سنبلاتٌ خضراء

01 ديسمبر 2018
+ الخط -
بداية، أعتذر عن مرة واحدة ظننت فيها بالمملكة العربية السعودية خيرا، حسبتها (سامحني الله) تقف إلى جانبنا في معركة يمنية وجودية ضد انقلاب ميليشاوي فارسي.
الحقيقة أنه ما كان لعدو تاريخي أن يرعى مصالح اليمن أبدا، كل ما في الأمر، أنها جارة تضع عينها على مصالحها في المقام الأول، ولا تألُ جهدا في خدمة أعداء الإسلام.
ابتلينا، وأعني بنا الشعوب العربية المسكينة، اُبتلينا بأنظمة فوضوية، تعتبر الحرية داءً، والقيد/ القتل دواءً. ووفقا لهذا الاعتبار تتعامل مع الشعوب المغلوبة، إلا أننا في اليمن نعاني أكثر من ذلك، إذ نرزح تحت وطأة ميليشيا فوضوية معقدة، ولو أتيحت لنا الفرصة في اختيار عدونا لاخترنا بني إسرائيل بدل الحوثيين. وفي المقابل لن نقبل رئيسنا المقيم في السعودية أن يكون فردا يستحق التصويت معنا حين نختار عدونا.
لم يحدث أن قُطعت الرواتب أو الكهرباء أو الغاز على أهل غزة، إلا أن الحوثيين (وهذا تقدم لم يُسبقوا إليه) منعوا عن المواطنين حتى المعونات التي تقدمها المنظمات الدولية هبات وعطايا، فالدائرة الخامسة عشر في صنعاء، وتضم عدة مناطق، مُصنفٌ سكانها "دواعش"، لذلك يُحرمون من كل معونات "الكفار"، ونصيبهم ضئيل من كل شيء يمنعهم من الموت/ يبقيهم على قيد الحياة.
مثال: أقطن، مع أُسرتي، في منطقة مذبح، وهي منطقة ضمن هذه الدائرة "الداعشية" لم يُصرف لنا خلال ثلاثة أشهر مضت سوى إسطوانتي غاز! تحتوي الواحدة منها على أقل من عشرين لترا! ومثلنا أسر عديدة، فلا رحِمنا هؤلاء الظَلمة ولا سمحوا لرحمة الكفار أن تحل.
سيطول المقال لو هدفه توضيح إجرام هذه الجماعة على كل الأصعدة، لكن الحرية التي نمارسها من دون علم هذا العدو أو بتغافله عنا أحيانا لا بأس بها، على الأقل بالنسبة لي، فأنا أكتب هذا وسواه، وأعيش في صنعاء، وبإمكانهم أن يعتقلوني في أي لحظة، إلا أنهم، والحمدلله، لم يفعلوا، هم يخوضون حروبهم المقدسة في مختلف الجبهات، وأعبِّر عن سخطي عليهم في حروف مقدسة أيضا.
قيل إن أكثر شيء يبقى من التاريخ هو الكتب، فالكلمات، وإن لم يكن لها مفعول، فلها الخلود، ولو أن الثرثرة مقابل أن تُسلب حقك في الحياة معادلة تافهة. وعلى هذا فإن الكتابة تهريجا لا فائدة منه، لكن ولأنها كل ما نملك، ولأن الكيبورد بندقيتنا فنحن نفضل الكتابة على الصمت، بالكتابة نقاوم أملا في حياة ننجو بها من الموت على قيد الحياة.
وتكملة لرسم صورة البؤس اليمني بسنبلات الحرف، ليس في وسعنا إنكار أن لدينا شرعية هزيلة جدا، هي أسوأ شرعية تواجه أسوأ انقلاب، والعجز أن تضطر هذه الشرعية المهترئة، برئاسة عبد ربه منصور هادي، للاستعانة بدولة لطالما "نشَرت" الإنسانية، ولن يكون الصحفي جمال خاشقجي آخر "منشور" لها.
من المعتاد في كتابة المقالات، غالبا، الرصانة والجدية، وقليلا ما تجد كاتبا يوظف السخرية لإيصال رسالته، وإذا كان ولا بد أن أحتذي هذا الأسلوب الجاد، ولو بفقرة في نهاية المقال، فإن ما يريد المقال قوله هو: لسوء الحظ فإن الأفكار لا تموت، وللأسف يعني هذا أن جماعة الحوثي لن تنتهي، جماعة يتكئ زعيمها على فكرة موبوءة تقول إن له حقا إلهيا في الحكم، وإرضاء للإله، خاض ويخوض معارك مقدسة ضد من يعترض على مسيرته الغوغائية. وحيلتنا الوحيدة هي المقاومة، مقاومة هذه الجماعة الفكرية القاتلة بكل السبل، بقتالها دفاعا عن حقنا في الحياة، وبالتشهير بها والاعتراض عليها ورفضها بكل الوسائل، ونحن إذ ذاك نعتبر ما نقوم به جهادا، ونعتبر حروفنا سنبلات خضر تؤتي أكلها كل حين بإذن الله.
عزيزي القارئ، كن أبياً وناوئ الظلم بما استطعت إليه سبيلا، بيدك، ولسانك، وبقلمك، فلحسن حظنا وسوء حظ الطغاة، إن الكلمات أيضا لا تموت، بل إنها تزلزل عروشا، وتذكّر أن صحفيا أهاب مملكة عربية فقتلته، لكنه عاش ويوشك أن يهدم تلك الملكية!
صديقي العربي: لنؤرق المستبدين بأقلامنا، ولتكن سنابلنا الخضراء نازعةً فتيلَ قنابلهم الموقوتة.
F204DC61-898A-4F86-A112-A273C90DA41D
F204DC61-898A-4F86-A112-A273C90DA41D
عبد الرحمن مزارق (اليمن)
عبد الرحمن مزارق (اليمن)