مرة جديدة يُضطر "مصرف لبنان" إلى ضخ سلة تحفيزية لتغطية عجز الدولة عن دعم قطاعات حيوية، وفي طليعتها الإسكان، وهذه المرة بمبلغ يتجاوز نصف مليار دولار كشف عنه أمس، لإنقاذ القطاع العقاري المتداعي ودعم القطاع المصرفي الذي تحمّل فوائد الدعم العام الماضي.
التعميم الذي حمل الرقم 515 والموجّه إلى المصارف والمؤسسات المالية، يشمل القروض المدعومة السكنية وغير السكنية، ومن خلاصته يتبيّن أن الرزمة الجديدة المخصصة للقروض السكنية تبلغ قيمتها 790 مليار ليرة (نحو 526 مليون دولار)، منها 490 ملياراً (326 مليون دولار) مخصصة لسداد دعم ملفات قروض الإسكان العالقة عن عام 2018، و300 مليار ليرة (200 مليون دولار) موجهة لدعم قروض عام 2019. (الدولار= 1507.5 ليرات سعراً وسطاً).
هذه المبالغ تكاد لا تغطي إلا جزءاً يسيراً من حاجة اللبنانيين إلى شراء منازل لهم، ومع ذلك فإن ارتفاع منسوب المخاطر السيادية نتيجة الوضع السياسي المأزوم منذ 9 أشهر على ضوء عجز الأفرقاء عن تشكيل حكومة إنقاذية جامعة، انعكس على تكلفة القروض فارتفعت فوائدها وأصبحت شروطها أكثر تشدّداً.
بهذا المعنى، كان لافتاً في تعميم "المركزي" أنه حدّد، بطبيعة الحال، شروطاً جديدة لهذه القروض، فالفائدة ارتفعت من 5.4% سابقاً إلى 5.9% على القروض الممنوحة مباشرة عبر المصارف التجارية، كما صعدت من هامش كان يراوح سابقاً بين 2.2% و4.7% إلى 5.4% لقروض الجهات المعنية ببروتوكولات خاصة موقعة مع جمعية مصارف لبنان، مثل "مصرف الإسكان" و"المؤسسة العامة للإسكان" والمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية وغيرها. وارتفعت بالتالي فوائد قروض "مصرف الإسكان" من 3.75% إلى 4.75%.
أما سقف القرض (الحد الأعلى المسموح به للفرد)، فقد حُدّد بمبلغ 450 مليون ليرة (300 ألف دولار)، في حين أن التعميم يُحدّد آلية منح هذه القروض، بحيث يشترط على المصارف التجارية أن تبيع "مصرف لبنان" دولارات مقابل قيمة كل قرض تمنحه للأفراد بالليرة اللبنانية.
في جانب آخر، تضمّن التعميم رُزماً لدعم قروض أخرى، مثل تخصيصه 45 مليار ليرة (30 مليون دولار) لدعم القروض التعليمية الممنوحة من المصارف إلى الطلاب، و25 مليار ليرة (17 مليون دولار) لقروض مؤسسات إنتاجية صغيرة ممولة من المصارف كافة بالليرة اللبنانية.
رئيس قسم الدراسات والأبحاث الاقتصادية في مجموعة "بنك بيبلوس"، نسيب غبريل، عقّب في تصريح عبر الهاتف لـ"العربي الجديد" على أهمية هذا التعميم، فقال: "لا ننسى أن التعميم ليس محصوراً بالإسكان، بل هو عبارة عن سلة تحفيزية تشمل مجموعة قطاعات يدعمها مصرف لبنان منذ سنة 2013".
وأوضح أن "القروض السكنية في السلة الجديدة حجمها 790 مليار ليرة، يعني أكثر من 500 مليون دولار، منها 490 ملياراً مخصصة لسداد مبالغ للمصارف التي دعمت من قروض الإسكان من أموالها الخاصة عام 2018 التي تمت الموافقة فيه على 1100 قرض سكني تقريباً".
غبريل أكد أن "صرف سلسلة الرتب والرواتب قد أثّر على القروض، لأنه زاد مدخول الموظفين في القطاع العام بنسبة كبيرة جداً من خلال ضخ كتلة نقدية هائلة في السوق دفعة واحدة، وهذا ما أدى إلى تشجيعهم على طلب قروض سكنية، ما أنتج نفاداً سريعاً للسلة التحفيزية التي كانت مخصصة للقروض السكنية والتي كانت قد أُعلنت عام 2017 لسنة 2018، وكذلك تلك التي أعلنت مطلع عام 2018".
ويجزم غبريل أن "قروض الإسكان يُفترض أن تكون مسؤولية السلطة التنفيذية، علماً أن مصرف لبنان حمل هذه المسؤولية العام الماضي رغم وقف قروض الإسكان، واتفق مع جمعية المصارف على استخدام أموال البنوك الخاصة لاستمرار الدعم، وذلك بعد 9 سنوات من رُزم التحفيز، فيما تتخاذل السلطة عن تطوير سياسة إسكانية عامة".
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن التعميم الجديد الصادر عن المصرف المركزي ليس إلا حلاً موقتاً بانتظار اضطلاع السلطة التنفيذية (أي الحكومة) بمسؤوليتها على هذا الصعيد، مع الإشارة إلى أن مبلغ الـ300 مليار ليرة الذي يخصصه التعميم لقروض إسكان 2019 يشكل 3 أضعاف مبلغ الـ100 مليار ليرة الذي صوّت عليه مجلس النواب العام الفائت، مع لحظ أن وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية كانتا قد أعلنتا في أبريل/ نيسان 2018 نية تخصيص 1000 مليار ليرة لدعم قروض الإسكان، ومنذ ذلك الحين لم يسمع أحد شيئاً عن هذا الموضوع.