"الناس يعرفون أنني لعبت في أندية عديدة، أحاول بذلك قصارى جهدي أينما ذهبت، في كلّ مكان أكون فيه أحقق الفوز دائماً، لذا أنا مثل إنديانا جونز". بهذه الكلمات صرّح النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش لشبكة "سكاي سبورتس" البريطانية بعد مباراة فريقه مانشستر يونايتد أمام نظيره سانت إيتيان الفرنسي خلال فترة سابقة بالدوري الأوروبي، يومها شبّه نفسه بالممثل الشهير هاريسون فورد، والذي لعب دور "إنديانا جونز" صاحب المغامرات المذهلة.
البداية وإسكات المشككين
يوم وصل زلاتان إلى مانشستر يونايتد قادماً من نادي باريس سان جيرمان الفرنسي بسنّ الـ35 عاماً، وصفته الصحافة الإنكليزية آنذاك باللاعب "المنتهي"، خاصة أن فريقه كان يحتاج للبناء والعمل من جديد بعد رحيل الهولندي لويس فان غال، وقدوم المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، والذي من دون شك كان أحد أسباب وصول المهاجم السويدي إلى قلعة أولد ترافورد.
الجميع يعلم قصص إبرا مع الفرق التي لعب لها، في معظم الأحيان كان يخطف الأضواء، في أياكس فعل ذلك، وحتى في يوفنتوس رغم المشاكل التي واجهها هناك، ويوم كان في إنتر استطاع أن يحقق الألقاب ويسجل من مختلف الأماكن، صحيح أن رحلته في برشلونة لم تكتمل بالشكل المناسب، لكنه استطاع وضع بصمته الخاصة، وكذلك فعل في ميلان الذي قاده إلى تحقيق لقب الدوري، أما في فرنسا مع باريس سان جيرمان، فكتب تاريخاً جديداً هناك بفضل أهدافه.
بدأ إبرا العمل وردّ بأهدافه، فقاد مانشستر يونايتد للظفر بلقب درع المجتمع الخيري على حساب ليستر سيتي، ثم سجل بعض الأهداف لتتوقف نجاعته الهجومية على إثر ذلك، حينها دخلت الصحافة الإنكليزية على الخط، وعادت محاولةً إبراز فشله وعدم مقدرته على التأقلم مع طبيعة البريمييرليغ، لكن "السلطان"، كما يلقبه الجميع، نفض ركام الانتقادات وعاد من بعيد ليضرب بيدٍ من حديد الأرقام القياسية، إذ قاد مؤخراً فريقه للقب كأس رابطة الإنكليزية.
الأرقام تثبت النجاح
قبل 6 جولات من الآن (أي في المرحلة الـ21)، وصل إبرا للهدف رقم 15 في الدوري الإنكليزي الممتاز، حين هزّ شباك نادي ليستر سيتي، وبذلك بات أكبر لاعب في تاريخ المسابقة يسجل 15 هدفاً في موسم واحد، بعمر 35 عاماً و125 يوماً، حينها بات أول لاعب أيضاً يسجل أكثر من 20 هدفاً في موسم واحد مع الشياطين الحمر منذ موسم 2012-2013 يوم فعلها الهولندي روبن فان برسي.
ربما الأرقام التي ذكرناها قد تبدو للبعض عادية، لكن ما حققه إبراهيموفيتش حتى الآن أسكت صحف إنكلترا، فقد استطاع المهاجم المخضرم والمعتزل دولياً بعد نهاية يورو 2016 أن يتحدى نفسه قبل كلّ شيء. كنا قد ذكرنا الفرق التي لعب معها إبرا في مسيرته، وهنا سنقارن أهدافه في الموسم الأول مع الفرق التي لعب لها وبما وصل إليه الآن بعد 38 مباراة في مختلف المسابقات بإحرازه 26 هدفاً.
في البداية سجل اللاعب السويدي مع فريق مالمو الذي بدأ معه مسيرته سنة 1999 18 هدفاً في 47 مباراة طوال ثلاثة مواسم، حينها كان صغيراً لذلك سنعبر هذه المرحلة وننتقل إلى أيامه في أياكس أمستردام. في موسمه الأول في هولندا لعب إبراهيموفيتش 33 مباراة سجل خلالها فقط 9 أهداف، حتى أنه هزّ الشباك 6 مرات في 24 مناسبة في الدوري هناك، لكنه الآن وصل محلياً للهدف رقم 15 بذات عدد المباريات.
