكن قبل ذلك سيتم التعامل مع قريتي الفوعا وكفريا، اللتين قال إن لهما وضعاً خاصاً، مستبعداً "أن تتم مهاجمتهما إذا واصلتا التزام نهج عدم المجابهة مع قوات المعارضة كما هو حاصل منذ تحرير مدينة إدلب، على أن يتواصل الحصار عليهما إلى حين التوصل إلى تسوية ما بشأنهما".

من جهته، قال الصحافي والناشط عماد كركص، إن سيناريو تحرير مدينة أريحا كان مشابهاً لتحرير مدينة إدلب ومعسكر المسطومة وجسر الشغور، إذ يترك "جيش الفتح" منفذاً لتفر منه قوات النظام حفاظاً على سلامة المدنيين، وخصوصاً بعد انهيار الحالة المعنوية لقوات النظام داخل المدينة، كما أفاد عناصر النظام الذين انشقوا في الأيام الاخيرة وسلموا أنفسهم لمقاتلي المعارضة.

كركص، المتحدّر من مدينة إدلب، لفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعارضة سيطرت على عدة نقاط جديدة في جبل الأربعين، بالتزامن مع الهجوم على القرى المحيطة بأريحا"، متوقّعاً أن "يتّجه مقاتلو المعارضة للسيطرة على ما تبقى من حواجز عسكرية لقوات النظام في سهل الغاب الشمالي وصولاً إلى بلدة جورين التي باتت تشكّل عقدة رئيسية لقوات النظام بعد أن خسرت جميع مواقعها القوية في المحافظة".

واعترفت صفحات موالية للنظام بسقوط المدينة، ووصفته بأنه "انسحاب منظّم باتجاه بلدتي أورم الجوز وكفر شلايا لتجنّب وقوع خسائر كبيرة"، لكنها عادت لاحقاً لتشير إلى انسحاب قوات النظام من أروم الجوز وكفر شلايا أيضاً.

ومع سيطرة المعارضة على أريحا وجبل الأربعين والقرى المجاورة لهما، تكون قوات المعارضة باتت على خط المواجهة مع البلدات الموالية للنظام مثل محردة والسقيلبية وسلحب، ولا يبقى بأيدي النظام في محافظة إدلب أي بلدة سكانية باستثناء قريتي كفريا والفوعة، اللتين من المتوقع أن تكون لهما معاملة خاصة تجنباً لأن تأخذ المسألة أبعاداً طائفية، إضافة إلى مطار أبو الظهور العسكري الذي من المتوقّع أن يكون هو الهدف التالي لـ"جيش الفتح" على الرغم من أنه محاصر كلياً وشبه مجمد.

وتقع أريحا جنوب مدينة إدلب وتتمتع بموقع استراتيجي وجغرافي هام، فهي ملتقى طريق اللاذقية ـ حلب، ويعتبرها النظام من نقاط الدفاع الأولى عن الساحل السوري بعد جسر الشغور. وكان "جيش الفتح" سيطر على مدينة جسر الشغور، وفي 22 مايو/ أيار الحالي سيطر على المستشفى الوطني فيها وقتل معظم الجنود الذين كانوا محاصرين خلال محاولاتهم الفرار.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية أمام تحدي إدارة إدلب

المساهمون