سلام أفغانستان: مباحثات الحكومة و"طالبان" تنطلق في الدوحة اليوم

12 سبتمبر 2020
يأمل الأفغان بوضع الحوار نهاية لدوامة العنف (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد أشهر من الترقّب عقب توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان" في 29 فبراير/شباط الماضي، تنطلق اليوم السبت المرحلة الثانية من مشروع السلام الأفغاني، بين الحكومة و"طالبان" في العاصمة القطرية الدوحة، تمهيداً لطيّ صفحة أكثر من 40 عاماً من الحروب المتناسلة والغزوات المتلاحقة. ويعوّل كثر على إمكانية نجاح الحوار الأفغاني، بعد فترة عصيبة من التوترات الأمنية وتفشي فيروس كورونا، خصوصاً أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، بموجب اتفاق الدوحة، يسير قدماً، مع إعلان واشنطن خفض وجودها العسكري في كابول إلى 4 آلاف جندي (من أصل 12 إلى 13 ألف جندي)، بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ولقي إعلان انطلاق الحوار الأفغاني صدىً إيجابياً في الداخل والخارج، خصوصاً أن نجاحه سيؤدي إلى وقف الحروب. ورأت وزارة الخارجية القطرية أن "هذه المفاوضات المباشرة بين مختلف أطياف الشعب الأفغاني تُعدّ خطوة جادة ومهمة نحو إحلال السلام المستدام في أفغانستان، وخصوصاً بعد توقيع الولايات المتحدة الأميركية وطالبان اتفاق إحلال السلام في أفغانستان بداية هذا العام". من جهتها، رحّبت الولايات المتحدة بالحوار، موفدة وزير خارجيتها مايك بومبيو للمشاركة فيه، والذي حذر احتمال بروز "نقاط مثيرة للخلاف" بين الجانبين.


تختلف رؤية الحكومة و"طالبان" حول المستقبل السياسي للبلاد

ويسود ترقب للمسار الذي سيأخذه الحوار في الأيام المقبلة، خصوصاً في ظل الشروط المتبادلة التي وضعها طرفا الحوار قبل الجلوس إلى طاولة، ورؤيتهما المتباعدة في شأن صياغة المرحلة المقبلة في أفغانستان، من دون أن يمنع ذلك الطرفان من إبداء رغبتهما الشديدة في إنجاح الحوار. ووضعت الحكومة الأفغانية شرطاً أساسياً أمس الجمعة مع إعلانها توجه هيئة مفاوضيها إلى الدوحة بأن "لا مساومة على النظام الديمقراطي واحترام إرادة الشعب"، في خطوة فسّرها مراقبون بنيّة الحكومة إكمال ولايتها حتى عام 2024، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس أشرف غني. وهو ما أصرّ عليه مسؤول رفيع في مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، بقوله لـ"العربي الجديد" إن الحكومة تقبل أي نوع من التنازل، ولكنها لا تقبل المساومة على آراء الشعب والذهاب إلى أي حكومة بديلة. ومن شروط الحكومة الأساسية للمضي قدماً، قبول "طالبان" وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى من المباحثات. في المقابل، أصرت الحركة على تمسكها بإقامة نظام إسلامي. ومع أن المسألة بالغة الدقة في كابول، وقد تؤدي إلى تأخر بروز النتائج الإيجابية في الحوار، رأى مراقبون أن تجارب الفترة الماضية توحي باحتمال نجاح الحوار، مستدلين على ملف إطلاق الحكومة سراح سجناء "طالبان". فقد رفضت إطلاقهم أكثر من مرة، وتم تأخير عملية تبادل الأسرى، غير أن الأمور انتهت إلى إطلاق السجناء، بمن فيهم 6 سجناء وصلوا إلى الدوحة مساء الجمعة، حيث سيوضعون قيد الإقامة الجبرية لفترة محددة، على الرغم من اعتراض فرنسا وأستراليا على إطلاق سراحهم.