بعدها سننتقل إلى موسم 2004-2005 أي مغامرته الأولى مع البيانكونيري في إيطاليا، حينها خاض 45 لقاء وسجل 16 هدفاً فقط. استمرت رحلة إبرا في الدوري الإيطالي لكن مع فريق آخر حين لعب لإنتر موسم 2006-2007 وحقق الدوري لكنه أحرز فقط 15 هدفاً في 36 مباراة في أول انطلاقة له، مع العلم أنه كان في أفضل أيام مسيرته.
رحل بعدها إبرا إلى برشلونة موسم 2009-2010 وشارك في 45 مباراة سجل خلالها 21 هدفاً، حتى حين أعير في الموسم الذي تلاه إلى ميلان وصلت أهدافه إلى 21 في 41 لقاء. المحطة الوحيدة التي تعتبر حتى اللحظة أفضل من أرقام إبرا الحالية، هي حين وصل إلى باريس سان جيرمان يومها سجل 35 هدفاً في 46 مباراة بمختلف المسابقات بالموسم الأول، لكن مع تبقي جولات عديدة على البريمييرليغ وتواجد فريقه في الدوري الأوروبي فهو قادرٌ على تجاوزه، بالتالي سيكون موسم إبرا هذا الأفضل تاريخياً في مسيرته.
إبراكانتونا
قد يبدو العنوان للبعض غريباً، نعم فهو خليط بين نجمين، ويعود بنا إلى أيام حالة فريدة في مانشستر يونايتد، إلى حقبة اللاعب الفرنسي إيريك كانتونا، والذي استطاع أن ينصّب نفسه ملكاً لمسرح الأحلام خلال فترة التسعينيات (1992-1997).
اللاعبان يتشابهان في الشخصية القيادية والطبع الحاد، والمزاج الصعب وكذلك التصريحات القوية، حين وصل إبراهيموفيتش إلى مانشستر يونايتد قال كانتونا: "لقد اخترت أن تكون أحمر، هذا أفضل قرار ممكن أن تتخذه"، فردّ السويدي: "أنا معجب بكانتونا كثيراً وسمعت ماذا قال عني، لكنني لن أكون مجرد ملك في مانشستر بل أكثر من ذلك بكثير".
مرّت هذه الكلمات ومعها دخل إبرا قلوب مشجعي الشياطين الحمر، بات هو "الملك" فعلاً، لن نغوص طويلاً في لغة الأرقام بين الاثنين، لكن التاريخ يقول إن كانتونا سجل في موسمه الأول 9 أهداف في 23 مباراة، وخلال 5 مواسم لم ينجح في تجاوز رقم إبرا الحالي (26 هدفاً)، إذ هزّ شباك الخصوم 25 مرة في 49 لقاء في موسمه الثاني (1993-1994)، بالتالي فإن لغة الأرقام تصب في مصلحة السويدي من دون شك.
صرّح كانتونا مؤخراً ليوروسبورت: "في عام 2017، أعلن أمام الجميع أنني أتخلى عن مملكتي، ولقبي الفخري في مواجهة الإعلاميين، زلاتان هو خليفتي الطبيعي في هذا المجال سيلتهمهم مع كامل احترامي"، هذه الكلمات تؤكد أهمية الشخصية القوية التي يفرضها الآن إبرا في اليونايتد.
هو حالياً يساعد اللاعبين، الصغار أمثال ماركوس راشفورد وحتى أنطوني مارسيال وآخرين يتعلمون منه ومن خبرته، وهذا يسعد الجماهير، لأن ذلك حصل مع جيل "الـ92" أي في الفترة التي شهدت انطلاق لاعبين أمثال راين غيغز وبول سكولز وديفيد بيكهام، إذ استطاع هؤلاء تحقيق ألقاب تاريخية للفريق مع السير أليكس فيرغسون بعدما تعلموا الكثير من اللاعب الفرنسي.