سنة الانتخابات والاحتجاجات في المغرب

29 ديسمبر 2015

من مظاهرة في الرباط ضد البطالة (20ديسمبر/2015/Getty)

+ الخط -
أهم ما ميّز سنة 2015 المنتهية، في المغرب، الانتخابات البلدية في شهر سبتمبر/ أيلول، وعودة الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع المغربي في أكثر من مدينة. قد لا تختلف هذه الصورة عمّا هو متوقع في العام المقبل الذي سيشهد انتخابات حاسمة، ولا شيء يؤكد أن الاحتجاجات التي شهدتها السنة المنتهية قد تتوقف فيه.
وبالعودة إلى الانتخابات البلدية، فقد كانت أكبر حدث سياسي عرفه المغرب في السنة المنتهية. فمنذ أن شهدت البلاد حراكاً شعبياً واسعاً بتأثيرٍ من رياح الربيع العربي عام 2011، دفع السلطة إلى تقديم إصلاحات سياسية، كان أهمها إخراج دستور جديد، كان يُترقب أن تجري الانتخابات البلدية مباشرة، بعد إجراء الانتخابات التشريعية في عام 2011، وحملت لأول مرة حزباً إسلامياً إلى رئاسة الحكومة. لكن، يبدو أن الحسابات السياسية للدولة العميقة في المغرب دفعتها إلى تأجيل تلك الانتخابات، خشية أن يكتسح نتائجها الإسلاميون، كما حصل في الانتخابات التشريعية.
وطوال أربع سنوات، كان يتم تأخير تلك الانتخابات، في انتظار أن تستنزف السلطة شعبية الإسلاميين في الشارع المغربي، فقد وجدت حكومتهم نفسها أمام الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي ورثتها عن سابقاتها، مجبرة على اتخاذ قرارات غير شعبية، مثل الزيادة في الأسعار وتحرير بعضها، والحد من التوظيف في الوظيفة العمومية، ووضع شروط مسبقة مشددة أمام خريجي الجامعات، للحصول على وظيفة عمومية. كما أٌجبرت، أمام مواقف كثيرة، على تقديم تنازلات لصالح سلطة الدولة العميقة في المغرب.
كان الهدف واضحاً: استنزاف شعبية الإسلاميين، ووضعهم في مواجهة مباشرة مع الشارع، ومع ناخبيهم، بعد أن وعدوهم بمحاربة الفساد، والوقوف في وجه "التحكم"، وهي عبارة مخففة، يستعملها إسلاميو الحكومة في المغرب، للإشارة إلى "التسلط" أو "الاستبداد".
لكن النتيجة كانت غير ما خطط له من كانوا يسعون إلى إنهاك إسلاميي الحكومة، فقد جاءت نتائج الانتخابات البلدية التي أجريت في خريف العام المنتهي لتؤكد شعبيتهم، وتزكّي نهجهم، عندما جاءوا على رأس الأحزاب المتنافسة، من حيث عدد الأصوات المعبر عنها.
إلا أن ما حصل، بعد ذلك، كان مخيباً لآمال الناخبين، خصوصاً الذين منحوا أصواتهم للإسلاميين، فالثقة التي منحتها الصناديق للإسلاميين ستبعثرها التحالفات التي أفرغت اللعبة السياسية من محتواها، وأفقدت شعاراتها من كل معنى حقيقي، لتتحول العملية، في نهاية المطاف، إلى مجرد استطلاع كبير للرأي، تلجأ إليه السلطة، من أجل معرفة الاتجاهات الكبيرة التي تمثل عمق المجتمع المغربي.
والنتيجة أنه حتى، بعد النتائج الكبيرة التي حصل عليها الإسلاميون في الانتخابات البلدية،
أخيراً، فإن وضعهم مازال لا يسمح لهم بتنفيذ برامجهم. وفي السنة المقبلة، ستشهد البلاد انتخابات تشريعية جديدة بعد نهاية ولاية الحكومة التي يقودونها، وسيكون الاختبار كبيراً أمامهم، وأمام خصومهم. فهم سيسعون إلى الحفاظ على شعبيتهم، بل وزيادتها، وسيعمل خصومهم على قطع الطريق عليهم، حتى لا يحصل الاكتساح الإسلامي الذي تسعى الدولة العميقة، بكل وسائلها الشرعية وغير الشرعية، إلى منع حدوثه.
وبموازاة الانتخابات التي كانت أبرز حدث سياسي عرفه المغرب عام 2015، شهد الشارع المغربي، طوال شهور العام المنتهي، عودة الاحتجاجات الشعبية العارمة والتلقائية إلى الشارع. ففي عام 2015 خرجت عشرات الاحتجاجات في بعض شوارع المدن المغربية، خصوصاً طنجة والرباط، كان بعضها مظاهرات شعبية كبيرة، تضاهي التي عرفها المغرب عام 2011 بتأثير من موجات ثورات "الربيع العربي".
أغلب هذه المظاهرات كانت ذات طبيعة احتجاجية، للمطالبة بحقوق اجتماعية بالدرجة الأولى، مثل الاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار في طنجة، والاحتجاج من أجل التوظيف مثل الرباط، ومست شرائح واسعة من حاملي الشهادات العليا، أطباء وممرضين وأساتذة وخريجين عاطلين من جميع شعب الجامعات والمعاهد العليا المغربية. وكانت كل هذه الاحتجاجات غير مؤطرة سياسياً أو نقابياً. وبالتالي، فهي كانت تعبيراً تلقائياً عما يفتعل في عمق المجتمع من مشكلات عجزت الحكومة عن إيجاد حلولها.
وعلى الرغم من الهدوء الذي يعرفه الشارع المغربي، اليوم، إلا أن ذلك لا يعني أن كل شيء على ما يرام، فجميع المشكلات التي أدت إلى خروج تلك الاحتجاجات الكبيرة لم تحل، وإنما تم تأجيلها، ما يعني ترقب اندلاعها في أيّ لحظة من السنة المقبلة، التي ستكون، هي الأخرى، سنة استحقاقات حاسمة في المغرب.
من دون أن ننسى أن ما يتم التعبير عنه، سواء من خلال صناديق الاقتراع أو الاحتجاجات التي يعرفها الشارع المغربي، لا يعبر حقيقة عما يمور في عمق المجتمع المغربي، فمقابل الملايين المعدودة من المواطنين الذين مازالوا يثقون في صناديق الاقتراع، والذين لم يتعدَّ عددهم في الاستحقاقات الأخيرة سبعة ملايين ناخب عبّروا عن أصواتهم، يوجد أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد يقاطعون كل عملية انتخابية. إنهم الأغلبية الصامتة التي يصعب معرفة رأيها فيما يجري.
وفي مقابل الآلاف من المحتجين الذين يعبرون عن مصالح فئوية ضيقة، تخص جماعتهم، هناك ملايين من المنسيين في البوادي وداخل أحزمة الفقر التي تخترق كبريات المدن المغربية، ممن يعبرون عن احتجاجاتهم بطرقهم الخاصة، سواء بالصمت المريب أو بكل أنواع الانحرافات التي يمكن أن تخترق مجتمعاتهم الهشة.
كانت السنة المنتهية سنة انتخابات واحتجاجات، ولن تختلف عنها السنة المقبلة، إذ يتوقع أن تشهد انتخابات تشريعية، كما أن الاحتجاجات لن تتوقف في أثنائها، لأن المشكلات نفسها التي أدت إلى اندلاعها في السنة المنتهية مازالت قائمة. ... وكل عام والمغرب والمغاربة بألف خير.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).