سمير حميد فرنجية... رحيل عراب "الاستقلال اللبناني الثاني"

11 ابريل 2017
فرنجية في صورة من عام 2005 (جوزف براك/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن النائب اللبناني السابق، الذي توفي مساء الثلاثاء، سمير فرنجية (1946 - 2017)، نائباً عادياً يتولى شؤون أبناء منطقته، زغرتا (شمال لبنان)، أو يخوض المعارك السياسية نيابة عن رؤساء الكتل النيابية تحت قبة البرلمان. حمل الرجل هم تحرير لبنان من الوصاية السورية، وكان من أوائل المُبادرين لإطلاق التجمعات السياسية المناهضة للوجود السوري في لبنان، الذي امتد منذ مرحلة الحرب الأهلية بين عام 1975 و1990 حتى عام 2005. وهو العام المحوري في تاريخ لبنان الحديث، بعد أن تخلّله اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، وانسحاب الجيش السوري من لبنان، بناء على مندرجات القرار الدولي 1559. وهو ما لم يكن ليتم لولا مساهمة فرنجية في إطلاق "تجمع قرنة شهوان" و"لقاء سيدة الجبل"، اللذين تحولا سريعاً إلى رأس الحربة السياسية لمواجهة الهيمنة السورية على السياسة العامة في لبنان.

وبعد اغتيال الحريري الأب، التقى مشروع فرنجية مع مشروع "الحرية والسيادة والاستقلال" الذي حملته قوى سياسية مُختلفة، كـ"تيار المستقبل" و"حزب القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، وغيرها من الأحزاب التي ملأت مع جماهيرها ساحة الشهداء في العاصمة بيروت يوم 14 مارس/آذار 2005، والذي عُرف بيوم استقلال لبنان الثاني.
وخلال السنوات الماضية التي شهدت ذوبان الشعار الأم، "الحرية والسيادة والاستقلال"، في دوامة المفاوضات السياسية الداخلية التي جمعت الأضداد في الحكم على طاولة مجلس الوزراء، وتحت سقف البرلمان، ابتعد "البيك" عن المشهد العام، وتحول مقر الأمانة العامة لقوى "الرابع عشر من آذار"، في أحد المباني القديمة والقريبة من ساحة ساسين بالأشرفية، إلى مُعتزله السياسي. يجتمع هناك مع رفاق الدرب من مُختلف الطوائف والمذاهب الذين ناضلوا معاً، سياسياً ومدنياً، للدفاع عن استقلال لبنان. لم يوح الرجل بأنه سليل عائلة إقطاعية سياسية لها وزنها في لبنان، فوالده هو حميد فرنجية، أحد قادة الاستقلال اللبناني، وعمّه هو الرئيس الراحل سليمان فرنجية. أضحكه لقب "البيك" كثيراً، بقدر المفارقة التي جعلته في موقع الداعين لمغادرة القوات السورية للبنان، مقابل موقف قريبه، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الذي لا يكتفي بدعم النظام السوري، بل وتجمعه علاقة صداقة شخصية برأس النظام بشار الأسد.



وإن نحّت المصالح السياسية لأحزاب الرابع عشر من آذار الشعار الأساس، فإن فرنجية، مع من تبقى من مُستقلين في الفريق، قاد محاولات عدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الأشرفية. حوّل فرنجية حالة العتب على انعدام الرؤية السياسية، بعد عقد على انطلاق تحالف قوى الرابع عشر من آذار، إلى "مجلس وطني" تم إطلاقه عام 2015 كمحاولة إنعاش للمشروع وللشعار الأساس. وهو القائل إن "البديل عن إعادة إحياء العنوان السياسي للحرية في لبنان هو طلب فيزا الهجرة إلى كندا". اختار "البيك" البقاء، وهو ما كان له. وآمن بأن تثبيت هذا العنوان ليس مرتبطاً بالأحداث السياسية الطارئة، وإنما بهوية لبنان كبلد.
للتاريخ صلة بحياة فرنجية. ولم تكن مناهضة الهيمنة السورية على لبنان أول مشاريعه السياسية. وتعود معاداة فرنجية للنظام السوري إلى واقعة اغتيال صديقه، مؤسس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، كمال جنبلاط، التي يُتهم النظام السوري بتنفيذها. جمعت التوجهات اليسارية الرجلين، وذلك في امتداد لصداقة والد سمير، حميد فرنجية، بكمال جنبلاط.

شكّل "الحزب الشيوعي اللبناني" و"منظمة العمل الشيوعي"، مدخلاً لعلاقة فرنجية باليسار، بعد أن قرأ عنه كثيراً في باريس، التي سافر إليها لاستكمال تعليمه بعد طرده من "المدرسة اليسوعية" بسبب الشغب، رغم تفوقه العلمي. تقرّب فرنجية جداً من الحزب الشيوعي ومنظمة العمل، من دون أن ينتسب إلى صفوف الحزب بناءً على نصيحة من الأمين العام التاريخي للحزب، جورج حاوي، على اعتبار أن بقاء شخصية مثل سمير فرنجية خارج التنظيم الحزبي، أكثر فائدة لقضية اليسار.

تمكّن فرنجية الراحل من المزج بين اسم عائلته الإقطاعية وتوجهاته السياسية اليسارية. ورغم إقامته في منطقة المتحف في العاصمة بيروت، إلا أنه أبقى على صلات مع بلدته الأم، زغرتا، التي سبق أن أسس فيها "حركة شباب زغرتا" اليسارية خلال شبابه. وفي مرحلة لاحقة من حياته العامة، ترشح فرنجية للانتخابات النيابية 3 مرات، أعوام 1996 و2000 و2005، وفاز في الانتخابات الأخيرة بمقعد نيابي بعد خسارتين.

يتناقل المُقربون من الراحل فرنجية أن وفاة والده عام 1957 أتت بعد مرض أصابه إثر مجزرة مزيارة، التي راح ضحتيها 33 شخصًا باشتباك مسلح بين عائلتين مسيحيتين لأسباب سياسية داخل كنيسة البلدة. يقول هؤلاء إن حميد مرض بسبب الحزن على واقع لبنان الذي حوّل السياسيون دور العبادة فيه إلى مراكز اقتتال بين أبناء البلدة الواحدة. ومع انفراط عقد "الحرية والسيادة والاستقلال"، رحل سمير فرنجية دون أن ينعى الشعار.