سليم سعد الله: المواطن التونسي يواجه إرهاباً غذائياً

24 يونيو 2015
رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك(العربي الجديد)
+ الخط -
أشار رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك سليم سعد الله إلى تدهور المقدرة الشرائية للمستهلك التونسي. ونبّه في مقابلة مع "العربي الجديد" إلى أن المستهلك  يواجه "إرهاباً غذائياً".

وهذا نص المقابلة:

*يرتفع ويتنوع استهلاك المواطن التونسي خلال شهر رمضان المبارك، كيف تستعد منظمة الدفاع عن المستهلك لحماية المواطن وترشيد سلوكه خلال هذا الشهر؟ وهل هناك أي إجراءات جديدة؟

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، نقوم بتكثيف حملات المتابعة والمراقبة للأسواق والمحلات وتتواصل هذه الحملات التي نقوم بها بالتنسيق مع وزارات التجارة والصحة والزراعة، طيلة الشهر الكريم. ونواصل عملنا العادي في الاستماع لمشاكل وشكاوي المواطن والتدخل لحلّها.

نتابع أيضاً وبشكل خاص تزويد الأسواق بالمواد الأساسية. وقد أكد وزير التجارة أن كل المواد التي يقبل التونسي على شرائها في رمضان متوفرة وبكميات معقولة، مما لن يسمح بتكرار اشكاليات سابقة كانت قائمة في الفترات السابقة، كالاحتكار وارتفاع الأسعار والبيع المشروط ، وهذا ما سنتابعه ونركز عليه خلال هذا الشهر خاصة، متابعة مدى توفر مواد أساسية كالحليب والبيض والخضر والغلال والمياه المعدنية والزيت والسكر نظراً للإقبال الشديد عليها. وحسب متابعاتنا قبل بداية الشهر، فإن كل المواد متوفرة لكننا نخشى من اشكاليات على مستوى التزويد بمادتي السكر والزيت أساساً وأبلغنا وزارة التجارة بتخوفاتنا.

اقرأ أيضا: عبد المجيد الزار: تونس بلا منتوجات زراعية في رمضان

*ماهي أهم الأنشطة التي قامت بها المنظمة خلال السنوات القليلة الماضية؟

ساءت ظروف المستهلك التونسي الاقتصادية بعد الثورة. وعرفت أسعار معظم المنتجات ارتفاعاً ملحوظاً وشعرنا بمزيد من تدهور الطاقة الشرائية للمواطن التونسي. لذا قررنا أخذ زمام المبادرة بأن نقترب أكثر من المواطن التونسي ومشاكله، ونبتعد عن التوظيف السياسي الذي عانت منه المنظمة من قبل الحزب الحاكم قبل الثورة.


واصلنا متابعة كل شؤون المستهلك التونسي اليومية، وطورنا من عملنا من خلال اعتماد حملات المقاطعة، إذ قمنا في مارس/ آذار 2012، بحملة واسعة لمقاطعة اللحوم الحمراء لارتفاع أسعارها غير المبرر، وتواصلت عملية المقاطعة لمدة ثلاثة أيام، لاقت إثرها الحملة تجاوباً واسعاً حيث بلغت نسبة المقاطعة 90 % في عدة مناطق.

إلى ذلك، تتمثل المنظمة التونسية من أجيال مختلفة، ومن طبقات اجتماعية متنوعة، لكننا نركز على الفئات الفقيرة جداً والتي نسعى أن تحافظ على حقها في التغذية. واصلنا العمل أيضاً على المستوى التوعوي والتحسيسي من خلال ترشيد استهلاك التونسي خاصة خلال المناسبات والأعياد، وقمنا بحملات وندوات للتعريف بإشكاليات الاستهلاك في تونس، لكن ما يقيّد عملنا هو نقص الإمكانيات المادية.

*من يمول المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك؟ ولما تشتكون من نقص في الإمكانيات المادية رغم انفتاح المجتمع المدني في تونس مؤخراً وتطور إمكانيات تمويله؟

تقوم منظمات المجتمع المدني بدور كبير في تونس ما بعد الثورة، ونحن نسعى لنصبح من الفاعلين، لكننا لا نريد أن يمولنا أشخاص أو جمعيات من الممكن أن تجبرنا بعد ذلك، على تقديم تنازلات تضر بالمواطن التونسي أو تغير نشاطاتنا.

وللحفاظ عن استقلاليتنا، اكتفينا بالدعم المقدم من الدولة التونسية، وبتمويل بسيط من منخرطينا، لكن القيام ببرنامج تحسيسي لظاهرة معينة أو الترشيد حول موضوع ما، يتطلب الأمر إمكانيات مادية ضخمة فمثلاً تتجاوز تكلفة إشهار بسيط لمدة أسبوع 60 ألف دولار وإمكانياتنا حالياً لا تسمح بذلك.

