أسوأ ما قد يحدث لفنّان تشكيلي هو أن تتعرّض أعماله إلى التخريب والتشويه. تلك التجربة، عاشها سمير بن صالح (1991)، الذي لم يتوقّع وهو يدلف إلى مرسمه في مدينة بوسعادة، صباح الأربعاء الماضي، أن تُقابلهُ أعماله الفنيّة على غير ما تركها عليه.
يروي بن صالح، في حديث إلى "العربي الجديد"، تفاصيل الحادثة قائلاً: "قبل أسبوع من اليوم، تفاجأت وأنا أدخل إلى مرسمي، وهو شقّة في آخر طابق بإحدى عمارات المدينة، بالمصابيح مُنارةً، وحين وصلتني رائحة الدهان، علمتُ أن خطباً ما قد وقع".
يضيف: "وجدتُ لوحاتي المعلّقة على الحائط، وهي قرابة 15 عملاً تضمّ بورتريهات لشخصيات تاريخية وثقافية وإعلامية، قد طاولها التشويه؛ أُضيفت إلى الوجوه خربشات باللون الأسود. وكان لافتاً أن التخريب طاول الأعمال الفنية فحسب. من الواضح أن من نفّذ الأمر يُدرك جيّداً قيمة الفن، والأثر القويّ الذي يتركه تخريبه في نفسية الفنان".
يقول بن صالح إنه أودع شكوىً لدى مصالح الأمن التي فتحت تحقيقاً لمعرفة خلفيات الحادث، مضيفاً أن تحرّكها تسارع بعد التفاعل الذي أثارته القضية في أوساط المثقّفين الجزائريين، وبعد أن تداولتها عدد من وسائل الإعلام المحلية.
يسرد بن صالح جُملةً من الاحتمالات حول الجهة التي قد تكون وراء الحادث: "في الحقيقة، ليس لي أعداء حتّى أرجّح أنه عمل انتقامي.. بعضهم يقول لي إن الأمر متعلّق بغيرة فنّانين. لكنني أستعبد أن يستطيع فنّان تشويه عمل فنّي، مهما كان الأمر".
يرجّح الفنان الجزائري فرضية أن يكون من يقف وراء تشويه أعماله "متشدّدون": "كثير من الرسائل تصلني عبر فيسبوك من قبل أشخاص مجهولين، يطلبون منّي "التوبة" والتوقّف عن الرسم، بدعوى أنه حرام، خصوصاً بعد أن نشرتُ أولى أعمالي ضمن سلسلة أسميتها القناع".
تقوم سلسلة "القناع" على تصوير أشخاص حقيقيين بقناعين، أبيض وأسود، في وضعيات مختلفة: "تتناول السلسلة واقع الفنان الجزائري في مجتمعه، حيث تجري مقاربات بينه وبين المواطن العادي الذي ليس لديه اهتمامات فنية، وقد أنجزتُ لوحةً واحدة حتّى الآن ضمن هذا المشروع. ومن المفارقة، أن تتعرّض إلى التخريب. كأن ذلك تأكيد على أن الفنان ليس بخير".
بدأ اهتمام بن صالح بالفن التشكيلي في سن مبكّرة. في 2008، التحق بـ "مدرسة الفنون الجميلة" في سطيف، ثم أكمل دراسته في "مدرسة الفنون الجميلة" في باتنة، والتي تخرّج منها عام 2013. يقول: "لا أزعم أنني ذهبت إلى هذا المجال بدافع الموهبة، بل بدافع الحب؛ لذلك كان عليّ تطوير مهاراتي من خلال الجانب الأكاديمي".
لاحقاً، شكّل فيسبوك وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي منبراً للفنان التشكيلي لعرض أعماله التي لقيت إقبالاً وتفاعلاً لافتين، قبل أن يُشارك في عدد من المعارض التشكيلية الجماعية في عدد من المحافظات الجزائرية، ويحوز عدداً من الجوائز.
تقتصر أعمال بن صالح على تقنية الفحم على الورق لإنجاز أعماله التي تنحو إلى تجسيد شخصيات عامّة في مجالات مختلفة، وأيضاً لتصوير الناس العاديين ونقل بعض التفاصيل اليومية "التي قد لا ننتبه إليها كثيراً ونحن نمرّ بجانبها".
في لوحته الأولى ضمن سلسلة "سكتش"، التي أنجزها في أماكن عمومية مثل المقاهي الشعبية، يجسّد صورة عاملة نظافة: "إنها امرأة طاعنة في السن. لكنها لا تزال تكدح من أجل لقمة العيش. من المؤكّد أننا نلتقي بها كلّ يوم، لكننا قليلاً ما ننتبه إليها، إلى التفاصيل الإنسانية التي ترويها ملامحها".
في لوحة أخرى ضمن السلسلة نفسها، يرسم صورة شخص مستند إلى جدار وهو يقرأ جريدة: "التقيتُ به في مقهىً. كان منهمكاً في قراءة جريدة، وكان واضحاً من خلال تقاسيم وجهه أن ما يقرأه لا يبعث على السعادة إطلاقاً. ليست هناك أخبار سعيدةٌ إطلاقاً، لذلك عمدتُ إلى محو رأسه؛ فالأخبار التي نقرأها تخلّيك بلا راس".
اقرأ أيضاً: ما حدث في كابيتوليان