وتبدو نية الحكومة الأفغانية واضحة في إحراز تقدم في الحوار، بإيفادها هيئة التفاوض إلى الدوحة، وأيضاً كبار المسؤولين في الحكومة وهم: رئيس المجلس الاستشاري الوطني الأعلى للمصالحة عبد الله عبد الله، وزير الخارجية محمد حنيف أتمر، مندوب الرئيس الأفغاني للسلام عبد السلام رحيمي وهو أحد المقربين لأشرف غني، ووزير شؤون السلام سيد سعادات منصوري نادري. من جهته، قال نادر نادري كبير المفاوضين في الفريق الذي غادر كابول على متن طائرة تجارية: "اليوم نذهب إلى الدوحة تحدونا الآمال والثقة بالنفس في تهيئة أجواء في أفغانستان، تصمت فيها البنادق وتترسخ قيم الجمهورية ويحقق الشعب الأفغاني ما يستحقه".  وفيما لم يعلن جدول أعمال الجلسة الافتتاحية رسمياً، غير أن "العربي الجديد" علمت من خلال مصادر مواكبة للتحضير للحوار أنه ستلقى عدة كلمات من قبل كل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المجلس الوطني الأعلى للمصالحة الأفغانية عبد الله وعبد الله، رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان، نائب زعيم الحركة، الملا عبد الغني برادر. كما لا تستبعد المصادر أن تكون للمبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد ولرؤساء هيئة تفاوض الحكومة و"طالبان"، معصوم ستانكزاي والملا الشيخ عبد الحكيم كلمات في الجلسة الافتتاحية. أما أولى النقاط التي سيتم بحثها في أول لقاء بين الوفدين الحكومي و"طالبان"، حسب المصادر نفسها، فتتعلق بتأسيس الأمانة العامة المشتركة التي تدير أمور الحوار. كما سيتم تعيين الوسطاء والمسهّلين الذين يرجع إليهم في حالة تعثر عملية المباحثات. علاوة على ذلك سيضع الطرفان بعض الأصول لعملية الحوار فضلاً عن الأجندة. وفي السياق، قال مصدر في الرئاسة الأفغانية لـ"العربي الجديد" إن هيئة تفاوض الحكومة ستطرح على الطاولة بعد الاجتماع التمهيدي طلب وقف إطلاق النار خلال فترة المباحثات. وفي رد على ذلك، قال مصدر في الحركة لـ"العربي الجديد" إن "طالبان" لن توافق على وقف إطلاق النار كلياً، ولكنها قد تقبل خفض وتيرة العنف، لكن من مطالبها الرئيسية تشكيل حكومة انتقالية تحل محل الحكومة الحالية وإجراء تغيير في الدستور، وذلك قبل التباحث بشأن مصير مسلحي الحركة. في هذه الأثناء، يشكل حضور بومبيو الجلسة الافتتاحية، دفعاً لمفاوضات المرحلة الثانية من السلام الأفغاني. وعلى الرغم من تحذيره من احتمال بروز "نقاط مثيرة للخلاف" بين الجانبين، لكنه شدد على أن "الحوار هو السبيل الوحيد للمضي قدماً إذا أراد الأفغان إيجاد السلام". وقال بومبيو على متن الطائرة التي كانت تقله إلى الدوحة: "لقد استغرقنا وقتاً أطول مما كنت أتمنى للانتقال من 29 فبراير إلى هنا، لكننا نتوقع للمرة الأولى منذ نحو عقدين، أن يجلس الأفغان معاً مستعدين لإجراء مناقشات مثيرة للجدل حول كيفية دفع بلادهم إلى الأمام للحد من العنف وتقديم ما يطالب به الشعب الأفغاني، أي أفغانستان متصالحة مع حكومة تعكس دولة ليست في حالة حرب". وشدّد على أن "التزامنا بتقليص عدد قواتنا إلى الصفر، مشروط بتنفيذهم التزاماتهم بموجب الاتفاقية، وهي واضحة للغاية بشأن مسؤولياتهم في ما يتعلق بالنشاط الإرهابي الذي يحدث في أفغانستان". لكن بومبيو حذر من مفسدي السلام، مشيراً إلى عمليات القتل المستهدف الأخيرة في أفغانستان ومحاولة اغتيال نائب الرئيس الأفغاني أمر الله صالح في وقت سابق من هذا الأسبوع. وكان للرئيس الأميركي دونالد ترامب، موقف عشية سفر بومبيو إلى الدوحة، بقوله "نحن نتفاهم بصورة جيّدة جداً مع طالبان في أفغانستان". لكن البيت الأبيض ومبعوثه للسلام زلماي خليل زاد، رفضا الإدلاء بتفاصيل حول الالتزامات التي تعهدت بها "طالبان" لدواع أمنية. واعتبر خليل زاد، في سلسلة تغريدات له على حسابه في "تويتر"، بأنها "لحظة تاريخية لإنهاء حرب دامت 40 عاماً، من دون حل عسكري، بل أدت إلى مقتل الأفغان".


ستُبقي الولايات المتحدة على 4 آلاف جندي فقط في أفغانستان

وفي تأكيد على صعوبة المرحلة المقبلة، أشار إلى أن الحل السلمي يتطلب من الجميع التنازل والمساومة، وأن التاريخ الحديث لأفغانستان أظهر أن السعي لاحتكار السلطة وفرض أيديولوجية ما بالقوة يؤدي إلى صراع دائم، ويجعل هذه البلاد عرضة للتدخل الأجنبي. وذهب القيادي السابق في حركة "طالبان"، وزير العدل في حكومتها، سيد أكبر آغا، إلى وصف الحوار في حديث مع "العربي الجديد" بـ"التطور الكبير الذي انتظره الشعب طويلاً"، مبدياً أمله في حديثٍ لـ"العربي الجديد" في الوصول إلى حل دائم. وعلى الرغم من تأكيده تعقيدات المرحلة المقبلة واحتمال اتخاذها وقتاً طويلاً "نظراً لتباعد وجهات نظر مختلف الأطراف الداخلية فضلاً عن تقاطع مصالح دول المنطقة والقوى العالمية"، غير أنه شدّد على أن لا حلّ سوى بالحوار لأن "الحل العسكري فشل باعتراف الجميع". ورأى آغا أن الأشهر السبعة الماضية، التي تلت توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة و"طالبان" تميزت بالشد والجذب، وأفضت إلى إدراك جميع الأطراف، أن المباحثات هي الحل الوحيد، وأنه لا بديل عن الحوار مهما تعقدت الأمور، بل إن تأخيره يؤدي إلى إراقة الدماء. من جهته، اعتبر الناشط إنعام الله رحماني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن انطلاق الحوار الأفغاني تطور كبير ومرحب به، لكن ثمة مخاوف عدة في حال فشل الحوار وانسحاب الولايات المتحدة، فقد نشهد حرباً أهلية مماثلة للتي حدثت في تسعينيات القرن الماضي. وأكد أن المعطيات الموجودة توحي بأن الأطراف الأفغانية مستعدة للتنازل وهو أمر إيجابي للغاية، بل ويكمن الحل فيه، إذ إن إصرار كل طرف على موقفه سيدفع البلاد نحو حرب لا تحمد عقباها.