حولنا كثير جداً من الصور. ترافقنا أينما حللنا تقريباً. وهي في الوقت ذاته، تدلّنا وترشدنا إذ هي رموز ووثائق أيضاً. يميلُ الناس عموماً إلى تخليد اللحظة عبر الصورة. لعلّهم لا يثقون في الزمن الذي يمحو هذه اللحظات، ومن هنا يستعينون بالصورة كي يحافظوا على ما مضى، وما يشكل جزءاً من ذاكرتهم.
غدت الصورة بمثابة سجل ذاتي لكل شخص. ومن أجل استعادة الماضي، تتحول الصورة إلى تذكار وحيد ربّما. لكنها تختصر الوقت ولا تشمله كله. ومن هنا تغدو الاستعادة ناقصة، خصوصاً إذا ما اكتفي بحرفيتها ونقلها من حيز الماضي إلى المستقبل، من دون إضافة بعد زمني عليها. لكن الصورة في مكان ما تحول كل شيء إلى ماضٍ لا يمكن أن يستعاد أبداً. هكذا يمكن لعالم الصورة أن يتحول إلى خدعة وتواطؤ بين طرفين يحاول كل منهما تأبيد الوقت الذي يظل في سيلان دائم وتحول مستمر.
ليست تأثيرات الصورة رهينة الذكريات فحسب. لقد مضى ذلك الزمن وطوت تقنيات الصورة المعاصرة صفحته. الصورة الآن شيء يرافق المرء حيثما كان. نحن نرى الصور أكثر مما نميل إلى اختيارها. إنها تحيط بنا على نحو خانق، وفق وفرة تدعو إلى الريبة والقلق ربما. من عالم الدعايات مروراً بعالم الصحف وقنوات التلفزة وصولاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي، يتدفق سيل من الصور لا يكاد يعرف نهاية. تتحول الصورة إلى رمز مباشر وآني. عدا ذلك، فالصورة حالية فورية وسريعة ويمكن التقاطها حيثما كان المرء حتى من دون تحضير واستعداد. إنها شيء طارئ وعابر ولعل وفرتها تلغي من فرادتها، فتغدو اللحظات متشابهة من فرط ما هي كثيرة ومتلاحقة.
لقد غدونا من "سكّان الصور" على نحو ما، حيث تطغى الصورة على المكان، إلى حدّ أن الأخير يتحول إلى إطار وربما مادة باهتة تحيط بالصورة التي تلمع ليل نهار. تحولت الصورة إلى شيء ضد مرور الوقت العادي على الأشياء، في الوقت الذي كانت فيه علامة على التصالح مع الوقت الذي يسجل اللحظات. الصورة الآن هي التي تختار مناسباتها، لا العكس.
لم يكن من مجال للشك في موثوقية الصورة في الماضي حيث كانت السيادة للصورة الفوتوغرافية. كانت تلك الصورة صادقة وحقيقة. أما الآن فيمكن إضافة صورة إلى أخرى ومزج حالة عادية بما هو غريب وخيالي. من هنا تغدو الصورة مجالاً للمنافسة على الذوق وامتلاك الحق، وهي غالباً ما تميل إما إلى المبالغة أو حتى تبلغ درجة الخديعة. لم نعد نشبه صورنا، ولعل الأخيرة تحولت إلى عبء بعدما كانت في بداياتها علامة سليمة على زمن مضى.
اقرأ أيضاً: مناسبات.. أم أعباء