الحل في أن تطور الدولة التونسية من الحصة المخصصة لدعمنا لأن نشاطاتنا تعود عليها بالنفع بطريقة غير مباشرة، إذ أن ترشيدنا للمستهلك ليقاطع منتجات الأسواق الموازية مثلاً يعود بالاستفادة المادية على الحكومة، وعلى الاقتصاد المحلي.

اقرأ أيضا: الفجوة: الأسعار ترتفع في الدول العربية... والأجور تتجمد

*أي علاقة تجمع المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك بمؤسسات الدولة وهل من أنشطة مشتركة؟

بحكم عملنا، ننسق ونعمل مع ثلاث وزارات أساساً، وهي وزارات التجارة والصحة والزراعة. وتجمعنا منطقياً أهداف مشتركة من أهمها حماية المستهلك التونسي. لكننا لا نتماهى مع هذه الوزارات بمعنى أننا نندد بسياساتها إن كانت خاطئة ونقف دائماً في صف المواطن. نعمل خاصة مع وزارة التجارة، وقد تطورت معاملاتنا معها بشكل إيجابي مؤخراً. أحسسنا أنهم استوعبوا قيمة عملنا ومدى قربنا من المواطنين في مختلف المحافظات التونسية.

*ما رأيكم في التشريعات ذات العلاقة بالاستهلاك في تونس وهل هي كافية لحماية المستهلك؟

تتوفر بعض التشريعات، لكن بعضها لا يطبق أصلاً والبعض الآخر عقوباته غير ردعية. نطالب في المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك بقانون جديد يحمي المستهلك، فالمستهلك التونسي يحتاج إلى قوانين رادعة تكون قادرة على حمايته من الغش، والمواد المهربة وغيرها.

القوانين الموجودة ضعيفة وعقوباتها المادية بسيطة جداً وهي ليست ردعية. أما قانون غلق المحلات المخالفة والتشهير بها، فلا تطبق تقريباً ويكتفون أساساً بعقوبات مادية لا تتماشى مع حجم التجاوزات. ولذا نلاحظ مدى معاناة المواطن التونسي، ومن هنا نطالب بسلة قوانين تكون قادرة على حماية المستهلك من جهة، وحماية الاقتصاد المحلي من جهة أخرى.

اقرأ أيضا: رفع الدعم... وكذب الفاسدين

*كيف تقيمون التجاوزات ضد المستهلك في الأسواق التونسية مؤخراً؟

التجاوزات عديدة وبعضها خطير جداً ويمكن الحديث عن إرهاب غذائي في تونس، فالمواطن التونسي يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة قبل شراء أي منتجات خاصة المواد الغذائية أو الاستهلاكية. باختصار لا يثق المواطن التونسي في التاجر اليوم، فقد غابت ملامح الثقة بين الطرفين.


وقد كشفت حملات المراقبة الأخيرة، ترويج مواد غذائية فاسدة وخاصة على مستوى مادة اللحوم إضافة إلى بيع لحوم الحمير ومواد أخرى منتهية الصلاحية. التجاوزات كبيرة جداً في هذا الإطار، والقوانين الحالية عاجزة عن التصدي لها.

تصلنا يومياً العديد من الشكاوى، إذ يصل إلى كل مكتب من مكاتبنا قرابة عشرة شكاوى يومياً، أما المكتب الوطني فيتلقى ما لا يقل عن 15 شكوى في اليوم الواحد، وهو ما يعد رقماً مرتفعاً. وتخصص المنظمة قسماً للوساطة متوفراً في كل مكاتبنا نقوم من خلاله بالتدخل لفض نزاع بين مواطن وتاجر، وذلك قبل أن يتطور الأمر إلى القضاء في بعض الأحيان.

*حسب متابعاتكم، هل تحسنت القدرة الشرائية للمواطن التونسي خاصة وقد أعلنت وزارة التجارة مؤخراً انخفاضاً في أسعار العديد من المواد الغذائية والاستهلاكية؟

من العام 2011 إلى نهاية العام 2014، أخذت الأسعار نسقاً تصاعدياً أثر بشكل سلبي على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، وكان مطلبنا الأساسي أن يتم تجميد الأسعار خاصة وأن القانون التونسي يسمح لوزارة التجارة بتجميد الأسعار لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد لكن لم يتجاوب معنا كل الوزراء الذين توالوا لشغل منصب وزارة التجارة.

أما الحكومة الأخيرة، فقد استطاعت أن تضمن تجميداً نسبياً للأسعار، لكن لم نلحظ تراجعاً ملموساً أو كبيراً كما كنا نتوقع، كما لم نلمس تحسناً للمقدرة الشرائية للمواطنين الذين يشتكون من غلاء المعيشة خاصة الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ومن المعروف والواضح ارتفاع تعداد الفقراء في بلد مثل تونس.

*أي حلول تقترحون لتوفير مزيد من الحماية للمستهلك التونسي؟

من الضروري أن تتطور منظومة المراقبة الصحية والاقتصادية وذلك انطلاقاً من ترفيع عدد المراقبين الذين لا يتجاوز عددهم الآن 600 مراقب في كامل تراب الجمهورية، وهم مكلفون بمراقبة أكثر من 350 ألف تاجر تجزئة و70 ألف تاجر جملة وأكثر من 24 ألف مقهى إضافة إلى شركات الخدمات، ويعد هذا الرقم للمراقبين قليلاً جداً نسبة للمهام التي يقومون بها.

ونطالب بتشديد العقوبات على المخالفين والمضاربين، إذ أن بعض المخالفات ورغم خطورتها وتهديدها لصحة المستهلك لا تتجاوز قيمة العقوبة المادية 100 دولار، وفي مخالفات أخرى يقع "إمضاء صلح" داخل مكاتب مغلقة في وزارة التجارة وهو ما نرفضه لما في ذلك من غياب للشفافية واستهتار بصحة وسلامة المواطن.

لابد أن نطور دورنا أيضاً كمنظمة تشرف على حماية وترشيد المستهلك، وذلك ينطلق من خلال مشاركتنا في رسم سياسات الدولة الاقتصادية، ونقدم بذلك برامجنا ومقترحاتنا لكم، للأسف تم تجاهلنا خلال الحوار الوطني.

*ما رأيكم في تجربة تركيز نقاط بيع لمنتجات زراعية "من المنتج إلى المستهلك"؟

راقبنا هذه التجربة وساندناها منذ سنتين، ثم تبين أنها فاشلة ولا تفيد المنتج كما لا تفيد المستهلك. الفكرة نبيلة وجيدة لكن ما حصل على أرض الواقع هو أن التجار المضاربين اقتنوا المنتجات الزراعية من صغار المزارعين بأرخص الأسعار ثم قاموا ببيع المنتحات في نقاط البيع أي "من المنتج إلى المستهلك" بأسعار لا تختلف كثيراً عن الأسواق، وكنتيجة لذلك لم يحقق المواطن ولا المزارع أي استفادة من هذه التجربة. الحل في إصلاح مسالك التوزيع، وأن لا يمر المنتج بوسطاء قبل وصوله إلى المستهلك، وهذا سيؤدي إلى انخفاض الأسعار مع الحفاظ على هامش ربح كاف للمزارع خاصة المزارعين الصغار والذين ينتجون تقريباً 80 % من المنتجات الزراعية بالأسواق.

المنظمة في سطور
تهتم المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك بالمواطن التونسي المستهلك في جميع القطاعات وتسعى لحمايته والدفاع عن مصالحه. كما تركز أنشطتها على ترشيد المستهلك وتوعيته بكل ما يتعلق بسلامته المادية والمعنوية.

تقوم المنظمة بالعديد من الحملات، إذ تتابع تزويد الأسواق التونسية والمخالفات الاقتصادية والصحية المرتكبة وتستمع لشكاوى المواطنين وتحاول وفق ما يسمح به القانون التدخل لتسوية الإشكاليات قبل الالتجاء للقضاء. قادت المنظمة حملات مقاطعة للعديد من المنتجات لأسباب مختلفة على علاقة خاصة بسعر المنتج أو بجودته واعتبر هذا النشاط سابقة في تونس .

وهي تستعد لشهر رمضان من خلال تكثيف حملات المتابعة والمراقبة للأسواق والمحلات بالاشتراك مع وزارات التجارة والصحة والفلاحة التونسية. والمنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك هي منظمة غير حكومية، اعترف بها كمنظمة ذات مصلحة وطنية في فبراير/ شباط 1993 وانخرطت منذ عام 1995 في المنظمة الدولية للمستهلكين. تنشط المنظمة على كامل تراب الجمهورية وهي ممثلة بمكتب وطني و24 مكتب جهوي تغطي كامل محافظات البلاد، وأكثر من 160 مكتبا محليا في القرى والأرياف.

عرفت المنظمة تغييرات عديدة بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 بهدف تطوير نشاطها والاقتراب أكثر من مشاكل المستهلك التونسي، بعد أن كانت تعتبر رافداً من روافد الحزب الحاكم السابق في تونس، وكان دورها يقتصر على متابعة بسيطة لسوق الاستهلاك في تونس من دون محاولة معالجة المشاكل الحقيقية للمواطن التونسي.

بطاقة
رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك. انضم للمنظمة عام 1997 عضواً في المكتب المحلي بباب بحر (من الأحياء الشعبية في تونس العاصمة). ثم تدرّج ليضطلع بمهمة رئاسة مكتب باب بحر. بعد الثورة، انتخب لمنصب رئيس المكتب الوطني بعد استقالة محمد زروق.



المساهمون